واهمٌ من يظن أن الازمة الاقتصادية هي نتيجة لنقص السيولة المالية أو لأنخفاض أسعار النفط في العالم وأنما هي نتيجة أزمة عقول أقتصادية وشخصيات مهنية ومنهج وسياسة في التعامل مع المسارات الاقتصادية , وهي أزمة فساد وفشل وعدم وجود أي رؤية تخطيطية , والعجب أننا في دولة لها أكثر من علمٍ واحد وبدلاً من المجلس مجالس لاحصر لها وثلاث رئاسات أو اربعة وهيئات ومؤسسات عددها لايتناسب مع فعاليتها , ولجان أقتصادية ومالية ومفتشون ومستشارون ومناصب أخرى ليس لها وجود على خريطة المخطط الهيكلي للحكومة , ومع كل هذه الصور المترهلة لم تبرز شخصية لها برنامج واضح لبحث الازمة المالية بأطر شفافة وبواقعية ليمهد للخطوة الاولى على الاقل لأحتواء الضائقة المالية التي يكون تأثيرها حصرياً على شعبٍ لم يرى الرفاهية لعقود من الزمان الا بما يسمعه من وعود وخطابات ترسم له وهمُ البحبوحة وما أدراك ما البحبوحة , البحبوحة التي جعلت المسؤول في ترفٍ من العيش والشعب في قرفٍ منه .
نفط الشعب للشعب وثروة الشعب للشعب , من هذه المعادلة لنفتح دفاتر الحسابات ولندقق في ألالف مليار دولار التي أعترف أكثر من مسؤول بأن هذا المبلغ الغير معقول هو الذي صُرِفَ طيلة السنوات العشر الماضية , أي بمعدل مئة مليار في السنة وهذ الرقم لازال مهيباً في حسابات الدول الغنية , كم من هذا المبلغ صرف لتحقيق مردودات مالية ترفع من نسبة الناتج القومي وترفع من رصانة الأئتمان النقدي وتحفظ الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي , لم نرى مثل هذا التوجه أبداً وكل الذي جرى هو أن هناك أموال تذهب الى خزينة الحكومة ثم تصرف بشكل أرتجالي وعشوائي وكأننا في عصور بيت المال والحاكم علينا كأنه سلطان زمانه , يهب المال لمن يشاء بغير حساب , فلا حسابات ختامية ولا فصلية متحققة منذ عام 2007 ولحد الان , ولازال التدقيق على خلاف وليس نهائياً ولم يحسم ولن يحسم ما دام ولاتنا مقتنعون بأنهم أولى من أنفسنا بما أنزل الله علينا من ثروة .
ومنذ أن صفق النواب ولأول مرة بحرارة لموازنة تحتوي على عجز 25% أما المتحقق فعلاً فهو أكثر من هذه النسبة , لم نرى أي توجه حكومي لمناقشة الازمة بحرفية عالية تكون بمستوى الحداثة في عالم أقتصاديات الدول والذي أصبح الاقتصاد مفهوم يحقق لها الامن القومي ويحافظ على كيان الدول من الصراعات داخلية كانت أم خارجية , وكالمعتاد أخذت السجالات والتنظيرات بدلا من تأسيس ورشة عمل أختصاصية تأخذ على عاتقها تأسيس معالجات أستباقية لتحديد الازمة وتأثيراتها الخطيرة ضمن مداها الحالي , وبدلا من ذلك التوجة لازلنا نسمع الخطابات المكررة والتي تنقصها أي رؤية أقتصادية تكون جامعة وشاملة للتوجه الحكومي على الاقل لما تبقى من عمر الحكومة الحالية , وأخذت تحاول التملص من المسؤولية أو أن تغطي فشلاً كبيراً في القيادة عن طريق زج السذاجة بالخطاب السياسي وكأنه قد تفضل على الشعب العراقي بتسيير الامور المعاشية على شكل مقبول وبان هذا العمل هو في غاية المهنية والاحترافية , وتبعاً لذلك أخذت التصريحات تتناقض وأصبح الكثير يهذر من الكلام بلا مبرر وأصبح ذلك يشكل مصدر قلق لعامة الشعب وخاصة لشريحة الموظفين والمتقاعدين والمقاولين ولكافة القطاعات التشغيلية , والاحرى بالمسؤولين عن القطاع المالي والمصرفي أن يعتمدوا الشفافية وأن تكون هناك مؤشرات وبيانات وبشكل يومي ومن هنا تبدأ الخطوة الاولى بتأسيس نظام أقتصادي ومصرفي حديث يعتمد على برامج عالية الاحتراف متخصصة بمراجعات الصرف الحكومي ومؤشرات القطاع الخاص لكي نستطيع وبسهولة ألاطلاع على أرتفاع أو أنخفاض مؤشر النمو الاقتصادي وكيفية وضع خطط أستراتيجية تحقق معدلات متوازنة للأقتصاد المحلي .
قد تكون تلك الأجراءات في غاية الصعوبة وربما مستحيلة في حيثيات ما يعانيه الواقع السياسي من تعطيل للدور الرقابي والتشريعي والمؤسساتي وكثرة القيادات وتبعثر الصلاحيات في ظل أنعدام قانون أدارة الدولة الذي ينظم وبشكل صارم التعاملات الحكومية من تنفيذية وتشريعية ويحدد ويخصص الصلاحيات بدأً من أعلى سلطة الى أصغر درجة وظيفية , من هنا وبدلا من التفضل في الاداء على الشعب علينا أن نقر بالفشل وأن المستشارين الموجودين ليس بأستطاعتهم أن ينقذوا العراق من الازمة المتحققة وأنهم محددين وغير قادرين على الخروج من دائرة الخناق الاقتصادي التي وضعتنا الحكومة فيها وهي المتسبب الرئيسي فيها , فليس من المعيب على الحكومة أن تستعين بخبرات أقتصادية عالمية لها باع طويل في أقتصاديات الدول والنهوض بها كما فعلت الكثير من الدول وأولها الامارات التي أعتمدت على مستشاريين بريطانين أرسوا لها قواعد وقوانين أسهمت بأنطلاقة واثقة وعلى أسس متينة ثم بدأت البرامج تعمل بشكل فعال وتتنامي الى مستويات الحداثة والتغيير الذي يطرأ على أقتصاديات العالم نتيجة التاثيرات التي تكون غير متوقعة , بدلا من أن يكون الحل الاوحد المتوفر هو الاقتراض والمساومة على تأجيل الديون الظالمة علينا نتيجة حروب لاذنب لنا بها , على الاقل هذا سيبعد المتصدون للعمل السياسي من التمادي بالفشل والتنظير وتحقيق المصالح الحزبية والفئوية وما أكثرها في عصر أسموه بالعراق الجديد ألا أننا لانعرف لحد الان ماهو الشئ الجديد المتحقق فيه .
وربما يكون الامر ممنهجاً أو أنه يخضع الى نظرية المؤامرة التي لا تتوافق مع البعض الا عندما يمسّهم الضرّ بمصالحهم وفي هذه الحالة سيبقى الحال في دائرة الصراعات والتغطيات والتسويات التي بأمكانها وبأسم الضغوطات السياسية والاقليمية أن تغلق دفاتر الحسابات الختامية وغيرها من الملفات التي أدت الى تردي الوضع المالي وسيطلع علينا أعلام الاقتصاد والمال لكي يظهروا أرقامهم والفجوات المالية التي تكاد تساوي بالمقدار الاحتياط النقدي ويبدأوا بعمليات الجمع والطرح والقسمة والضرب ويعلنوا النتيجة المتحققة …صفر وباليد أكثر من حصان .