18 ديسمبر، 2024 8:19 م

صفقة القرن.. تتويج لمشروع الشرق الاوسط الكبير

صفقة القرن.. تتويج لمشروع الشرق الاوسط الكبير

منذ ستينات القرن الماضي أصبحت العاصمة الاميركية واشنطن أقرب الي كل عاصمة عربية “من اخواتها” العواصم العربية الاخري؛ قرب وجداني طبعاً و ليس قرب مسافات.. بمعني ان كانت حكومة عربية تريد انجاز امر ما مع حكومة عربية اخري فان عليها ان تطلب وساطة العاصمة الاميركية في ذلك، و ان التفاهمات تنعقد مع واشنطون بسهولة وسرعة بعكس “تفاهمات الاشقاء” لكن هذا “القرب” كان غير ملحوظ إلا لمن يدقق و يمعن النظر و يجتهد في التفكير، الجديد هو مع خواتيم ذلك القرن و اطلالة الالفية الاولي أصبحت العاصمة الاسرائيلية “الجديدة” القدس اقرب الي معظم تلك العواصم العربية من اخواتها ايضاً.. من كان ليتصور هذا قبل عقدين أو ثلاثة! اليوم عاصمة “الكيان” اقرب الي الرياض من الدوحة و اقرب الي أبوظبي من المنامة !!
الاتفاقات و اعلانات السلم التي ابرمت مؤخرا في واشنطون بين اسرائيل و الأمارات و البحرين و بترحيب مصري عماني هي في حقيقتها تتويج لمشروع اميركي جمهوري قديم هو “مشروع الشرق الاوسط الكبير/ الجديد” الذي سَوّق له بوش الابن مستغلاً حالة السيولة في المنطقة التي اعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م.. ذلك المشروع الذي اهمله اوباما أو بالاحري سار فيه بالرؤية الديمقراطية “ففي خاتمة المطاف كل سياسات الحزبين الكبيرين في واشنطون هي سياسات اميركية غايتها تحقيق اهداف الدولة/الأمة الاميركية”، و جاء ترامب ليحقق فيه اختراق كبير و ان كان ذلك بطريقة خرقاء تماماً، باسلوب فج نفذ ترامب العديد من الخطط و السياسات التي لم يكن ليجرؤ رؤساء ديمقراطيين أو جمهوريين حتي علي انفاذها (نقل السفارة الي القدس و توسع اسرائيل علي حساب اراضي الضفة ..الخ).
فبحجة ان اوباما تخلي عن المنطقة و هادن ايران دعمت حكومات الخليج ترامب و مررت سياساته و سهلت له تحقيق اهدافه دون اي مقابل يذكر، فتشدده حيال ايران لم يسفر عن شئ بعد، فايران لا تزال تتمدد في العراق “الانسحاب الاميركي المزمع من الاراضي العراقية سيكون بمثابة انسحاب أمام جحافل الحرس الثوري و البسيج الايراني و الفصائل العراقية الموالية لدولة الولي الفقيه” و الوجود الايراني في سوريا و اليمن و لبنان علي حاله لم ينقص بندقية واحدة!
فهكذا بين ليلةً و ضحاها أصبحت ايران هي العدو و هي قضية العرب “الانظمة العربية بالأصح” المركزية!
المتغير في علاقة واشنطون بالخليج و الذي يحكم الجمهوريين و الديمقراطيين معاً و يتعامي عنه الخليجيون و ينكرونه هو ان واشنطون نجحت اخيراً في التخلص من الحاجة لنفض الخليج، تلك الحاجة التي تفاقمت في حقبة السبعينيات ابان مقاطعة النفط، و منذ ذلك الحين و اميركا تسعي للفكاك من اسر نفط الخليج و هو ما تحقق مؤخراً بانتاج النفط الصخري
ان ما اسماه رئيس وزراء اسرائيل “بنيامين نتنياهو” صيغة “السلام مقابل السلام” مقابل صيغة “الأرض مقابل السلام التي قامت عليها فلسفة العملية السلمية بين الاسرائيليين و الفلسطينيين هي في حقيقة الأمر تنازل من جانب واحد هو جانب العرب المطبعون فيما تحقق اسرائيل كل المكسب! هي في حقيقتها صيغة الهباء مقابل كل شئ!!
ان أول المستفيدين من موجة التطبيع هذه هم اولاً الاسرائيليين، فرئيس وزراء الكيان الذي يعيش أزمة سياسية متطاولة في بلاده؛ و قد لا يسعفه هذا الانجاز الذي حققه للاسرائيليين ففي النهاية ضمنت اسرائيل اصدقاء جدد “علناً” فيما قد يذهب نتنياهو الي التقاعد السياسي أو الي السجن حتي!
ثم الاميريكيين، اذ قد لا يسعف ترامب ايضاً انجازاته في ملف فلسطين و قد يتعرض لعزل انتخابي بعد ان فشلت اجراءات عزله في الكونغرس.
أما العرب المطبعين فلن يجنون شئ ..
و هنا الفرق بين الانظمة التي تدار بكفاءة مؤسسية و الانظمة التي تدار بامزجة و ميول الشيوخ! ففي الانظمة الاولي تبقي الانجازات أما الاشخاص فيذهبون في حال سبيلهم، بينما في الثانية تبقي الاخفاقات و يبقي من جلبوها لجلب المزيد منها!!
فالمفارقة الفادحة ان التفاهمات التي ابرمت ستعرض علي الحكومة الاسرائيليية و علي الكنيست “برلمان الكيان” لإجازتها اذ لا تزال غير ملزمة لاسرائيل “برغم كل منافعها” بينما هي مجازة و ملزمة للعرب المطبعة بمجرد ان وافق عليها شيوخ التطبيع!!
ان الهدايا التطبيعة التي قدمت لترامب و نتنياهو هي هدايا بلا مقابل، و المؤسف انها هدايا انتخابية للطرف الخاسر؛ فنتياهو بكل المقاييس و التحليلات يدخل خريفه السياسي و مهما طال عهده فانه و في ظل اتفاق تقاسم المرحلة مع حزب بيني غاتس “أزرق أبيض” فان خريفه لن يطول، أما ترامب فانه سيتعرض لاختبار عزل انتخابي حايم و عصيب و غالباً ما يسفر عن طرده من البيت الأبيض بعد ان نجا من اختبار العزل القانوني في الكونغرس.