23 ديسمبر، 2024 9:32 ص

صفحات عراقية من الأمس القريب – 7

صفحات عراقية من الأمس القريب – 7

لم يمنع تشكيل الحكومة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب في عام 1920 الحد من تأثير الموظفين الأجانب على سير العملية الإدارية في العراق، بل ابعد من ذلك إن الحكومة المؤقتة كانت بنفسها واقعة تحت تأثيرهم المباشر . استمرت تأثيرات الإدارة البريطانية في الشأن الداخلي العراقي حتى بعد صدور القانون الأساسي 1925من خلال تعيين الموظفين الأجانب في الوظائف المهمة في دوائر الوزارات العراقية وعلى الأخص في وزارات الداخلية العدلية والمالية. ويبرر ذلك على أن اعتماد الدولة على الموظفين الأجانب في إدارة الوظائف المهمة والحساسة كون أن الدولة العراقية الحديثة كانت تحت مقومات التكوين وبناء الكيان السياسي وكان لابد لها من الإفادة من خبرتهم المتطورة في حقل الإدارة والسياسة ولو كانوا بصفة محتلين قبل ذلك. حاولت بريطانيا الحد من صلاحيات الحكومة العراقية لتطلق يدها في السياسة الخارجية والداخلية للعراق لذا وجبت على الملك الآخذ بنصائح ملك بريطانيا بواسطة المندوب السامي في جميع المسائل المهمة التي تؤثر في الالتزامات والمصالح المالية والدولية للحكومة البريطانية. لم يقتصر الأمر على المندوب السامي فقد تشعبت شجرة الإشراف البريطاني وامتدت إلى أعمال الحكومة العراقية فكان إلى جانب المستشارين البريطانيين للوزراء العراقيين مفتشون إداريون وموظفون بريطانيون في الدوائر الحكومية مهمتهم المحافظة على المصالح البريطانية في مالية العراق ومؤسساته العسكرية في حين كان يبرر ذلك بتدريب المواطنين العراقيين تدريجا على الحكم.
  يتضح من ذلك إن الدولة العراقية الحديثة قد شهدت في تلك الفترة عدم استقرار جهازها الإداري لتداخل الأدوار بين الموظفين العراقيين والموظفين الأجانب الذين استمدوا القوة من خبرتهم الوظيفية ومن دار المندوب السامي من خلال الممارسات التي يمكن تشخيص بعضها بالآتي:
1- الهيمنة على القرار الإداري في الوزارات العراقية مستغلين (المادة الرابعة) في معاهدة 1922 على اعتبار إن المستشار كان يمثل المصالح والغايات البريطانية في العراق.
 2- التدخل في تفاصيل العملية الإدارية للوزارات العراقية ، فلهم رأي مؤثر في وضع الميزانية العراقية السنوية برمتها، وفي الاقتراحات المتعلقة بوضع الضرائب الجديدة أو زيادة الضرائب القديمة أو إلغاءها، ورسوم الري والاقتراحات المتعلقة بإدارة الكمارك ،وفي بيع أو تأجير أموال الدولة ،وبمسألة إلزام الأراضي وغيرها.
  انعكس تأثير المندوب السامي البريطاني على الحكومة العراقية بشكل كامل حيث لا منهاج لمجلس وزراء الحكومة قبل أن يرفع للمندوب السامي قبل انعقاد الجلسة بيوم واحد على الأقل ، كما لا يمكن للمجلس تصديق القوانين بشكلها الكامل قبل تثبيت ملاحظات المندوب السامي عليها وقيل أن تصدر بإرادة ملكية .  أما المفتشون البريطانيون في الألوية العراقية فقد منحوا صلاحيات واسعة وكان لهم النظر في جميع تفرعات الإدارة الداخلية ، وجباية الضرائب والواردات وشؤون البلديات والشرطة والأمن العام.
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة البريطانية سعت ومنذ تأسيس الحكم الوطني في العراق إلى التقرب من رؤساء العشائر العربية والشخصيات المؤثرة في المجتمع لغرض استخدامهم كموظفين إداريين وبشكل خاص مديري نواحي لكسبهم إلى جانبها وتأيد سياستها ومعارضة السلطة المحلية إن لزم الأمر   ويظهر ذلك جليا في أحداث منطقة الفرات الأوسط وغيرها من المناطق (حركات العشائر)  خلال عام 1935 –  1936.
في عام 1939 أصدرت الحكومة العراقية (قانون الخدمة المدنية رقم 64 لعام 1939). وعد ذلك القانون من القوانين المهمة التي تنظم خدمة الموظفين من تعين وترفيع وحساب الخدمة وتنظيم الدرجات والرواتب وأحكام الاستقالة والنقل والإعارة والأجازات وغيرها. في الفصل الثالث من القانون حددت أصناف الموظفين ورواتبهم على أربع أصناف وهي:-
الصنف الأول: تتكون من ثلاث درجات وبراتب قدره (45-70) دينارا بين حديه الأدنى والأعلى
الصنف الثاني: قسم إلى ثلاث درجات أيضا, ويكون معدل رواتبها بين(30-40)    دينارا
 الصنف الثالث: وقسم إلى أربعة درجات وبراتب قدره (15-25) دينار بين حديه   الأدنى والأعلى .
الصنف الرابع: وقد تكون من خمس درجات وبراتب محدد بين (5-12) دينارا.
 أما الشروط الواجب توافرها في الموظف بموجب القانون فهي :-
 أولا- الجنسية العراقية: فقد حصرت الوظائف في العراقيين الذين يحملون الجنسية  العراقية وان يكون مضى على تجنسهم مدة لا تقل عن خمس سنوات واستثنى  من تجنس بالجنسية العراقية، وسبق وان استخدم لدى الحكومة العراقية قبل نشر القانون كذلك الأجانب الذين يجب أو يجوز تعينهم بموجب المعاهدات والمقاولات ويجوز استخدام من ينتمي إلى أسرة عراقية سكنت العراق قبل عام 1914 بموجب عقد خاص.
 ثانيا: الكفاءة  والمؤهلات :فرض قانون الخدمة المدنية على الوزارات العراقية تأليف في كل منها ,وفي كل لواء لجنة خاصة تدعى(لجنة انتقاء الموظفين) وذلك لانتقاء الموظفين وترشيح الحائزين منهم على الشروط الخاصة واستثنى القانون من الامتحان أصحاب الشهادات العالية والشهادات المهنية على اختلاف درجاتها.
 ثالثا: حسن السلوك وغير محكوم بجناية (عدا الجنايات السياسية) أو جنحة مخلة بالشرف.
رابعا: أن يكون حاصلاً على شهادة دراسية معترف بها .
خامسا: قد أكمل الثامنة عشرة من عمره,و المعلمات السادسة عشر.
وبموجب القانون خولت سلطة تعيين الموظفين بالوزير المختص أو رئيس الدائرة. يكون الموظف أول تعينه تحت التجربة لمدة سنة ونصف وذلك لتحقق من كفاءته . وحصرت تعيينات كبار الموظفين بإرادة ملكية.
  يجري بموجب قانون الخدمة المدنية رقم 64 لعام 1939 ترفيع الموظف في كل سنتين في الدرجات الصغرى بينما يرفع  موظفو الدرجات الأخرى كل ثلاث سنوات مرة ، ويرفع كبار الموظفين كل أربع سنوات .في حالة استقالة الموظف قبل إكماله الخدمة القانونية لا يستحق التقاعد عدا المكافآت التي نص عليها قانون التقاعد .أما الإحالة على التقاعد فيجري بطلب تحريري يقدمه الموظف إلى رئيس دائرته يبين فيه الأسباب القانونية لذلك فإذا كانت هذه الأسباب متوفرة يقبل الطلب .
أما بخصوص العقوبات ، فهناك نوعان من العقوبات : العقوبات الانضباطية والعقوبات التأديبية . والعقوبات الانضباطية هي الإنذار أو قطع الراتب أو  التوبيخ أما العقوبات التأديبية فهي تنزيل الدرجة أو الفصل أو العزل. العقوبات التأديبية يوكل أمر الموظف إلى لجنة دائمة تؤلف في كل دائرة من كبار الموظفين وللموظف حق الاعتراض على قرار اللجنة لدى مجلس الانضباط العام الذي يؤلف برئاسة رئيس التدوين وعضوين من رؤساء الدوائر للنظر في الاعتراضات على قرار اللجنة الانضباطية ويحق للمجلس  المصادقة على القرار أو يقرر البراءة أو يخفف العقوبات أو يشدد العقاب  .