23 ديسمبر، 2024 6:09 ص

صفحات من دفتر النكبة العراقية

صفحات من دفتر النكبة العراقية

النكبة العراقية من وجهة نظر إقايمية (3) : إيران الإسلامية !
 إذا تجاوزنا  حالة الصراع التقليدي الممتد تاريخيا بين إيران الفارسية وبابل الأكدية مرورا بإيران المجوسية والعراق الاسلامي ومن ثم ايران الصفوية وبغداد عاصمة الخلافة الاسلامية العباسية وهو صراع إرثي قومي مؤطر بعداء واختلاف مذهبي عقيدي ، فان العلاقات بين إيران والعراق لم تشهد صراعاً مسلحاً لقرنين من الزمن قبل ان يسقط نظام الشاه ويصل الإمام الخميني الى السلطة ليتبنى  فكرة ولاية الفقيه ومبدأ تصدير الثورة الاسلامية من إيران ، ويستلم الرئيس  الراحل صدام حسين الحكم في العراق وهي الفترة التي شهدت حربا ضروسا استمرت لثمان سنوات خاضها  الراحل الخميني بغطاء طائفي عقيدي كوّليٍ على شيعة في العالم الاسلامي مع الراحل  صدام حسين بغطاء وطني عربي قومي ودفاعا عن البوابة الشرقية للوطن العربي  . وحين انتهت الحرب العراقية الايرانية لصالح العراق وموافقة الخميني على وقف اطلاق النار بعد (تجرعه السم)  ، اصطفت إيران مع الاحزاب الطائفية العراقية التي تأسست في طهران وعملت كمعارضة عسكرية وسياسية مع مشروع الغزو الأمريكي وجاءت في ظله وشاركت بعمليته السياسية، وبقيت إيران تدير ملف الاحزاب الطائفية وميليشياتها لغاية اليوم . حينها لم يتردد نائب الرئيس (ابطحي) في قوله : (لولا إيران لما استطاعت ألولايات الأمريكية ان تحتل العراق ) بنفس الوقت الذي كانت دولة ولاية الفقيه لأمريكا ب (الشيطان الأكبر) وتحسب الادارة الأمريكية إيران واحدة من دول محور الشر ( العراق وسوريا وكوريا الشمالية ). هكذا تعاملت إيران الاسلامية مع الغزو الأمريكي للعراق لان الغزو حقق لإيران ما لم تستطع تحقيقه بحرب دامت ثمان سنوات كلفتها ملايين القتلى والمعوقين.
كان مشروع التقسيم من اوليات اهداف الغزو وهي التي أسست ركائز لهذا التقسيم من خلال نصوص مفردات الاتحادية والاقاليم في قانون الإدارة المدنية ومن ثم لائحة الدستور ، وقد  بادرالراحل عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الأعلى أحد التنظيمات المعارضة التي شكلت في إيران بإطلاق مطلب الاقليم الشيعي وحسبه ضرورة لوجود الشيعة في العراق بوقت مبكر بعد احتلاله في عام 2005 وهو واحد من ثلاثة (البرزاني واحمد الجلبي) من الذين أصروا على ضرورة حل الجيش كما كتب الحاكم العسكري بريمر في مذكراته  ، وكانت كلا الخطوتين  مع مبدأ المحاصصة الطائفية ركائز احتلالية في اتجاه إلغاء الدولة العراقية كاملة والتاسيس للتقسيم.
سمح الاحتلال الامريكي بشكل مبكر لنفوذ ايراني في العراق بل قدم العراق على طبق من ذهب لإيران خلال تواجد قواته واكتساب صيغة احتلال الولايات المتحدة للعراق بقرار دولي ، وفي نهاية عام 2011 عندما انسحبت  القوات  الأمريكية من العراق ، انفردت إيران بنفوذ سياسي وعسكري في العراق الذي أصبح ممرا تنقل من خلاله إيران قواتها ومعداتها وتجارتها الى نظام الأسد في سوريا ليقتل بها شعبه وثواره الاسلاميين والى حزب الله في لبنان لدعم سوريا وقتل السنّة في لبنان وسوريا كما يحدث اليوم . ولماذا يعامل البعث الحاكم في العراق بالإجتثاث بذريعة سياسة العنف السياسي والبعث الحاكم لشعبه في سوريا بالنار والبراميل المتفجرة بالدعم والاسناد ؟. اليوم ترتكب التنظيمات المسلحة التابعة لإيران ومليشياتها جرائم قتل وخطف على الهوية في محافظات السنّة وبشكل جماعي يتجاوز ما تفعله داعش فيها بذريعة التصدي لها ، لماذا تنظيم الدولة  يحسب ارهاباً ، وإرهاب المليشيات الطائفية يحسب جهاداً ؟ أليس في هذا ازدواجية في المعايير الشرعية لتعريف الإرهاب وكلاهما يستهدف الإنسان وحقوقه خارج نطاق السلطة ؟ . بل تجاوز الامر حدوده حينما يتم توزير قيادات هذه التنظيمات في الحكومة ويتم دمج افراد الحشد الطائفي مع القوات النظامية العسكرية ، أليس هذا نمط من إرهاب السلطة ، وماذا يعني ان تحارب هذه القطعات بقيادة سليماني والعامري في بامرني وجرف الصخر وساحات أخرى في صف واحد ؟.
يصرّ السيد السيستاني ويؤيده السيد خامنئي والرئيس روحاني عند زيارة العبادي لهم على رفض مشاركة أي قوات اجنبية لمقاتلة تنظيم الدولة وقال خامنئي سنستمر بدعم حكومتكم وسنقاتل داعش معكم في العراق وخارجه بلا حاجة لتدخل قوات أجنبية وأن ضربات قوات التحالف الجوية ستنعكس في النهاية لصالح التنظيمات المتطرفة ، ألا يشكل الموقف من القوات الاجنبية الغازية للعراق بالأمس والتي لولا اسنادكم لها لما أحتل العراق والموقف من ممانعتكم لقوات التحالف اليوم، ازدواجية في صلب سلوكية ولاية الفقيه ؟ مهما كانت المقاصد السياسية لنظام الملالي في العراق ، فإن الادارة الامريكية تعترف بأن إيران تقاتل الان من خلال مليشياتها وقوة فيلق القدس بقيادة سليماني وتدير اعمال ارهابية داخل العراق قد تكون أعنف من تنظيم الدولة الذي تتصدى له، سليماني جنبا الى جنب مع هادي العامري وابو مهدي المهندس يقاتلون اليوم في جرف الصخر . الادارة الامريكية أعترضت على مشاركة إيران في مؤتمر التحالف الدولي المعني بالتصدي للتنظيم ،تقول وكالة “فارس” الإيرانية إن قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، هو القائد الفعلي للقوات العراقية التي تقاتل “داعش”، مضيفة أن الشعب العراقي يثق بقواته وليس بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن وأشارت الوكالة الإيرانية إلى أن “فيلق القدس” قدم الدعم الاستشاري واللوجستي لحماية العراق من الانهيار ورأت الوكالة أن التحالف الدولي لم يحقق أي شيء سوى مساعدة كردستان وتحرير سد الموصل خدمة للأكراد ذوي حلم الانفصال عن العراق في دولة مستقلة كما صرح العديد من الساسة والقادة العسكريين في الإدارة الأمريكية أن ما يحدث اليوم في العراق وبضمنها نشاط التنظيم وتوغله كان بسبب سياسات المالكي وبإشراف ودعم ايراني وهو المسئول عن ما حدث .إن أي خطة عسكرية للتصدي للإرهاب ينبغي ان تكون سريعة وتتصدى لكل واجهات الارهاب بضمنها المليشيات اللاحكومية الارهابية التي يتم درج مقاتليها مع القوات المسلحة تحت مسمى الحشد الشعبي ولكن هل حقا ان الإدارة الأمريكية وتحالفها هم جادين في تنفيذ خطة عسكرية سريعة تتفادى المزيد من الدمار والقصف العشوائي للبشر والبنية التحتية للبلاد؟.
نظام ولاية الفقيه يتصرف وكأن العراق هو امتداد لإيران في ولايته ويتوسع في مد خراطيم اخطبوطه فيه ويمتد من خلاله الى سوريا ولبنان والى اليمن والبحرين من منافذ اخرى على نفس النهج وهو لا يحتاج لتفويض وفقا لمفهوم تصدير الثورة الذي يتبناه، هل كانت الولايات المتحدة والغرب في غفلة عن مخاطر نشوء الدولة الدينية الايرانية وتنصيب الخميني بديلا لنظام الشاه المعزول ، ولماذا استيقظت اليوم لتعلن ان تنظيم الدولة الاسلامية يشكل خطرا كبيرا على العالم كله وليس فقط في العراق وسوريا؟ ما الفرق لو كان التعامل بلا ازدواجية بين دولة التنظيم التي تتبنى مبدأ الخلافة وبين دولة الخميني التي تتبنى مبدأ الإمامة و ولاية الفقيه ؟ ألم يكن قيام دولة إسرائيل وهي دولة دينية عنصرية في المنطقة مثار حروب وعنف وصراع دائم منذ أن اختلقت هذه الدولة في فلسطين لغاية اليوم ؟. في كل الاحوال النظام الإيراني القائم في طهران لا يمكن ان يكون جزءا من حل لنكبة العراق التي ما زالت ولاية الفقيه تزيد فتيلها اشتعالا واتقاداً لأغراض توسعية وبأهداف عرقية لكنها تتخذ من الدين والمذهب غطاءً شرعياً له ، والمعضلة هي أن الأحزاب الطائفية الحاكمة في العراق تتبنى مشروعية ايران للتدخل بالشأن العراقي في حين تحرمه على الاخرين على سبيل المثال الدول العربية وتركيا التي تحيط بالعراق حالها كحال إيران كجيران دائميين يتأثرون بما يجري في العراق بنفس المعايير لو تجرد الجميع من حالة الثأر والانتقام والإرتقاء عن النزعة الطائفية والقومية المقيتة .
لإيران طموح كبير في إكمال برنامجها النووي بكل وسيلة  وإيران إضافة   لإعتقادها بانها تحمل مسئولية معتنقي المذهب في المنطقة ، تستخدم خراطيم نفوذها للمساومة مع الإدارة الأمريكية التي فرضت عليها عقوباتها الاقتصادية الخانقة عند التفاوض على شرعيتها في امتلاك مشروعها النووي ، ولا يوجد شك ان إيران قد نجحت الى حد كبير في إدارة التفاوض الدولي مع منظمة الطاقة الذرية والدول الست الكبرى ، بحالة من التسويف والمماطلة في الوقت والتلاعب في كشف ما تتستر عليه من إمكانيات نهاية ولكن في النهاية ، ستجد نفسها مضطرة للرضوخ لشروط المنظمة ربما لقاء تنازلات لها دولية  تتعلق بنفوذها في المنطقة ، ومن المؤكد ان  حجم التدخل الايراني في العراق ونفوذها ، سيعتمد بوضوح في حال فشلت إيران أو نجحت بالنهاية في التوصل الى حل في تفاوضهاتها التي ستستؤنف في 24 كانون الاول من هذا العام فيما يبدو انه سيكون بمثابة الحلقة الأخيرة في هذا الملف ؟.
إيران دولة تظم اقوام من اعراق مختلفة  ، الفرس لا يشكلون اكثر من 50% من تعدادها السكاني في اكثر الأحوال , وهناك الأذريين والاكراد والجيلاك والعرب والور والتركمان والمازندرانيون والبلوش  ومذاهب مختلفه كالشيعة والسنة والزرادشت واليهود والبهائية ، وهناك تفاوت كبير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي في مناطق تواجد هذه القوميات والمذاهب  للنظام وتشكل مصدر معارضات قوية سواء على نطاق قومي كما في الأحواز أو أذربيجان أو كردستان أو ضمن المكون الفارسي كمجاهدي خلق والتنظيمات العلمانية الاخرى المعارضة ، وبالتالي فأن إيران في ظل الدولة الدينية وفي ظل الوضع الاقتصادي والحصار المفروض عليها ، لا تعتبر دولة قوية في موازين الدول الكبرى المرشحة للتفوق والهيمنة كالصين واليابان .ولهذا فانها في مشروعها التوسعي في المنطقة وفقا لتخطيطاتها لن تكون موفقة ، بل ربما ستكون أول من يتعرض للتقسيم والتشظية . كما ان وجود تركيا بالمقابل كقوة اقليمية نامية بالمنطقة لن يسمح بتمرير مثل هذا المشروع الفارسي التوسعي في حسابات التوازن الدولي الإقليمي ، ناهيك عن حرص الغرب على الحفاظ على امن الخليج وسلامته كونه يشكل لها اكبر مصدر للنفط . إعادة مشروع الأمبراطورية الفارسية التوسعي على حساب المنطقة العربية سواء كان بدافع قومي او مذهبي ، أمر مبالغ فيه ، وجود حالة من التوافق في المصالح بين القيادات الراهنة  للولايات المتحدة والدولة الصهيونية  والأكراد وإيران بشأن الوضع العراقي ، حالة  قائمة على متغيرات آنية لا تؤسس لتوافقات  دائمة مصيرية مرتبطة بمصير الشعوب وإراداتها وبنياتها المجتمعية وتطلعاتها . الراعية الكبرى لمثل هذه التوافقات الآنية وهي الولايات المتحدة الأمريكية ليست في وضع سياسي ولا اقتصادي يمكنها من استمرارها بمهمة القطب الواحد ، وقد تجد نفسها أمام فرط في اتحاد ولاياتها والحفاظ على كيانها المتوحد .
الأنظمة العربية أيظا ينبغي أن تدرك حجم مسئوليتها والتهديدات التي ستلحق بها من جراء النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة العربية والعراق بالذات وخصوصا عندما يكون هذا النفوذ يحمل سمة مسلحة وإرهابية ، وكما تتعامل هذه الأنظمة مع تنظيمات القاعدة وداعش وتتحالف دوليا ضدها بالإمداد الجوي والعسكري باعتبارها  ظواهر إرهابية تهدد أمنها ، فان تنظيمات وظواهر طائفية مسلحة  تابعة لإيران تلعب اليوم دورا لا يقل إرهابا أو تهديدا من تنظيمات القاعدة في العراق و بغداد وعواصم عربية كدمشق وحلب وطرابلس وبنغازي وصنعاء دون ردة فعل قوية حاسمة ، أو قرارا عربيا جامعا على التعامل معها كظواهر وتنظيمات إرهابية ينبغي ان تعامل بنفس صيغ التعامل مع التنظيمات المتطرفة الأخرى .