كانت يوغسلافيا بلدا قويا, ذو اقتصاد نامي, وجيش منظم, وكيان سياسي رصين, كان يمثل للغرب شوكة كبيرة, حاولوا بشتى الطرق, تفتيت قوة هذا الكيان, لكن لم يستطيعوا, وكان هذا البلد نظامه ديمقراطي, فأوصلت الانتخابات رجل ضعيف نسبياً, فحاصرته المخابرات العالمية بوثائق, فإما الانصياع لها, وإما الفضيحة والضياع, فقالوا له نحن لا نريد إلا شيء واحد تفعله لنا, إن تضع في المناصب المهمة, الأشخاص غير المناسبين, فوافق على طلبهم, وإذا بالدولة تنهار بعد مدة زمنية قصيرة, بفعل انتشار الفساد والجهل وسذاجة القرارات.
الفساد حوت كبير, يبتلع اكبر الدول, واقوي الأنظمة لا تصمد إمامه, مهما ملكت من جيوش, وترسانة أسلحة, انه المرض المميت.
مؤسساتنا الحكومية, يتمدد بها مرض الفساد منذ زمن, والكل يعلم بالأمر, قصص المفسدين على كل لسان, قصص تتحدث عن مدراء فاسدين حد النخاع, يعيشون عالة على الدولة, يقضمون مال الدولة كالفئران, يستبيحون التخصيصات المالية بمختلف الحيل, مع إن اغلبهم بأعلى الشهادات العلمية, وبالألقاب العلمية الكبيرة, لكن كل علمهم تبخر إمام أكل الحرام, فاصل الفساد ينتج من المدراء العامين والدرجات الخاصة, وهكذا تم ابتلاع المؤسسات الحكومية تماما.
كان الساعي للتفرد, يدعم نظاما فوضويا, فاقد للرؤية, مرتكز على الفاسدين, نشر قيم المصلحة الخاصة, والعلاقات وتقاسم الكعكة, كلها كي يدوم حكمه, وعمل على توزيع الموالين له, في المراكز الحساسة, فانتشر الفساد من القاعدة إلى قمة الهرم, إلى إن كشف سقوط الموصل, عن عورة كيان الفساد, وما عاد يمكن ستره, فكان قرار التغيير كحل لإنقاذ البلد من الضياع, وتم الأمر وسحب البساط , وتم الاتفاق على برنامج إصلاح كبير, فارث المفسدين ثقيل.
لكن نسمع اليوم تسريبات, عن وجود حصانة لبعض المفسدين, فقط لأنهم من حزب الدعوة, وإنهم سيكونون بعيدين عن أي عملية محاسبة أو إقصاء! فيعطل القانون, وتغيب المحاسبة, وتغمض العيون عن فسادهم, وهذا تعطيل لأي جهد للإصلاح, وهو فتح باب جديد للفساد, مما يدفعنا للخوف على مستقبل البلد مع وجود حصانة خاصة لرؤوس الفساد, والواقع انه لليوم لم تتم إقالة أي مدير عام من حزب الدعوة, مما يدفعنا للتوجس مما يحصل.
الأمة الساكتة تضيع حقوقها, وتغرق في حفرة الوحل, التي حفرها المفسدون, والنجاة تكمن في رفع الصوت, والمطالبة بالعدل.
نعتقد إن الحل يجب إن يسير في خطين متوازيين, الأول تشريع قانون يحدد سقف زمني لكل مدير, لا يتعدى أربع سنوات, وبعدها يترك المنصب لغيره, كي لا تتشكل بطانة وكروبات للفساد, ونتخلص من محنة اليوم بالقانون, والأمر الأخر يجب محاسبة المفسدين مهما كان انتمائهم, وعبر برنامج حكومي إصلاحي, يعمل على تغيير اغلب مدراء الأمس, والذين كانوا علة الضياع. لو نعمل بهذا الحل, لامكن إن نتلمس حبل الخروج, من حفر الوحل الكبيرة, التي أوجدها حكام الأمس.