23 ديسمبر، 2024 7:10 م

والطوبجيّه هم جنود المدفعية في العهد العثماني، حيث كان المدفع يسمى الطوب، هؤلاء كانوا يرتدون ملابس تختلف عما يرتديه جنود الاصناف الاخرى، وكانت بنطلوناتهم من نوع البرجز، وجزمهم من النوع الضيق الطويل الذي يربط بخيط من الجلد يلتف على الساق، فكان يصعب عليهم خلع البنطلون ونزع الجزمة اثناء الوضوء، وكانوا اذا دعوا للصلاة ادوها بدون وضوء، فبينما كانوا ذات يوم في صلاة الظهر، دخل احد مفتشي الجيش، وسأل متعجبا عن سبب عدم خلع احذيتهم الطويلة، فافهمه الضابط السبب، فقال: ( صلاة الطوبجية لافرض ولانيّهْ).

والشعب العراقي الآن يشبه الى حد كبير صلاة الطوبجية، ترى الجميع وطنيا اذا تعلق الامر بالطائفة، فيشتم ويكفر ويقاتل، اما حين يتعلق الامر بالوطن فلاشيء ترى من هذا، يعني لا احد يحارب الرشوة، ولا الفساد، ولم يقدم احدهم برنامجا اقتصاديا على الاقل يستوعب فترة التقشف التي نمر بها، العلماني واليساري والمثقف يصطف مع طائفته، ولايترك للجاهل مجالا، كل من جانبه يؤسس لخراب الاوطان، لم ار احدا يرفع القمامة من الشارع، ولارأيت استاذا جامعيا يلتفت الى مايحدث في مناقشة الماجستير والدكتوراة من ولائم واموال تدفع لنيل الامتياز.

للاسف سحبنا جميعا الى ما اريد منا، وهو ان نصطف خلف طوائفنا، الطبيب والاستاذ والمثقف، شربنا المقلب وانتهى الامر، هذا يدافع عن عائشة والآخر يضع فاطمة باتجاهها في كفة ميزان ، وتنشب المعارك ويخرج الاثنان خاسران، هنا مليشيات وهناك حركات تكفيرية، وهنا كاتب طائفي وهناك كاتب طائفي، وهنا مثقف مؤدلج وهناك مثقف مؤدلج، هنا سياسي عاهر وهناك سياسي عاهر، هنا لص وهناك لص، هنا شاعر يبكي الانبار، وهناك شاعر يعير اهل الانبار ويتهمهم بالعمالة.

لا احد يعرف ماهو الدين، ولا احد يعرف ان رجال الدين رفضوا رفضا قاطعا توبة ابليس ودخوله الاسلام، لانهم بعد هذه التوبة ستكون مصالحهم مضروبة، منذ آلاف السنين ونحن نحيا نفس الدوامة، حتى حين ايقنا بوجود صحوة فكرية ربما ستضعنا بمصاف الدول الكبرى، شعرنا بعدها بالنكوص وعدنا ادراجنا نخاف من الغيب، ونبحث في كتب التراث والادعية، لا احد يريد ان يستوعب الدين بشكله الحضاري، شكله الذي يكون فيه اداة لجمع ابناء الوطن الواحد، لاتفريقهم، لم ارَ في العوائل

النازحة من الانبار، سوى اناس مخدوعين من قبل ثلة ظالمة، زينت لهم انهم مظلومون، وانهم لاجئون، وانهم ضعفاء، فصار الشاب القوي كالشيخ الضعيف، يمسك بماخفّ وغلى ويغادر بيته.

بالمقابل وضع اساطين السياسة الطريق المرصود امام النازحين، فادلوا بفتاواهم المتميزة، انه حصان طروادة الذي يحمل ابناء الانبار، من الذين سينتظرون الليل المظلم لينقضوا على بغداد، والناس لاتدري اين تولي وجوهها، هل هو حصان طروادة فعلا، ام انها لعبة سياسية جديدة تزيد من هوة الفرقة والتشرذم، بعضهم يتفتق تفكيره عن ان التوازن الطائفي في بغداد مختل نسبيا، ولذا على القادة ان يوجهوا باتجاه موازنة حقيقية لان التقسيم واقع لامحالة، وبغداد يراد لها ان تكون بدولتين، دولة الكرخ ودولة الرصافة، ممايستدعي نقل تمثال الرصافي الى الكرخ والاتيان بتمثال عبد المحسن الكاظمي.

لك الله ايها الوطن المذبوح بخناجر ابنائه وباسماء شتى، لك الله وانت تجود بنفسك امام انظار العرب الشرفاء، واميركا صاحبة العفاف والشرف، لك الله وانت تتحول من وطن الى مقصلة، تهدي الموت لابنائك في كل وقت، على يد الكاتب والشاعر والفنان والمقاتل، كلنا نحمل اسلحة فتاكة وخطرة، واضعفنا من يحمل البندقية، ونحن نصلي صلاة الطوبجية.