23 ديسمبر، 2024 6:15 ص

صفحات من ملحمة الطف / أرسلتني أمي

صفحات من ملحمة الطف / أرسلتني أمي

الطف ملحمة وسعت الزمن والتاريخ, شملت كل العلوم والاخلاق, حوت على المتضادات وقهرت الظواهر الطبيعية, ملحمة لو بقينا نستعرض تفاصيلها لإحتجنا لوقت طويل, ربما بعمر الإنسانية نفسها, ملحمة تتجدد كل عام لتزداد قوة وعنفوانا, في حين تذوي وتزول الكثير من الأحداث التي قد يبهر بها المجتمع العالمي لبعض الوقت, وما أحرانا أن ندقق هذه التفاصيل ونقوم بنشرها لكي تبقى هذه الملحمة بكل تفاصيلها الصغيرة بوقتها, العظيمة بنتائجها ودروسها.

الطف فرزت لنا الكثير من هذه الدروس والعبر, ففي ذلك اليوم, والشهداء مجندلون على أرض المعركة, وصوت الحسين عليه السلام يشق الأسماع: هل من ناصر ينصرنا, يخرج غلام صغير يسحب سيف والده, بكل ثقة ومقدرة, يمشي مشية الاسد المستعد للملمات, يقترب من الإمام الحسين عليه السلام, يسلم عليه بكل أدب ويستأذن للقتال, وبنظرة الأب الحاني العطوف, بنظرة القائد المحتضن لكل الاتباع يطلب عليه السلام إعادته إلى إمه وهو يقول: هذا غلام قتل أبوه بالحملة الأولى أعيدوه إلى أمه لتقر عينها به.

الطف مدرسة, وهذا من دروسها, يرفض الغلام الإنصياع للأمر ويقول: إن إمي هي من أرسلني للموت دونك يا سيدي, فأذن سيد الشهداء له بالخروج لملاقاة القوم, فبرز وهو يرتجز إرجوزته الشهيرة” أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير” وقاتل حتى قتل رضوان الله عليه, وحتى لا يكون الدرس عابرا, إحتز القوم رأسه ورموا به إلى جهة معسكر الحسين عليه السلام, فاخذته أمه ومسحت الدم عنه وهي تغبطه على عمله.

الطف أفرز لنا هذا الدرس, درس الشاب عمرو بن جنادة بن الحارث الخزرجي, وأمه التي أستشهد زوجها فلم تكتفي إلا بإرسال ولدها لتكتمل التضحية والمواساة لسيدة نساء العالمين عليها السلام, فكيف تثكل الزهراء بولدها ولا أثكل بولدي, هكذا كانت تقول, لتنتهي هي وزوجها وابنها قربانا لأقدس قضية, الدفاع عن الإسلام, الموت في سبيل الاصلاح في أمة جد من إرتضوه قائدا, هكذا كان المجتمع الذي حكمت عليه الظروف أن يكون نزيل أرض الطف في ذلك اليوم الشهير.

الطف مدرسة مفتوحة الأبواب على مر التاريخ” فكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء” وهناك حين إستجاب جمع من الأصحاب فكانوا خير الأصحاب, إستجاب اليوم الكثير من الرجال والشباب المؤمن لنداء حفيد الحسين الثائر وبرزوا لقتال قوى الظلام بالفتوى الكبيرة, وكانت لنا دروسا من الطف, والعشرات من أمثال عمرو بن جنادة, من الفتيان الذين تحدوا الموت فكان الشهيد مثنى قاسم الكلابي والعشرات من الذين أكملوا دروس الطف .