18 ديسمبر، 2024 8:14 م

منذ صعود نجم “دونالد ترامب” كرئيس محتمل للولايات المتحدة قبل ان يصبح رئيسها بالفعل؛ كأول رئيس دون عمق سياسي؛ و الرجل لا يعرف عنه أي مبدأ سياسي بخلاف شعاره الشعبوي “اميركا اولاً” و هو شعار موجه للداخل، و دعمه المفتوح لليهود المتطرفين خارجياً “هو لا يدعم الاسرائيليين جميعاً” انما يقتصر دعمه علي المتطرفين منهم، و في هذه المرحلة فان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هو المستفيد الاول ان لم يكن الوحيد من ذلك الدعم! و كذلك تلويحه الدائم بأنه لا يؤمن بمبدأ حل الدولتين الذي تقوم عليه مجمل العملية السياسية في المنطقة منذ انطلاق مباحثات مدريد و اتفاق اوسلو، و ذلك الدعم و كذلك التلويح لا يصدران عن فكرة سياسية يعتنقها “ترامب” بقدر ما ينتج عن تعصب ديني و ايمان شعبوي ايضاً.
اليوم تتم ترجمة ذلك الدعم في صيغة مبادرة ظل ترامب يبشر بها منذ سنوات و سمّاها “صفقة القرن” بينما لا تعدو في الواقع كونها “صفقة ترامب” اذ انها تعتمد ذات الاسلوب الذي يتبناه ترامب في ادارة امواله و املاكه و اعماله الخاصة!
الي الأن لم تتبين كامل ملامح تلك الصفقة، لكن ما رشح حتي الأن بعد إعلان ترامب لملامح “صفقته” هو انها تأتي في ثمانين صفحة و لخصتها بعض الوسائل الاعلامية في عشرة نقاط تصب كلها في صالح نتنياهو و المتطرفين اليهود..
ثمة ملاحظة كبيرة علي “صفقة ترامب” و هي ان الصفقة لا تعتمد علي اي اساس من القانون الدولي (قرارات مجلس الامن بهذا الخصوص) و لا السياسة الدولية، بل و لا تعتمد علي مبدأ سياسي أو قانوني أميركي علي الاقل حتي تاريخ إعلان ملامح الصفقة.
أما بقية الملاحظات فهي؛
اولاً، تشكل اجماع فلسطيني علي رفض الصفقة و الاعلان الاميركي، بما يمثل نواة لوحدة فلسطينية سياسية تنهي عقود من الانقسام.
ثانياً، ليس هناك قبول اقليمي للصفقة، فمصر و الاردن اللتين تجمعهما اتفاقيات سلام و حدود سياسية مع اسرائيل وحدود مع فلسطين لم تشاركا في إعلان الصفقة، كما لم تشهده دول لها علاقة وثيقة باميركا منها السعودية و قطر، و حتي الدول الثلاث التي شاركت “البحرين و سلطنة عمان و الأمارات” شاركت بتمثيل دبلوماسي منخفض جداً.
ثالثاً، ليس هناك قبول دولي خصوصاً من قبل الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي “باستثناء بريطانيا الحليف الوثيق للبيت الأبيض” و من الهيئات الدولية و الدول الوسيطة في العملية السياسية بين الفلسطينيين و الاسرائيليين “اللجنة الرباعية الدولية”.
رابعاً، تمثل الخطة تنازلاً عن فكرة ترامب الاولية التي تتخلي عن فكرة حل الدولتين! اذ عادت و تبنتها فقط بالمزيد من الانحياز الأميركي لاسرائيل.
خامساً، هناك اقرار ضمني بأن الصفقة غير قابلة للتنفيذ الفوري و لذا منحت الفلسطينيين ما بشبه “فترة سماح” طويلة مدتها أربع سنوات لدراسة “العرض” و التفكير في الصفقة!
سادساً، ثمة شكوك في ان هذه الصفقة تمثل وجهة نظر الادارة الأميركية فعلياً بكامل مؤسساتها التنفيذية و التشريعية اي انها تمثل وجهة نظر الدولة الامريكية، و كذلك المجتمع الاميركي، و الراجح انها تمثل وجهة نظر ترامب و صهره “كوشنر” و دائرة ضيقة من المحافظين المتشددين.
و اخيراً، تأتي هذه الصفقة و ترامب يعاني نزعاً لسلطته، فهو يخضع لاجراء مساءلة الرئيس، و إن كان موقفه مطمئن إلا انه نظرياً يبقي عرضة للعزل، كما ان حظوظه في الفوز بولاية ثانية بدأت في التدني بمتوالية ستنتهي بخروجه من البيت الأبيض.. بينما قيمة الصفقة المالية هزيلة جداً و لا تغري حتي بمجرد التفكير، و إن كانت الحقوق الفلسطينية غير قابلة للانتقاص و ليست معروضة اصلاً للبيع أو المقايضة!
كل تلك الاسباب تترك “صفقته” بلا قيمة و بلا اثر، لكن هذا لا يعفي الفلسطينيين و باقي دول المنطقة من القيام بدور لوضع حق الشعب الفلسطيني علي مسار صحيح..
فعلي الفلسطينيين اعادة توحيد صفهم و انهاء ذلك الانقسام البليد، و علي الجميع التأكيد علي اولوية المقاومة السلمية، اذ لم يضر بقضية فلسطين شئ مثلما اضرت به المقاومة الحربية أو العنيفة، فاستخدام العنف و انت في مركز ضعف يمثل اغبي عمل تقدم عليه!
ان المقاومة السلمية اسلوب مجرب و أثبت جدواه في اكثر من بلد و حالة من نضال غاندي و الهند الي نضال السود بزاعمة مارتن لوثر-كنج في اميركا “حركة الحقوق المدنية” الي كفاح السود بقيادة نيلسون مانديلا في الجنوب الافريقي.