إن صلاة الجمعة في المسجد الحرام ليست كأي صلاة عادية، بل هي تتميز بروحانيتها العظيمة التي يعيشها المسلمون في أطهر بقاع الأرض. تلاحظ أن الإيمان قد تجلى في قلوب هؤلاء المصلين، وأصواتهم تعلو بذكر الله في مشاهد لا يمكن وصفها، مشاهد مهيبة يشعر فيها المسلمون بعظمة الإسلام ووحدة هذه الأمة وهم يجتمعون من كل بقاع الأرض ملبين نداء الله: لبيك اللهم لبيك.
هناك، ومنذ الصباح الباكر، يبدأ الحجيج والمعتمرون بالتوافد، إضافة إلى سكان مكة، إلى هذا المسجد المبارك، وأغلبهم يرتدون البياض وقلوبهم خاشعة وعيونهم تفيض بالدموع.
إنها صلاة تختلف عن كل صلاة، فيها الطمأنينة والسكينة والرحمة، وفيها حلاوة اللقاء بالله في بيت الله الحرام.
الطائفون يواصلون الطواف بهدوء حول الكعبة، في مشهد يملأ القلب سكينة.
الهدوء يلف المكان، رغم الحشود… وكأن القلوب كلها على قلب رجل واحد.
تكبيرات تتردد بين جدران الحرم، والوجوه مشرقة بالنور، والجباه خاضعة لعظمة الموقف.
الجميع هنا بين تسبيح واستغفار وصلاة من عباد خاشعين تائبين خائفين يرجون ربهم بالرحمة والمغفرة، وما أن تبدأ الخطبة ويبدأ الإمام بصوته الجهوري، تجد أن كلمات الموعظة والرحمة والتذكير بالله تدخل إلى قلوب الجميع. وما زالت كلمات الخطبة تتحدث عن قضايا المسلمين وتحثهم على التقوى والتراحم فيما بينهم، وعند الركوع والسجود ترى آلاف المصلين يسجدون في تناغم تام وكأنهم رجل واحد في جسد واحد، يرفعون أيديهم بالتكبير وأصواتهم تعلو بكلمة آمين خلف دعاء إمام الحرمين.
بعد الصلاة، يُكثر الناس من الدعاء، ويذرفون الدموع عند الكعبة، يسألون الله المغفرة والقبول.
إن عظمة صلاة الجمعة في المسجد الحرام كبيرة عند الله، فقد ورد في الحديث أن الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، فما بالك إن كانت صلاة الجمعة؟
اللهم لا تحرمنا لذة السجود في حرمك، ولا تقطعنا عن نورك، واجعل لنا من كل جمعة نصيبًا من الرحمة والمغفرة والقبول.