22 ديسمبر، 2024 11:30 م

و يحدث أن تتزامن الأحداث و الانقلابات و بمحض الصدف .. و نتساءل كيف يمكن للمصادفات أن تعقد صفقات متتالية .. هل لسوء حظ .. أو لسوء اختيار القدر ..
و يأتي العيد و يأتي الفرح .. و تجري الطفولة في أرواح الكبار و الصغار .. فكلنا في العيد نغدو أطفالا مهما بلغ العمر و مهما اقتات من أرواحنا و أجسادنا .. لكننا في النهاية لا نهرم كثيرا .. و بين لحظة و ضحاها تتأجج فينا روح الطفولة و نجري هربا من أجسادنا و شعرنا الأبيض و تجاعيد وجوهنا التي تعكسها مرايانا كل يوم فمرايانا لا تكذب بقيت صادقة لم يغيرها الزمن إلا أن أرواحنا ستقفز مع أول طرقات العيد لتفتح الأبواب و تتصابى أمامه غنجا و دلالا ..
كالفراشات تُقبِّل الزهور و تطير هنا و هناك .. تنتشي من عبق السعادة و تثمل .. رغم عناء السنين و غبار الحرب التي لا تزول لكن بقي للعيد طاقة هائلة يمكن أن يتوارى خلفها كل شيء مهما ثقل وزنه حزنا أو هما ..
يوم الحادي و العشرون من شهر مارس هو التاريخ الذي يصادف فيه يوم الأم في الدول العربية ، فيه تمتلئ البيوت العربية بالزهور و الهدايا و الكعك .. هو يوم رمزي للتعبير عن الامتنان و العرفان و الحب لتلك الأم التي تبذل كل ما تملك و ما لا تملك على مدار السنة ..
و يصادف أيضا اليوم العالمي للشعر بقرار صادر من اليونسكو .. تنظم فيه الاحتفالات و المهرجانات و المسابقات الشعرية للتشجيع على قراءة و كتابة الشعر ..
و هو أيضا اليوم العالمي للأشجار و الغابات تم اعتماده من جمعية الأمم المتحدة للتركير على أهمية الأشجار و الغابات و العناية بها ..
كذلك هو اليوم العالمي لمتلازمة داون و يتم الاحتمال به سنويا دعما لهم ..
و هو أيضا عيد نوروز يوم إعلان الربيع و تمرد الأرض على برد الشتاء القارس و الأشجار على عريها .. لتودع كساء الثلج الأبيض الموحد و تستبدله بثياب خضراء متنوعة تطرزها بالزهور الملونة .. لتصالح السماء الأرض و تكشف سحبها عن وجه الشمس المشرق و ترسم على وجهها ابتسامة كبيرة كقوس قزح ..
لتأتي المصادفة و تصافح القدر فيشربان نخب العيد .. و يجلسان متكئان على حائط الأمنيات العراقية الجميلة مسترخيان جدا .. متربعان بانتظار وليمة دسمة ..
قررا الخروج في نزهة على شط دجلة الجميلة التي لا تشيب و لا تكبر .. في قمة الألق و الغنج .. علت أمواجها كضربات خلخال يعلو صوته ..
كانت جائعة حد الشراهة .. فابتعلت كل من زارها دون أن تفكر بتضييع وقتها في التذوق .. بلقمة واحدة كانت كافية لأن تنهي الطبق ..
ابتسم القدر فردت الصدفة بابتسامة مثلها .. لقد أتم دجلة المهمة دون أدنى جهد .. و قررا العودة لتناول نخب شهداء العبارة ..
و ظل الناس في مد و جزر يهللون و يلطمون حائرون بين الفرح و الحزن .. بين الضحك و البكاء .. بين ثياب الربيع و ثياب السواد التي لا زال البعض لم يخلعها بعد ..
و يطفو على دجلة بقايا أمنيات و أحلام .. لازالت قيد التنفيذ كانت يد دجلة اسرع باغتيالها ..
انقلب العيد إلى جنازة لا متناهية امتدت يديها لتحتضن العراق كله .. لتخبره أن الموت كما الحياة حق و أن الحزن كما السعادة قدر و أن انقلاب جمال دجلة إلى وحش ليس إلا صدفة ..
و توالت الأيام و بقي أهل العبارة يبكون على أطلال دجلة و امتلات شواطئها بالخبز اللذيذ .. الذي تفوح منه رائحة السمسم .. لعل أبناءهم المفقودين يشتهونه فيظهرون لسد جوعهم ..
و أما البعض الآخر فبقي في البيوت تاركا النافذة أو الباب مواربا لعل من رحل يعود إليهم على هيئة فراشة …