7 أبريل، 2024 8:30 ص
Search
Close this search box.

صفقة أمريكية إيرانية لتمرير موازنة العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

صوت البرلمان العراقي صباح الاثنين على الميزانية الثلاثية بعد انتظار طال عدة أشهر. وكما في كل مناسبة تتعلق بالعملية السياسية في البلد، على الشعب ان لا يستعجل طرفي القرار الذين يبتون بأوضاع العراق وفق سياساتهم وملفاتهم وعلاقاتهم المتوترة او الهادئة وبالأخص وفق الصفقات التي يبرموها بين بعضهم وما يقدمه كل طرف للآخر من تسويات لها ما يقابلها في الساحة العراقية. مثلما تشكلت حكومة محمد شياع السوداني عقب تنازل إيراني في لبنان بخصوص حقل كاديش لصالح دولة الاحتلال، فأن الميزانية العراقية قد صوت عليها بعد موافقة أمريكية أفرج بموجبها عن مبلغ 2 ,7 مليار دولار من أصل 18 مليار دولار من “الأموال الإيرانية” في بنك التجارة العراقي هي أثمان الغاز والكهرباء التي تزود بها إيران العراق، منعت الإدارة الامريكية الحكومة العراقية قبل أشهر وبسبب العقوبات وتزويد روسيا بالطائرات الإيرانية المسيرة، من تسليم المبالغ لإيران. لماذا أقدمت الولايات المتحدة الامريكية على رفع الحظر عن الأموال الإيرانية في العراق؟ هل امتنعت إيران عن تزويد روسيا بالطائرات المسيرة؟ هل أوقفت تعاونها العسكري في الحرب ضد أوكرانيا؟ ام ان هذه الأموال هي مقايضة سياسية آنية للحفاظ على الهدوء في الساحة العراقية التي يرى فريق الامن القومي للرئيس بايدن في مقال كتبه مايكل نايتس في مجلة “الفورن افيرز” “ان هدوء الشرق الأوسط هو غاية في حد ذاته وبالأخص في العراق رغم ان لواشنطن اجندة واسعة لتعزيز استقلال بغداد عن طهران الا ان البيت الأبيض يعمل على خفض التصعيد الإقليمي للسماح للولايات المتحدة بالتركيز على منافستها مع الصين”
لكن هذه المقايضة بدت في مناقشات الميزانية في البرلمان والتي استمرت أياما وليال غير كافية لوكيل الاحتلال الأمريكي في العراق ولا لاتباعه الذين استخدموا هذه المناسبة ليحولوها الى ضغوط على بعض أطراف العملية السياسية بهدف التصويت على قوانين بشكل غير دستوري وخارج سياق الموضوع وعلى ضرائب غير شعبية على الاغلب مقصودة تستهدف مستقبل رئيس الوزراء السياسي المرتبط بإرادة الاطار السياسي وميليشياته الذي رشحه لمنصبه وللحصول على مكاسب وامتيازات من هذه المليارات الاستثنائية التي يعرفها العراق اليوم والتي تبلغ 197 تريليون دينار ! بحسب المداخلات الإعلامية وقراءة جزء من البرلمانيين لنصوص الميزانية والقيام بتمرير القوانين على دفعات ، يظهر ان كثير منهم لم يقرأ نصوص الميزانية وبعضهم لا يفقه فيها، كما بدا ان بعض أعضاء الأحزاب لم يتهيؤوا مسبقا للمناقشة ولا للتشاور حول المواد التي تتضمنها وما يمكن ان يكون نقاطا خلافية او بالعكس مع الأطراف الأخرى او ما يفترض تمريره لكونه مطلبا شعبيا او لضرورة تنفيذ المشاريع والبرنامج الحكومي ربما بسبب تعليمات خاصة من الاطار التنسيقي لذلك برز الانطباع الذي طغى على جلسات البرلمان وهو ان اللجنة المالية التي يرأسها اعضاد من الإطار التنسيقي مكلفة من زعماء احزابها بمهمة تمرير مجموعة من المطالب والقوانين والسياسات التي تفسح مجالا مهما للفساد ونهب أموال العراق.
لقد صرح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قائلا ان التصويت على الميزانية سيمكن حكومته من الإيفاء بالوعود التي قطعها في برنامجه ليكون البلد ورشة عمل حقيقية تضعه على الطريق الصحيح في إعادة البناء لكن التصويت البرلماني الإطاري على بعض القوانين يسقط هذه الادعاءات والآمال التي وزعت دعاية على الشعب آبان تعينه. اذ تم تخصيص مبالغ هائلة للرئاسات الثلاثة هي ضعف ما خصص في الميزانيات السابقة، إضافة الى تخصيصات مالية نثرية كبيرة مرفقة بها تصرخ ارقامها بالمبالغة بالهدر والانفاق الزائد والمبالغ فيه. ووفق المادة 16 صّوت البرلمان على أطفاء السلف والقروض المالية المقدمة منذ 2003 الى اليوم ، سرقة قرن جديدة ، للأحزاب واتباعهم وميليشياتهم ومناصريهم والتي تصل الى أكثر من 130 مليار دولار حسب الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن المشهداني الذي أشار بغضب الى ان محاولات سابقة تمت منذ عام 2012 لاتخاذ مثل هذا الاجراء لكنها فشلت بسبب المعارضة الشديدة لها حتى من بعض السياسيين. فيما رأى السياسي الكردي محما خليل في التصويت لهذه المادة خيانة وكارثة كبرى للعراق معتبرا ان تمريرها هو تصرف سياسي وليس مهني يخدم مصالح الإطار التنسيقي ولا يخدم العراق. كما صوت البرلمان على مادة تتيح للجامعات الاهلية استحداث دراسات عليا وهو ما اعتبر اقحاما من اللجنة المالية واحزابها التي وضعت وعدلت في مواد الميزانية قبل ان تصل الى البرلمان في خرق دستوري لن يحاججها أحد في برلمان تسيطر عليه ! وفي نفس السياق صادقت كذلك على تعينات وتقاعد للحشد الشعبي والميليشيات التي تضخمت بهذه “المناسبة الثمينة” بنسبة 100% ورفضت رئاستها تسليم قوائم بأسماء المنتمين خوفا من كشف ارقام كبيرة تسمى فضائية هي باب معروف واسع للفساد والاستحواذ على الرواتب والأموال. وبينما يبلغ عجز هذه الميزانية 63 تريليون كما تدعي الحكومة ووجود تضخم هائل في عدد موظفي الدولة واهمال الحكومات المتعاقبة “عمدا” لمعالجة هذه المشكلة بطرق حديثة والانفتاح على فضاءات عمل مختلفة خارج إطار الوظيفة الحكومية، فأن رئيس الوزراء قد قرر فتح باب التعينات لنصف مليون درجة إضافية للخريجين العاطلين عن العمل على الاغلب ستكون جلها وظائف في وزارة الداخلية كما اعلن وليس في مجالات اختصاصاتهم الجامعية.، فيما اعاد أعضاء الإطار فرض ضرائب على المحروقات وعلى رصيد الهواتف والسفر تمس المداخيل الضعيفة والمحدودة للغالبية من الشعب العراقي سبق ان الغتها الحكومات السابقة، كما حاول هؤلاء دك اسفين الخلاف والتحريض بين الحزبين الكرديين عبر التصويت على المادة 14 الخلافية دون جدوى. مع عملية التصويت بدت محاولات زعزعة رئيس مجلس النواب الحلبوسي الذي رد على مناكفات الإطار له بمماحكات مماثلة تجاههم بخصوص أخطاء لغوية وقراءة غير صحيحة لنصوص الميزانية نقلتها القنوات الإعلامية مباشرة على الهواء وجعلت منها مادة فكاهية تتندر بها على أعضاء اللجنة المالية.
ان وصف الاعلام العراقي للميزانية بالملغومة غير كاف لان السؤال الأهم من كونها ميزانية ملغومة هو هل ستصرف تخصيصاتها المالية الهائلة فعلا على إعادة بناء ما تم تدميره والاهتمام بالقطاعات الأساسية من صحة وسكن وتعليم ورعاية اجتماعية وخدمات الماء والكهرباء والعمل بمواصفات حديثة كما يراه العراقيون في البلدان المحيطة بهم ام انها ستذهب لجيوب الفاسدين ولإيران؟ هل سيستغل رئيس الحكومة هذه الميزانية الانفجارية في تنفيذ برنامج حكومي لإعادة الصناعة التي اندثرت وإعطاء مزيد من الدعم للزراعة المتعثرة والمغبون حقها وإعادة تشغيل المصانع وفتح مجالات جديدة لعمل العاطلين؟ شاهد من أهلها هو النائب ماجد شنكالي يشهد بالقول معلقا على انهيار النظام الصحي قائلا ان الدولة تخصص مبلغ ضئيل لقطاع الصحة هو 17 مليار دينار وتخصص للزراعة مبلغ 15 مليار دينار، فهل هذه تخصيصات واقعية وجدية لحكومة لها ميزانية ضخمة واستثنائية للنهوض فعلا بهذين القطاعيين الأساسيين في حياة أي بلد وبالأخص في بلد مثل العراق بعد عقدين من التدمير والخراب؟ هل من المسؤولية والمصداقية والمهنية والعدالة تصويت برلمان بأكمله على إطفاء ديون للدولة تقدر ب 130 مليار دولار؟ أنها فضيحة العصر، مدوية امام الشعب العراقي والعالم لم تحصل في تاريخ أي برلمان سوى برلمان الاحتلال الأمريكي الإيراني الغاشم.
لقد تدخلت السفيرة الامريكية ايلينا رومانسكي للإسراع بتمرير الميزانية وربما تعتقد انها “بالدبلوماسية والردع” والفساد قد جلبت الهدوء كما تريد ادارتها في واشنطن لكن مايكل نايتس على حق في التشكيك بالهدوء الخادع لان نار تشرين لم تخمد بل ما تزال تتأجج تحت رماد الغضب العراقي.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب