18 ديسمبر، 2024 6:55 م

منذ نعومة اظفارنا تعلمنا من الاهل ومن معلمينا ان نقول الحق مهما كان الثمن وان لا نجامل ولا ننافق ولا نخدع ولا نزور ولا نناور ولا نلجأ لكلمات تحتمل الوجهين, وتعلمنا أن لا نحرف مواقفنا وأن نكن مع الحق حيثما يكون, وأن نتحلى بالصدق والشجاعة لانهما من صفات الرجولة الحقة, وأن نتجنب الظلم والاحقاد والكراهية والتعصب .
ولما كنا صغارا كنا احيانا نرتكب الحماقات داخل الصف الدراسي, ولما ينكشف امرنا نحاول الهرب من أمام انظار معلمنا الذي أن لمحنا لن يرحمنا ابدا ويبدأ قلبنا بالخفقان سريعا وكأننا ننتظر لحظة اعدامنا !!. ومن سوء حظي ذات مرة لمحني معلم الحساب الاستاذ طاهر أثناء الدرس وأنا اشاغب مع طالب اخر, وكنت وقتها طالبا في الثالث الابتدائي, وكانت كف يد الاستاذ كبيرة وضخمة ويمكنها بضربة واحدة أن يجعل عاليها سافلها, وأن يحيل المدرسة كلها الى كومة قش, ولك أن تتصور حجم العذاب الذي ستعيشه حينما يتوجه اليك ليعاقبك وهو قرب السبورة وانت في مقعدك !!. المهم توجه استاذ طاهر اليّ ورمقني بنظرة حادة جعلت قلبي ينخلع من مكانه, وما أن وصل الى مكاني حتى مسكني من أذني اليسرى وأنا ارتجف خوفا وبدا لي أنه يمتلك أكثر مما يمتلك الاخطبوط من أذرع واعتصر أذني بقوة, وبدت كما لو انها ورقة مبللة بين أصابعه حتى صرخت من الالم حينها أفلتها وبلمح البصر صفعني على خدي صفعة وصل صوتها الى غابات جنوب افريقيا, وأرتج دماغي ورقص سريعا داخل الجمجمة وكاد أن يخرج من فمي, ثم صاح بيّ : كيف تشاغب يا ولد داخل صفي وبحضوري ؟ ثم سكت برهه وتوقعت أنه سيبادرني بصفعة اخرى تكون القاضية لكنه أقترب من أذني وهمس بهما : تعلم أن تكون طالبا مجتهدا وهادئا وأترك الحماقات وتجنب اللعب داخل الصف خصوصا في صفي,
ثم تركني وراح يكمل الدرس وبقيت ارتجف حتى انتهى الدرس, ورجعت الى البيت وكان نصف دماغي ما يزال يرقص على أنغام صفعة الجنرال الاستاذ طاهر, والنصف الاخر كان قد اصيب بالتلف والعطب, ورحت أردد عباراته الشهيرة مع نفسي: لا ترتكب الحماقات في درسي, وكن هادئا ومجتهدا ولا تلعب في درسي وهكذا أردد, حتى أصبت بالاعياء ونمت ولم اصحو حتى ثاني يوم. ثم كبرنا وصرنا نفهم معنى كلمات استاذ طاهر وأهميتها في حياتنا وصرنا ندين له بالكثير من سلوكياتنا وتصرفاتنا واخلاقنا.
لكن ما لم افهمه هو لم حينما كبرنا, يستمر دماغي بالاهتزاز والترنح داخل رأسي, رغم عدم تعرضي لصفعة الاستاذ الشهيرة؟؟. أيعقل أن الصفعة التي أعاني منها نتيجة صدمتي بتصرفات بعض البشر التي لا يقبلها عقل ولا يرضاها ضمير؟ وتصيبني بالدهشة والذهول ؟؟.
أيمكن أن يكون أرتجاج الدماغ الذي أعاني منه سببه قباحة بعض الوجوه الكالحة التي سقطت اقنعتها وخدعتنا طيلة تلك السنين؟؟, أيعقل أن موسم سقوط الاقنعة بدأ مبكرا هذا العام؟, عذرا استاذ طاهر, ظلمناك فقد كنت تصفعنا حتى نصبح أكثر ادراكا وأكثر نضجا وحتى تمنع عنا صفعات الغدر والخديعة من بعض الناس حينما نكبر, عذرا منك استاذ طاهر وقبلاتي الحارة ليدك الجبارة غيرالحنونة, لكنها حكيمة وعادلة ولا تفرق بين خد واخر !!!!!.