ليس مهماً أن نستحضر الأرث الحضاري ونقارن بين تاريخ دولتين وأيهما أعمق وأكثر تحضراً ونتاجاً للبشرية؛ فنحن أبناء واقع نعيشه، وهذا الواقع يحدد مستويات الدول، فالعراق تعرض لهزات جلبتها حماقة ونزق حكامه، جعلته يتأخر ويعاني من مشاكل كثيرة، وهو يصرّح بمشاكله ويسعى لحلها بالتوقف لا بالهروب. هناك نوع آخر من البلدان، تعيش أدواراً بعيدة عن حقائق ما يجري فيها، وتحاول أن تتطاول مستأسدة على من حولها، كما فعل سابقاً أوردوغان بورطته مع بوتن!..
ربما أختلفت تركيا “مصطفى كمال” الحديثة، عن تركيا “آل أرطغل” القبلية بنكهة عنجهية الجبل، وقساوة الصحراء، حيث أمتزجت القبيلة مع الدين الرسمي على مر العصور، وغالباً ما كان ديناً إستهلاكياً. خليط (دين-قبيلة) يهتم كثيراً بمظاهر القوة والعظمة، ويبتعد عن الواقع مهما كانت عذاباته قاسية.
“العثمانية الجديدة” أطفأت جذوة الأتاتوركية الطامحة باللحاق في ركب الدنيا، فتغوّل رئيسها ليظهر عن وجه أقبح من وجوه قبيحة سبقته، إذ أراد في عصر العولمة أن يعيد سيطرة وهمية على ما ليس له. فشل في سوريا فشلاً ذريعاً جعله متخبطاً في دوامة غباء أثار شفقة الصديق وغضب المحايد وضحك المنافس وشماتة العدو. أستأسد الفأر، فضرب الأسد.
عدة أشهر وأوردغان يكابر على أمل الحفاظ على جزء ماء وجهه المباح، لم يعتذر لقيصر روسيا ولم يأسف على ضحايا الطائرة الروسية، والمكابرة تعكس تشبه الضعفاء بالأقوياء. ثم أعتذر، وذهب مرغماً، وقف كطفل صغير أمام معلم، وعلامات البلاهة بادية. صفعة بوتين أظهرت وجهاً آخراً لحفيد العثمانيين، وهو الوجه الحقيقي. فعاد إلى وعيه وأفاق من أحلام العظمة الذي أستغرق فيه ملياً.
عاد العثماني ليمارس هواية اللعب، غير أنّ هذه المرة يبتعد عن الأقوياء، ينتهز فرص الضعف التي تمر بها بلدان المنطقة. ويبدو أن لحظة الضعف العراقي أغرت أردوغان ليثبت قوته؛ فأظهرت طريقته السمجة شخصية مهزوزة تحاول الوصول لوصف “ديكتاتور”. وكما خابت المحاولة مع مصر أثناء لحظة ضعفها، ستخيب مع العراق الذي يستطيع أيلام تركيا الأخوانية. فالعراق الذي دحر اخوة أردوغان، قادر على هزيمة جيشه في الحدباء، والعبث بأقتصاده.
كلمة مقارنة بين العبادي وأردوغان؛ الأول أستطاع أن يفرِّق بين داعش وجمهور عريض كان يعيش معهم مضطراً، والثاني سوّد سجون بلاده بعشرات الآلاف شكاً وأشتباهاً. ولنترك تجارة المخدرات ونساء الليل التي أشتهر بها نجله الأكبر!..