23 ديسمبر، 2024 7:06 ص

صفحات من دفتر النكبة العراقية (14): المشاركة في سلطة طائفية ! لا يحمل مبررات وطنية !

صفحات من دفتر النكبة العراقية (14): المشاركة في سلطة طائفية ! لا يحمل مبررات وطنية !

هذه حقيقة ما يجري في العراق من انتكاسات وهزائم : جيش منهار يجري ابتزازه وتجريده والتفكير بإسقاطه من قبل من يرى أن حشدا طائفيا يشرف عليه من هو مشارك في العملية السياسية ويتوسم مواقع سيادية فيها أنه البديل عن الجيش الحكومي الذي لا يحقق انتصارا بمجابهة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وان الإنتصار الحقيقي لايتم إلا برفع رايات ملؤها الحقد والانتقام تتقدم وتقاتل وتموت تحت راية لبيك يا حسين !.فيما تمحى وتنتهك حرمات العراق وحدوده تحت شعارات سوداء وصفراء وخضراء وبيضاء كلها تدعي وصلها بسيّد أو طائفة او تنظيم ! .
 القتال مع تنظيم الدولة  صار( كراً و فراً) يُغنم فيها السلاح والعتاد ويُباع ويُشترى ، فيما تغرق ساحات الصراع بدماء الأبرياء والمغرّر بهم من دعاة الطائفية والتكفير والتقسيم ، أفواج العراقيين من الشباب والمعوزين تتساقط لصراع تتحكم فيه إرادة أمريكا وإيران ويتفرج العالم عربه ومسلميه وأحراره  دون تحريك ساكن ، ما دامت النار موقدة في موضع لا يمّس الجوار منها شئ ، تماما كما حدث في اليمن وسوريا الى ما قبل عاصفة الحزم . اليوم اميركا  وتركيا وإيران تسلح وتدرب لتبقى النار مستعرة وقودها الأجساد والدماء من شباب العراق شيعة وسنة ومكونات.
السلطة في العراق فاقدة الهيمنة على اكثر من نصف حدوده يمرح الارهاب والميليشيات فيها ويسرح ، اما القتال فليكن في المدن حتى لو بلغ بغداد العاصمة حيث القتال فيها  سيكون أكثر دموية واتساع ، مقاتلي التنظيم سنّة ومقاتلي الحشد شيعّة ، كلاهما كذلك حتى قبل ان يكونوا مسلمين ،هناك الخليفة وهنا الإمام، والصراع بين الخلافة والإمامة داء فتاك ومضنٍ لمن يرى ضرورة إدارته بهذا الاتجاه ، صاحبة القرار فيمن يكسب او يخسر أصبحت اميركا أو إيران او كلاهما مشاركة  ، أما  المسلمون من السنّة والشيعّة  فكل منهما خاسر  .
وفيما يعلن ساسة المنطقة الخضراء إفلاس الخزينة المسروقة ونفاذ السلاح المباع ، يعلن تنظيم الدولة وفرة المال والسلاح بما لا يجعله متسولاً لتوفيرها ولكنه طامع بالمزيد منها ! وهكذا اصبح للتنظيم التكفيري المتطرف دولة تمسك نصف مساحتي العراق وسوريا ولديها جيش مدرب مدجج واعلام متفوق ومال غزير وأحلام يقضة فيما اصبح العراق الدولة الغنيّة مفلسا ًومحتلاً ، جيشه مسلوب الإرادة ، تتم تصفيته وتجميع السلاح له من هنا وهناك، يُستهدف جيشه معنوياً وعدةً ، ليقاتل بديلاً عنه حشدٌ أشد ضراوة على أهله من ضراوته على العدو ! المضحك المبكي ان كلا الجانبين يقاتلون ويقتلون بغطاء جوي مشرعن  بمظلة التحالف الدولي لمواجهة مقاتلي التنظيم بمعارك يتفوق فيها التنظيم ميدانياً لقضم الارض  بأي ثمن وتغنم  بما يلحق بمن يقف ضدها بالعدد والعدة !.
ما يثير الاستغراب هو ما سر بقاء ممثلي القوائم التي تدعي الوطنية والعلمنة وعدم التمذهب  الطائفي في هذه الحكومة ؟ هل هم معارضون لما يجري في ظلها ، أم انهم مشاركون ومساهمون به ؟ هل حققوا انجازا من مطالبهم الموثقة في الوثيقة السياسية التي تم تشكيل الحكومة بموجبها ؟ هل ادركوا اليوم ان شركائهم في الحكومة والبرلمان والرئاسات هم قادة تنظيمات مسلحة تنامت واتسعت في ظل هذه الحكومة ، هل لدى أي من هذه الكتل  التي تدعي العلمنة والوطنية  تنظيمات مماثلة سلميّة أو مسلحّة واسعة  ومؤثره  ، أين هي هذه التنظيمات ، هل لدى الحزب الاسلامي او جبهة الحوار او الحل أو الوفاق او التيار ضابط المعي واحد عليه العماد على سبيل المثال  ؟  هل يحسب خالد العبيدي كذلك ؟ ألم تغزي الموصل عندما كان سعدون وزيرا للدفاع وغزيت الرمادي عندما ولازال خالد العبيدي وزيرا للدفاع ؟ ما تقييم النواب لأدائهما ؟ واين نتائج التحقيق في الموصل وسبايكر ؟ من منهما  كان له دور ميداني وحضور فاعل في اي معركة او مجابهة ؟ أي سلاح هذ حصلوا عليه لتسليح قبائلهم ؟ الم تستنجد بهم عشائر الانبار لتسليحها ؟ ماذا حصلت هذه العشائر من العبادي ؟ ولماذا سلّم العبادي السلاح للحشد الشعبي ولم تحصل عشائر المحافظات التي يهيمن عليها تنظيم الدولة على نسبة منه لتسليحهم ومحافظاتهم مبتلاة  ؟ ألم يهزُّ ساسة هذه المحافظات ، موقف العبادي وهو يوزع كلاشنكوف قديم بلا عتاد لعدد من المقاتلين في الانبار على شاشات التلفاز ؟ ماذا فعل نواب الانبار عندما اتجه عشرات الألوف من الحشد الى النخيب وبرفقتهم ضباط ايرانيون  وسلاح ثقيل ومتوسط و صواريخ أيرانية ؟.هل سمعوا بالنزوح الاجباري لعوائل شرق الرمادي واقتياد ابناء صلاح الدين والانبار من قبل الحشد ؟ لماذا هادي العامري وكريم النوري اصحاب القرار في معركة الأنبار كما يعلنون  وغيرهم خارج المعادلة ؟ ولماذا التسويف في إقرار مشروع الحرس الوطني الذي طال انتظارالمطالبة به و وضع شرطا في الوثيقة السياسية لحكومة الشراكة ، في حين يتضخم تعداد الحشد الشعبي الى مئات الألوف دون ان تكون له صيغة رسمية واضحة مكتوبة ،ولماذا تحسب فتوى المرجعية بالتطوع  تشريعا ؟.
ماذا ينتظر اياد علاوي وكتلته العراقية العلمانية واتحاد القوى من هذه الحكومة الفاشلة والعملية السياسية الخائبة وكذا الحال للتيار المدني والكتل الكردية ؟ هل يريدون ان يكونوا شهود زور على الاحداث ، أليس سكان محافظات المكون السني اليوم رهائن بين كماشتي داعش او الحشد ؟ فيما يشكل العرب السنة 85% من مجمل تعداد النازحين الذي تجاوز 3 مليون نازح ؟ أليس الذي يجري من تهميش ونزوح نحو المجهول او الموت هو محاولة اصرار لتقويض الثقة بحكومة العبادي وعدم القتال بجانب قواتها ؟. أليس التمدد بزج الحشد الشعبي بهذه الاعداد الكبيرة والتقليص من اهمية الجيش واستهداف معنوياته، واختيار تسميات المعارك والاعلان عن توقيتاتها ، وأسر سكان المدن وفرض النزوح عليهم هو عملية تحويل المجابهة لاستهداف السنّة وكأنهم جميعا داعش واستهداف الشيعة وكأنهم جميعا حشد ؟ أين ما يجري من المصالحة الوطنية  الحقيقية على الأرض؟ هل سمعنا عن تدريب يشارك فيه السنّة والشيعة والكرد والعرب في معسكر تطوعي واحد؟.
لقد ضاع الأمل بمرور الوقت  في احتمالية ان يكون العبادي رئيس وزراء لكل العراقيين ، وضاع الأمل في تحقيق المصالحة الوطنية ، وبدى بوضوح ان حكومة العبادي هي حكومة امتداد لحكومات حزب الدعوة باستحقاق بعد فوات الأوان لتحقيق التغيير المنتظر ، وتفاقمت طبيعة الصراع ليكون باستحقاق صراعا طائفيا بدلاً من أن يكون صراعا وطنيا وقد نجحت داعش وحدها في تحقيق ذلك ، حين أصبح التهميش للمكون السنّي سنّة وسلوك ، بل اصبحت السيطرة على النخيب أسبقية على استعادة الرمادي ، واصبح التحرك على تغيير المناصب وادارة المحافظات أسبقية على اسبقية الجهوزية للقتال ، كما اصبحت مشكلة نزوح السنة من مدنهم موضع تسويف وابتداع حكومي للتقليص من اهميته ،فيما هو واقعا أصبح مشكلة حقيقية رئيسية دون التفكير في اهمية انعكاسات هذا الموقف على ردود فعل مكوّن كبير من جوهر الصراع مع تنظيم الدولة ، وهو كما يبدو أمر مدبّر أيظا ، علما بان الحل الحقيقي بات يكمن بحسم سريع يؤمّن عودة ملايين النازحين الى ديارهم ومحافظاتهم  ولكن مثل هذا الحسم السريع كما يبدو لا تتوفر مستلزماته فيما يوّفر مرورالزمن مزيداّ  من تمكين التنظيم وتقليص خسائره في حالتي دفاعاته أو هجوماته وهو الذي يهتم في جميع الأحوال في تأمين خطوط انسحاباته .
 الموقف المطلوب اليوم من القوى السياسية المشاركة بالعملية السياسية التعبير بشكل واضح عن غياب اي فعل رشيد لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والتي تشكل الحجر الاساس في مجابهة الإرهاب بجيش مهني حرفي موّحد.
 بدلا من أن يتشبث هولاء الساسة بهذه الدولة او بتلك او بهذا المؤتمر او ذاك بحثا كما يدعون فيه عن حل لمأساة المكون السني ، (اليوم بعد هيمنة التنظيم في الرمادي والاعلان عن مشاركة الحشد الشعبي ، هجّر الحشد الشعبي أكثر من 350.000 في الأنبار (قسراً أو خوفاً ) ،هؤلاء الساسة عليهم ان يجابهوا حقيقة أن مشاركتهم في السلطة دون تحقيق ما يصبوا اليه ناخبيهم او من يدعون تمثيلهم ، يعني شرعنة هذه السلطة في مسيرتها الطائفية في ظرف معاناة عصيب يعاني منه المكون. على نواب الكتل ذات الطابع اللاطائفي بهذه السلطة ان لا ينتظروا موقفا دوليا عمليا  لحل الأزمة لا في واشنطن او لندن او باريس .
  عندما تنسحب هذه القوى من العملية السياسية أو على الأقل تهدد بالانسحاب كما اعتادت سابقا ، ستسحب بساط الشرعية لهذه السلطة وسيعطي هذا الموقف قوة شرعية للتحرك عندئذ بالاتجاه العربي والاسلامي والدولي بشكل اكثر فعالية وتأثير .
إن الغالبية الساحقة من العراقيين وهم يعيشوا أزمتهم السياسية والإنسانية ضاقوا ذرعا من استمرار النهج الطائفي والتهميشي للسلطة استمرار مشاركة هؤلاء الساسة في هذه السلطة لم يعد له أي مبرر وطني بل تكاد غالبية الشعب  تبرأ من المشاركين فيها ومن سلوكيتهم ، من يتوهم منهم ان بقائه يصّب في صالح مكوّن معين أو في صالح المجابهة الحقيقية بشكل رصين ضد تنظيم الدولة،  مخطئ ، لأن ما يجري اليوم جملة وتفصيلاً يشير الى تقصد وتهميش متعمد ان لا يسهم سكان المحافظات والمناطق المحتلة بشكل فاعل ومؤثر في مجابهة قوات التنظيم والإصرارعلى استمرار تهجيرهم  وطمس دورهم بما يعانون منه أزمات لمنعهم من هذه المجابهة كما يطمس دور الجيش تعمداً كي تجد  قيادات الحشد مبرراً لتصبح وحدها هي المنقذ من التنظيم ، وهذا حلم  لن يتحقق بدون الاسهام الفاعل لسكان أرض المواجهة للقتال على حقيقة (أهل مكه أدرى بشعابها ) .  الادارة الامريكية اطلقت تصريحا مفاده (ان العراقيين والايرانيين وحدهما غير قادرين على دحض تنظيم الدولة ، وان الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة واللازمة للقضاء عليها ! متى وإلى أين ) .
انسحاب القوى السياسية اللاطائفية والعلمانية والوطنية من السلطة الحاكمة بعد إنذارها بضرورة تقويم المنهج والمسيرة ، هو الحل الوطني الرصين لتلافي المضي في طريق (الصد لا رد) كما يقول المثل العراقي .