من مفارقات الدنيا، مر الوطن بهجمة سياسية شرسة، كان أبطالها فٌساد الخلق، فلا يهابون حرمة وطن ولا يخشون كلمة دين، هؤلاء الثلة الفاسدة لعبت في مقدرات الامة، حتى نهشوها من كل حدب وصوب، ولعل أحد الجوانب التي نٌهشت؛ بل أهمها هي الموارد النفطية للبلد.
جميعنا سمع بعقود جولات التراخيص، وكيف عمل عليها عرابها وسيده، ليحققوها رغما على من إعترض، لم نعرف سبب الاصرار على عقدها، هل لمصلحة الشعب أم لمصلحتهم الشخصية الحزبوية؟ وبعد توضيحات من مسؤولين بالشأن الاقتصادي؛ إتضح إن المصلحة الشخصية كانت دافعا لإجراء هكذا صفقة! ستحبس مصدر رزق العراقيين لسنوات.
جولات التراخيص الاولى مدة عقدها يستمر لعشرين سنة! والطامة الكبرى في العقد؛ إنه جرى على ثمانية حقول مكتشفة ومنتجة وتعمل منذ سبعينيات القرن الماضي، وقدمت وفق العقد للشركات الأجنبية على طبق من ذهب، بذريعة تطوير تلك الحقول، فإن (20) عاما لعقود نفطية بحجم الآلاف من المليارات، في ظل التقلبات البهلوانية للأسعار؛ وإرتباك أسواق بيع النفط، بحد ذاتها مغامرة طائشة فاسدة.
وزير نفطنا ورئيسه وقتذاك؛ سدوا آذانهم بأصابعهم، ولم ينتبهوا للأزمة التي ستحدق، لاسيما وقد قدم مجموعة من الخبراء والمهندسين والاقتصاديين، في (24/ 6/ 2009) بيانا لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير النفط، يرجون فيه عدم إجراء عقد جولات التراخيص، وتأجيل العمل به، لكنهم لم يجدوا آذانا صاغية لبيانهم، فبعد أسبوع وفي (30/ 6/ 2009)، أعلن السيد الوزير عن الشركات صاحبة الحظ الأوفر والأعلى، بفوزها بأكبر مناقصة تجري للمرة الأولى منذ أربعة عقود مضت.
مناشدات ومطالبات من نواب وإقتصاديين، أبدوا إنزعجهم من الخطوة التي خطاها الشهرستاني، في تفتيت المورد الأصلي للبلد، ودعوا آخرين بأن تستجيب الوزارة لإعتراضات مجلس النواب، لكن الصفقة أكبر من وطن ومصلحته! ففيها تأمين لمستقبل السيد الوزير وحزبه وعائلته لاسيما إنها سترصد ميزانية للدعاية الإنتخابية.
بعدما استلمت الشركات عملها، إتضح بأنها عقود مشاركة لا عقود خدمة! لأنها تشارك في إدارة الانتاج وملكيته والتحكم في معدلاته، فضلا عن إن الحقول التي سيطرت عليها الشركات الفائزة، مترابطة ومتداخلة جيولوجيا مع الحقول النفطية الأخرى، وكذلك تبين أن هذه العقود فيها خرق قانوني، حيث تتعارض مع قانون حماية الثروة الهايدروكرونية! (84 في 1985), حيث لا يعطي القانون الحق للوزارة بإبرام هكذا عقود.
خلاصة القول: إن الصفقة يمكن وصفها ودون تردد، بأنها عملية إغتيال مبكرة لمستقبل الأجيال القادمة، وبهذا قد زادت جريمتها على جريمة سبايكر، التي خلفت الآلاف من الفقراء والمحتاجين، ولأن البلد مر بهجمة سياسية كما أسلفنا، يكافئ عراب جولة التراخيص الفاسدة، بهدية إستأزار التعليم العالي، التي أفسدها أيضا، وهنالك نية لتسليمه حقيبة الخارجية العراقية.