أولا ، الإرهاب والعنف والصراع المسلح :
تعددت أنواع الإرهاب المسلح في العراق ودوافعه واصبح يحمل عناوين صريحة بزعامات سياسية ودينية وعشائرية وفكرية ودولية جهارا ، داعش يمثل عنوانا واحدا ويشكل واجهة لعملة الارهاب والعنف فيما تتصدر الواجهة الاخرى عناوين متعددة كلها تفترض ان شرعية سلوكها المسلح هو مجابهة داعش ومضت على هذا المنوال ثمانية اشهر ، لا داعش تراجعت ولا من يقاتلها حقق انتصارا حاسما ، فيما يدفن العراقيون في كل يوم يمضي عشرات بل مئات الجثث واضعافها من الجرحى والمعوقين والآف النازحين والمهجرين .والدماء التي تسيل بمرور الزمن تثير كل قطرة منها مزيدا من خطاب الثأر والانتقام والانقسام . عندما تتمكن أي قوة مسلحة مثل داعش احتلال أرض وتفرض حكمها على ملايين من البشر وتدير أمورهم كيف ما تشاء بوسائل صارمة وقاسية ، فأن العلاج لمجابتها سواء كان على مستوى وطني او إقليمي أو دولي لا يتم الا من خلال قوات برية مثدربة ومسلحة بمظلة جيش حرفي مهني بقيادات كفوءة وخبرات متراكمة ، وهذا باعتراف السلطة الحاكمة والمحللين والمراقبين والخبراء الدوليين غير متوفر حاليا في العراق لجيش وقوى الامن التي تشكلت بعد الاحتلال ، والتفكير بإعداد هدا الجيش لا يمكن إنجازه بسبب حالة الانقسام المجتمعي ونضوب المال وفقدان الارادة السياسية . طيران التحالف لم ولن يحسم المعركة ، وحيث أن المجيئ بقوات امريكية برية بالحجم الكافي يشكل لدى معظم العراقيين استعادة ذاكرة الاحتلال الامريكي وما ارتكبه في العراق من جرائم مما يستنهض استعادة نشاط المقاومة لما يحسب ان هده القوات هي قوات احتلال وليست قوات امداد وهدا الخطاب هو ما يجعل السلطة واحزابها الحاكمة ومرجعيتها المتمثلة بالولي الفقيه تندد وتحدر من دخول أي قوات برية الى العراق في حين تسمح ولاية الفقيه لقواتها وقادتها ومستشاريها بالدخول في العراق والقتال تحت مظلة احزابها وتنظيماتها وتفتخر بانجازاتها في العراق وهيمنتها على عواصم عربية كبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء .المشهد اليوم في صنعاء لا يختلف كثيرا عن المشهد في العراق وبغداد ، كلا القطرين مهددان بمخاطر تنظيمات متطرفة وإرهابية بفكر إثني وتكليف لاهوتي تهدف لإقامة دولة خلافة او إمامة أو ما شاكل ذلك والأمر لايختلف عن ما يحدث في ليبيا او سوريا او حتى مصر والاختلاف فقط تكمن بالعامل الزمني فقط . الأكراد الحاكمون في إقليم كردستان منذ اكثر من عقدين من الزمن والذين استفادوا من الاحتلال الامريكي والنفوذ الايراني في العراق ماضون بخطوات جادة للإنفصال ، وفي مضمار صراعهم الأخير مع تنظيم داعش يحاولون استغلال هذا الصراع لضم كركوك الى إقليمهم واعتبروا ان الدفاع ومجابهة تنظيم داعش هي مسئولية قوات البيشمركة الكردية فقط ، واحتسبوا ان هذا الاعلان هو إيذان بضم المحافظة للإقليم !، كما ان ساسة الاكراد شاركوا بقوات من البيشمركة للدفاع عن كوبوني ومجابهة تنظيم داعش باعتبارها كردية ، ومع ان دستور الاحتلال لا يخولهم حصر الدفاع بالبيشمركه عن في كركوك ولا كوبوني ولا حتى ضمن مناطق الاقليم المنصوص عليها في الدستور عندما تتعرض لعدوان يهدد وحدة العراق ، لكنهم يستخدمون مبرر الانتماء القومي لكل هذه الاجراءات ، بدليل انهم لايقبلون بدخول العرب والتركمان والحشد الشعبي للمشاركة في المجابهة ، مما يؤذن بحرب وصراع قادم بين هذه المكونات .
في ظل تهديد وطني كالذي يحصل في العراق او اليمن او سوريا او ليبيا او مصر او أي قطر عربي آخر مهدد بصيغ هذا التهديد الطائفي والمذهبي الخطير القائم ، العرب اليوم هم جميعا معنيون بمشروع دفاعي عربي الهوية للحفاظ على أمن دولهم ، بدلا من أن يكون مشروع التحالف الدولي بديلا ، نعم ان التحالف الدولي أمر ضروري للإسناد ، لكن العرب هم الاحرى والاجدى والأنجع بالدفاع عن كياناتهم ودولهم من غيرهم ، فهناك من يتسائل عن وجود لأي عمل او ردة فعل عربية تتناسب مع حجم ومخاطر الاحداث . مضت ثمانية أشهر على مجزرة العراق ومبادرة التحالف الدولي دون حسم او حل ، هل أصبح دخول قوات دولية وامريكية وإيرانية هو الحل البديل ؟ فيما لا يحرك النظام العربي الحاكم ساكنا ، إلا تصريحات غير فاعلة هنا وهناك ضمن إطار التحالف والجهد الدولي . ألا تحرك مجازر الأنبار المتاخمة لثلاث دول عربية المهددة باختراق أمنها وانظمتها ؟ ، فيما يحدث التغيير الديموغرافي المذهبي الطائفي في محافظة ديالى وشمال بغداد وبابل بدعم إيراني واضح ودعم لوجستي وآلي بغطاء شرعي ؟ ، حينما يبلغ الصراع بنفس الدوافع والغطاء في محافظة الأنبار ، إلى أين سينزح أكثر من مليون انباري مهجر ؟ أليس مثل هذا النزوح متوقع في ظل استمرار حالة التهميش والإقصاء لمكون عراقي عربي يحسب نفسه امتدادا لبعده الجغرافي ؟. المشروع العربي عن العراق أصبح حلا لتلافي المزيد من الصراع والاقتتال بين عرب العراق شيعة وسنة ، حينما يصبح الانتماء العروبي مهدد بهويته وجنسيته .
ثانيا ، المصالحة المجتمعية والوطنية :
تكاد تكون حالة الانقسام المجتمعي في دول الصراع العربية حالة مؤرقة مستهدفة تغذيها إرادات إقليمية ودولية لتحقيق أهداف الهيمنة على المنطقة العربية واستنزاف ثرواتها واستغلال مواقعها الجيوستراتيجية من خلال إثارة النزعات الطائفية والإثنية والعرقية ، والعراق اليوم بحكم الاحداث والزمن والاحتلال وفقدان الأمن يشكل ساحة مفتوحة غارقة بالدماء لهذه الصراعات التي لم يسلم منها مكون او مذهب او دين او عرق ، المصالحة المطلوبة اصبحت أسبقية وطنية وعروبية وليست هدفا سياسيا بين الكتل الحاكمة والاحزاب المتنفذة التي تحاول تاجيج هذا الصراع لبقائها في السلطة وامتيازاتها . كل محاولة للمصالحة الحقيقية لا تقفز فوق الاشتراطات والمحددات والثارات ودوافع الانتقام والاجتثاث والتهميش والاقصاء تخرج هذه المحاولة من امكانية النجاح والتوفيق ، وهنا ايظا يبرز الدور العربي والاسلامي والدولي ليشكل ضمانات النجاح وانجاز الخطوات لتحقيق هذه المصالحة . وكما بادرت من قبل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي بلقاءات سابقة لم تكن مع الاسف تحضى بضمانات ومتابعات ، فإن المخاطر الحالية التي يتعرض لها العراق ، تستوجب اليوم جهدا مكثفا من هذا النوع الذي يفعل ويتابع بشكل سريع ومركز وطنيا وعربيا واسلاميا ودوليا .
ثالثا ، الفساد المستشري :
لا يمكن بأي شكل من الأشكال الفصل بين مجابهة الإرهاب ومكافحة الفساد ، كلاهما متعدد الاشكال والصيغ وكلاهما يعتاش ويعشعش احدهما على الاخر وكلاهما يقتل ويستهدف الانسان والحياة ، وكما لا يمكن للإرهاب ان ينتصر على نفسه ، فإن السلطة الفاسدة لا يمكن ان تكشف الفساد او تقضي عليه . وكما فشلت السلطة الحالية في بناء جيش مهني نزيه ، واسست جيش من الفضائيين وجيش من عناصر الدمج لأحزاب طائفية ، فانها فشلت في اعتماد قضاء مستقل نزيه وسيّست المحاكم وسرحت اعداد كبيرة من القضاة النزهاء المحترفين , وكذا الحال فيما يخص الفساد في وزارات الصحة والتربية والتعليم والزراعة والكهرباء ذات العلاقة بالبنية التحتية وركائز الحياة الكريمة .
رابعا، سلطة إنقاذ انتقاليه ومجلس سياسي وطني :
العدل اساس الملك ، وعندما تفتقد السلطة الحاكمة مقومات الارادة المستقلة والاجماع على حلول وطنية لتحقيق الأمن السلمي والمجتمعي والرفاه الاقتصادي لمجتمعاتها ، تلجأ النخب الى حلول تتجاوز الحلول الانتخابية والديمقراطية اما من خلال انتفاضات ثورية او من خلال مجالس وطنية يعهد اليها بصلاحيات السلطة الطارئة الوقتية التي تنتشل البلاد من مخاطر الانهيار بتوافق وطني وتتكفل خلال فترة معينة بانتقال السلطة من خلال انتخابات تجرى بظروف مناسبة ، عندما يثبت فشل الساسة المنتخبين لدورات انتخابية ثلاثة في إقامة سلطة تحقق الامن والحياة الكريمة لشعبها ، تصبح الحكومات الطارئة والانتقالية حالة لازمة شريطة ان تكون واجهاتها وشخوصها نزيهة غير ملوثة ، كفوءة ومهنية وحرفية لا تطمح ولا تؤسس لغايات شخصية وامتيازات فردية . ينبغي التذكير ان العراق بعد الاحتلال وبنوده لا يزال تحت وصاية البند السادس الذي يخول الولايات المتحدة بسبب الفشل المستمر والمتعاقب لفشل الحكومات المنتخبة المتعاقبة ان تجري مثل هذا التغيير لو أنها حقا كانت منصفة لهذا الشعب المنكوب بدلا من أن تتشبث إدعاءً بإقامة نظام ديمقراطي لا يمتلك من الديمقراطية إلا العناوين المزيفة ،. وإذا اعتبرنا من خلال مبدأ حسن النية والتوافق أن شخصية العبادي تفي بمثل هذه المواصفات ، فمن المؤكد ان تشكيل حكومته على اساس المحاصصة والشراكة بعد مرور ثمانية أشهر، لم تسهم ولا يمكن ان تسهم بانقاذ العراق من مهددات بقاءه ، وهذا يستوجب منه ان ينتفض للعهود التي تكفل بها عند استلامه السلطة ، تشكيل حكومة اكفاء وخبراء ومهنيين وحرفيين خارج أطر الانتخابات والبرلمان والاحزاب والكتل المتصارعة يصبح ضرورة ملحة للتغيير والإصلاح والمصالحة ومجابهة الارهاب والفساد المتوغل بالعمق داخل منتجات العملية السياسية والانتخابية الحالية . لقد تشكل مجلس الحكم سيئ الصيت بإرادة الحاكم المدني بريمر بجرة قلم ، ومع ذلك اكتسبت تشريعاته في حينها شرعية حلّ بموجبها الجيش وصدر قانون الإدارة المدنية الذي تم اجراء الانتخابات وكتابة الدستور في ظل ضروف الاحتلال التي لم تكن بالسوء الذي يشكل سمة الوضع الحالي ، هل أن الانتخابات الصورية والمزيفة والمسيسة التي تكرر إجراءها بعد الاحتلال تعطي مسميات السلطة ونتاجاتها الشرعية ، ألا تعتبر نتائج هذه الانتخابات الفاسدة وما جلبته للبلاد من أزمات ونكبة خلال السنوات العجاف السالفة ثوابت لعدم شرعيتها بما يستوجب إعادة النظر في شرعيتها واستمرارها بالحكم ؟ . العراق بحاجة لتأسيس مجلس سياسي وطني كفوء ونزيه لإجتياز أخطر مرحلة يمر بها العراق المنكوب . الحلول لنكبة العراق هي أكبر من امكانية وقدرة ونزاهة وكفاءة الموروث السياسي الذي فرضه الاحتلال ، والعراق ( جمجمة العرب ) لديه من الكفاءات والخبرات النزيهة والحكيمة القادرة على الانقاذ والتغيير والثروات الكفيلة بالبناء والاعمار ما هو كفيل بسحب البساط من تحت اقدام ازلام سلطة فاسدين فاشلين .