ورد في كتاب ميزان الحكمة للريشهري الجزء السادس/ 352، روى الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام) عن جده المصطفى(محمد صلواته تعالى عليه وعلى آله):”من أحب السبيل الى الله عز وجل جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم، وجرعة مصيبة تردها بصبر”، وقد يتعرض المرء للإساءة من الآخرين، بقصد أو بغيره، وهاهو النبي(عليه أفضل الصوات وأتم التسليم)قد عفا عن قريش وهو في قمة الإنتصار، وقال لهم:إذهبوا فأنتم الطلقاء، وعفا عن المرأة اليهودية التي قدمت له شاة مسمومة!لقد أثيرت العديد من الشكوك، حول صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية، لكن حقيقته تكمن في أسباب كثيرة، دفعت بالإمام صوب هذا الخيار، فأصبح مطلباً إسلامياً وأخلاقياً، فالسياسة الداخلية والخارجية، والمؤامرات الغادرة، والظروف السياسية والعقبات، إضافة لمكر ودهاء معاوية المتستر بالدين، فالمواجهة كانت تتطلب حكمة وحنكة منه، بحيث لا يُضرَب الإسلام، كما إن الإمام الحسن(عليه السلام)، وجدها فرصة لإشاعة الوحدة، وحقن دماء المسلمين، فكان يعبأهم لأيام الحسين، بما يشاهدونه من ظلم معاوية وفسوق يزيد.
الحفاظ على عرى الإسلام من التفرقة، وقطع دابر المنافقين والمارقين، هو النهج الذي سارعليه كوالده علي بن أبي طالب (عليه السلام)، في الدفاع عن ولايته لأمر المسلمين، لكنه تجرع مصيبة الهجر والدواة، والباب والمسمار، والضلع المكسور، حماية للدين والعقيدة، والمضي بنشر الدعوة المحمدية السمحاء، ولا يوجد فارق زمني كبير بين القامتين المعصومتين (عليهما السلام)، للإنشغال بقضايا الأمة، لكن الحسن المجتبى (عليه السلام)، إستغل الصلح لإيصال صوت علي ومناقبه الى الشام، ويهيأ الناس لقضية كربلاء القادمة.
تعتيم إعلامي أموي إستمر لعشر سنوات، كان نقطة قوة لأهل البيت(عليهم السلام)،ومن زاوية مختلفة بعيدة عن المشككين، في تنصل الإمام المجتبى(عليه السلام)،عن مهامه بإدارة شوؤن المسلمين، لأنه رغم خناق المتربصين والأعداء، بقي الإمام مؤئلاً للكرم والجود، فكان بحق كريم آل محمد، ولم يجزع لهذه المصيبة، لأن المصيبة القادمة أكثر وجعاً، ألا وهي نينوى، فإن كان الصلح طفاً خاصاً بالمجتبى، حقن فيه دماء المسلمين، فقد إدخرها الأنصار لطف الحسين في كربلاء، وفي كلتا الحالتين أُعلن الإنتصار.