انتقل الى جوار الرئيس الامريكي دونالد ترامب شخص يدعى إليوت برامز لإدارة ملف إيران بدلا عن السفير السابق براين هوك.
ويبدو ان لقب هوك، ويعني (الصقر)، لم يشفع لصاحبه براين بالاستمرار في منصبه رغم النجاحات الكبيرة التي حققها بعزل إيران وتضييق الخناق عليها على مدى أكثر من عام وبكل تأكيد سيبدو براين الصقر وكأنه حمامة وديعة امام صقر البيت الابيض الجديد والمعروف باسم إليوت ابرامز.
وبغض النظر عن حقيقة الاسباب وراء إزاحة هوك وتعيين ابرامز مكانه لكنه بات واضحا من ان هناك مرحلة جديدة قد بدأت بعد كثرة الحوادث الغامضة التي ضربت إيران خلال الأشهر الماضية والتي انتهت بالتفجير المريع الذي ضرب مرفأ بيروت وهنا يتبادر للذهن تساؤل مشروع لماذا اليوت برامز تحديدا. . . ومن هو هذا المسؤول الجديد عن ملف إيران؟
لمع نجم اليوت ابرامز عندما تم تعيينه لمنصب كبير مساعدي الرئيس جورج دبليو بوش لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا بما في ذلك ملف النزاع العربي الإسرائيلي وكان ذلك في الثالث من ديسمبر عام 2002.
اثار هذا التعيين ردود فعل غاضبة حتى من مؤيدي إسرائيل كونه متطرف أكثرمن اللازم وربما سيلحق ضررا بإسرائيل أكثر مما هو نفعا وكانت أحد اهم تلك الأصوات المؤرخ الأمريكي من أصول فلسطينية, البروفيسور رشيد الخالدي رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا والمعروف بتعاطفه مع إسرائيل وحقها بالعيش بسلام مع الفلسطينيين حيث كتب في حينها من ان تعيين ابرامز في هذا المنصب يمثل نكسة كبيرة و “مأساة للشعبين الإسرائيلي والامريكي”, كونه متطرفا في تأييده لإسرائيل وخصوصا حزب الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو, ناهيك عن دوره في فضيحة ايران كونترا في زمن الرئيس رونالد ريغان حيث وجهت له تهمة الكذب!
تبوأ أبرامز عدة مناصب قبل ان يصل للبيت الابيض حيث عمل رئيسا لمركز الاخلاق والسياسة العامة من عام 1989 حتى عام 1996، وكان أحد البارزين في تأسيس “مشروع القرن الامريكي الجديد PNAC “ في العام 1997 قبل ان يصبح رئيس لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية من يونيو عام 2000 حتى مايو 2001 عندما تم تعيينه من قبل مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس كمساعد خاص للرئيس والمدير الأول لـلديمقراطية وحقوق الإنسان والعمليات الدولية في مجلس الأمن القومي.
يعد إليوت ابرامز من أبرز صقور مدرسة “المحافظين الجدد“ و مشروعهم العتيد (مشروع القرن الأمريكي الجديد)، الذي ابتدع شعار محور الشر, (العراقوايران وكوريا الشمالية), وكان ذلك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر, لكن ما هو مثير حقا ان المحافظين الجدد كانوا قد تبنوا فكرة الإطاحة بصدام حسين ونظام البعث في العراق قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر بسنين وبالتحديد في 26 كانون الثاني (يناير) 1998 ، حيث كتب قادة مشروع القرن الأمريكي الجديد رسالة واضحة إلى الرئيس بيل كلينتون بخصوص العراق، مستهزئًين بسياسة الاحتواء، وأن هذه السياسة يجب أن تتوقف، ويجب أن تحل محلها سياسة أكثر نشاطًا وتعتمد على: “الاستراتيجية الوحيدة المقبولة وهي التي يجب ان تقضي على احتمال أن يكون العراق قادرًا على استخدام أسلحة الدمار الشامل . . . أو التهديد باستخدامها”!
اثارت تلك الرسالة جدلا في ادارة الرئيس كلنتون عن اهداف ونيات المحافظين الجدد وتلخص الجدل بسؤال محدد “لماذا العراق؟” حيث هناك النظام الوحشي في كوريا الشمالية، والذي أعلن نفسه كقوة نووية ويقوم بتصدير تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى، وكذلك هناك ملالي إيران المعادين لأمريكا والمسؤولين عن النظام القمعي في إيران، حسب تعبيرهم، وان هاتين الدولتين تمثلان الخطر الاكبر على الولايات المتحدة من بين أعضاء “محور الشر”.
تبنى أبرامز موقفا مفاده من ان العراق يمثل فرصة عظيمة للغاية لصانعي سياسة المحافظين الجدد في إدارة بوش – إنها ساحة اختبار فريدة لتطبيق نظرية مشروع القرن الامريكي الجديد التي تؤمن بها حركة المحافظين الجدد – يتلاءم العراق مع تطلعاتهم تجاه الدولتين الاخريين في محور الشر.
ما هو مشروع القرن الامريكي الجديد
Project for the New American Century:
تم تأسيس مشروع القرن الامريكي الجديد ككيان رسمي في عام 1997 من قبل اثنان من قادة المحافظين الجدد وهم ويليام كريستول وروبرت كاغان ويسعى مشروع القرن الأمريكي الجديد إلى تأسيس ما يسمونه “السلام الأمريكي” في جميع أنحاء العالم. وتعني تلك الفكرة في الأساس، الى تحويل أمريكا، القوة العظمى الوحيدة المتبقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى إمبراطورية تحكم العالم بقوة السلاح!
كان الموقعون الأصليون والبالغ عددهم 25 كانوا مزيجًا من الأكاديميين والسياسيين من المحافظين الجدد، وقد وجد العديد منهم في وقت لاحق مناصب في ادارة جورج دبليو بوش. وكانت أحد مرتكزات مشروع القرن الامريكي الجديد هو العراق، هاجسهم الرئيسي قبل أن يصل بوش لسدة الحكم، وقبل الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.
في عام 1998، كتبت المجموعة الرسالة المشار اليها اعلاه إلى الرئيس بيل كلينتون، مطالبين باتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد العراق.
وطبقًا لما قاله أحدهم وهو ويليام ريفرز إن “حدثان أدخلا مشروع القرن الأمريكي الجديد إلى التيار الرئيسي للحكومة الأمريكية: الانتخابات المتنازع عليها لجورج دبليو بوش وهجمات 11 أيلول / سبتمبر. وعندما تولى بوش الرئاسة، كان الرجال الذين خلقوا وعززوا الأحلام الإمبريالية لمشروع القرن الأمريكي الجديد أصبحوا هم من يدير البنتاغون ووزارة الدفاع والبيت الأبيض. وعندما سقطت الأبراج في نيويورك، رأى هؤلاء الرجال، أخيرًا، فرصتهم لتحويل أوراقهم البيضاء إلى سياسة جوهرية. “
كان العديد من أعضاء مشروع القرن الأمريكي الجديد، بمن فيهم ديك تشيني وزلماي خليل زاد وعائلة بوش، مرتبطين بمصالح وعلاقات مع شركات النفط. وكان العديد من الأعضاء الآخرين يعملون منذ فترة طويلة في المؤسسة العسكرية الأمريكية أو “الدراسات الاستراتيجية” للحرب الباردة، ومن ضمنهم إليوت أبرامز، ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، جون بولتون، وبول وولفويتز. لذلك ليس مفاجئًا أنه في حين أن المجموعة تكرس اهتمامًا مفرطًا بالعراق، فإن خطابها العام كان يرتكز على الحاجة إلى “إعادة تسليح أمريكا”. وقد يفسر امتلاك العراق للثروات النفطية جزءًا مهما من التركيز على العراق، لكنهم نجحوا في دفن نواياهم تحت خطاب حاجة الأمن القومي إلى تطوير القدرات الدفاعية الامريكية.
كان مشروع القرن الأمريكي الجديد (PNAC) القوة الدافعة وراء صياغة وإقرار قانون تحرير العراق، والذي اضفى الغطاء القانوني على التصاميم النهائية لهذا الصراع، وتم بموجبه تحويل ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب إلى المعارضة المسماة المؤتمر الوطني العراقي، ورئيسها أحمد الجلبي، على الرغم من التحفظات الكبيرة التي احاطت بشخصية الجلبي بعد ادانته من قبل محكمة أردنية في تهم الاحتيال المصرفي. لقد جمع الجلبي والمؤتمر الوطني العراقي، على مر السنين، الدعم لقضيتهما من خلال الوعد بعقود نفطية لأي شخص من شأنه أن يساعد في تحرير العراق.
الأسس الفكرية للمحافظين الجدد
اثارت الجذور الفكرية للمحافظين الجدد جدلا كبيرا في منتديات السياسة الامريكية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي لكن الرأي الأكثر شيوعا هو أن الأصول الفلسفية للمحافظين الجدد تكمن في دمج أفكار الفيلسوف الالماني ليو شتراوس ذو النزعة اليمينية (هاجر من المانيا النازية الى ولاية شيكاغو سنة 1938) مع فلسفة نظيره اليساري ليون ترو تسكي. . . ذلك ان العامة من الجماهير غير قادرة على التعامل مع جوهر الحقيقية وبعبارة أخرى، هناك نوعان من الحقيقة: اولا الحقيقة الباطنية وهي الحقيقة الأساسية، والتي يجبأن تبقى في دوائر فكرية معينة، لا يعرفها إلا الذوات وأصحاب الامتياز, وثانياالحقيقة الظاهرية : وهي الحقيقة التي تتولى النخبة نشرها بين الجماهير وعامة السكان.
في هذا الصدد، يقول اليوت ابرامز كان العراق يشكل تهديدًا مباشرا للولايات المتحدة ومصالحها عن طريق الامتداد الجغرافي وحرمان الولايات المتحدة منالهيمنة في تلك المنطقة، وبهذا فان صدام حسين كان قادرًا على تحدي القيادة الأمريكية وتهديد مصالحها أكثر بكثير من إيران التي لم تبادر الى الان لغزو اي دولة اخرى وهي حريصة على عدم زج شعبها بحروب خارجية ولكن بنفس الوقت يجب ان نتذكر قدرتها العالية في حرب الاستنزاف والزج بالموجات البشرية للدفاع عن حدودها اما من ناحية كوريا الشمالية فهناك اليابان والصين، وكلاهما يريد منع كيم جونج أيل من خلق شكل من أشكال الصراع المسلح في تلك المنطقة لذلك فان العراق يشكل الهدف الاسهل من الثلاثة ويجب البدء به!
وكان له ما اراد، اجتاحت امريكا العراق وسقطت بغداد في التاسع من ابريل نيسان عام 2003. . . تم تدمير الجيش والدولة والبنى التحتية قبل ان تأتي الحرب الاهلية على قتل مئات الالاف من العراقيين في أكبر جريمة حرب عرفها التاريخ الحديث بحسب وصف الاديب والاعلامي البريطاني سايمون جينكنز.
في عام 2006 تم حل منظمة مشروع القرن الأمريكي الجديد وتحول المشروع العملاق الى مجرد صندوق بريد ورسالة صوتية مسجلة، الا انه بعد مرور عشرة أعوام تقريبا عاد اليوت ابرامز للظهور مرة أخرى وبدأ يوقع الرسائل والكتب الرسمية تحت اسم “مشروع القرن الأمريكي الجديد“ مرة أخرى مما حدا بمجلة فوربس الامريكية الشهيرة بنشر مقال بتاريخ 9 فبراير 2017 تحت عنوان “هل يمكن ان يكون دونالد ترامب أحد المحافظين الجديد السريين؟
ويمضي المقال الى انه في حالة أقدم ترامب على تعيين اليوت ابرامز في ادارته سيكون ذلك تصرفا مذهلا بحق.
تقول الحكمة (من شب على شيء شاب عليه)، فهل يا ترى قد حان دور إيران؟
لا نتمنى ذلك للشعب الايراني الجار.