تطلق الإدارة العامة على الإدارة الحكومية كونها تهدف إلى تقديم الخدمات لتعم فائدتها جميع قطاعات المجتمع، وهي ما تسعى الحكومات إلى توفيرها لإفراد الشعب حسب سياستها العامة المقررة. الموظفون هم الذين يقومون بتسيير أعمال الدولة وكل منهم يقوم بخدمة عامة دائمة مرتبطا بالحكومة برابطة تستند إلى القانون، وقد عرف قانون الخدمة المدنية رقم 64 لعام 1939 ، (الموظف انه شخص عهدت إليه وظيفة في الحكومة مقابل راتب يتقاضاه من الميزانية العامة أو وفق ميزانية خاصة وتابع لأحكام التقاعد). وتستخدم الحكومة أيضا أفرادا آخرين من غير الموظفين الذين تم وصفهم، ولكنهم يخضعون لقانون التقاعد المدني وهؤلاء يطلق عليهم المستخدمون. كما عرف احد المختصين الموظف:(كل شخص عهدت إليه وظيفة دائمة داخل الملاك الدائم ،والمستخدم كل شخص تستخدمه الحكومة في خدمه داخلة في الملاك الخاص بالمستخدمين).
أ- الموظفون في عهد الاحتلال البريطاني 1917-1921
كان انسحاب الإدارة العثمانية 1914-1917 بعد الاحتلال البريطاني للعراق قد عطل الحياة العامة وكان على القوات البريطانية إن تلجأ إلى إجراءات سريعة لسد الفراغ الإداري والخدمي من العراقيين. حاولت قوات الاحتلال البريطاني إقناع الوجهاء ورجال الدين وأبناء الأسر المعروفة بدخول الوظائف بغية جعلهم واجهة حسنة لحكمهم واخذوا يغرونهم بالمرتبات العالية والامتيازات الخاصة، إلا أنها لم تفلح مع أكثرهم بالرغم من تكرار الإلحاح عليهم. ويعلل الدكتور علي الوردي الموقف السلبي الذي اتخذه الكثير من العراقيين إزاء تقلد الوظائف في بداية الاحتلال البريطاني إلى الأسباب الآتية:-
1- خوفهم من عودة الأتراك إلى البلاد والانتقام منهم على نحو ما فعلوه في الكوت. وكان المؤيدون للعثمانيين في بغداد يبثون الإشاعات القائلة بان العثمانيين سيعودون حتى في حالة خسارتهم الحرب لان ألمانيا وعدتهم بان تسترجع العراق .
2- الكثير من الناس في بغداد كانوا تحت تأثير (حركة الجهاد) نفسيا، فقبول الوظيفة أثناء الاحتلال البريطاني أمرا محرما من الناحية الشرعية إذ هو بمثابة التعاون مع الكفار. صار العراقيون ينظرون إلى كل عراقي يتعاون مع البريطانيين نظرة ازدراء. وكانت لفتاوى رجال الدين دورا مؤثرا في ذلك.
3-إن الازدهار التجاري الذي عم الأسواق العراقية،جعل الكثير من الناس يفضلون الكسب السريع على الوظيفة فلجا الناس إلى العمل في التجارة والزراعة والحرف وغيرها .
تمكنت قوات الاحتلال البريطاني بعد ذلك من إقناع عدد من الشخصيات العراقية لتولي بعض الوظائف الإدارية والقانونية. وكان أول شخص قبل الوظيفة في بغداد هو(عبد العزيز المظفر). ثم اخذ آخرون يستجيبون للدعوة شيئا فشيئا بشكل وأخر. السياسة الإدارية للاحتلال البريطاني في العراق، لا تختلف عن سياسته الاقتصادية فهو يحاول أن يجير كل شيء لصالح تكريس هيمنته على العراق. فمثلما علقت بريطانيا أمالها على إعادة السلطات القبلية وتجيرها لصالحها بدأت تعلق أمالها على فئة الموظفين بعد أن رأت بأنهم سيكونون سندها الحقيقي في المدينة كما شيوخ العشائر سندها في الريف، ولذلك ركزت منذ البداية على العراقيين الذين لم يكونوا مقربين من الحكم العثماني أو كان لهم نزعات عدائية لذلك العهد أو كانوا معجبين أو مبهورين بالتقدم الحربي والصناعي والحضاري والبريطاني. في الوقت نفسه عمدت إدارة الاحتلال البريطاني تلقين أولئك الذين كانوا موالين للعهد العثماني أو الموظفين لديه درسا لن ينسوه فأبقتهم فترة زمنية في بطالة إجبارية وأذلتهم بالحرمان والجوع ثم فجاءه بدأت بإعادتهم إلى وظائف جديدة تنبع قيمتها من قوة ولاء الموظفين للحكم الجديد.وحاولت الإدارة البريطانية أن تجعل من الموظفين العراقيين مادة جهازها الإداري، حتى إن البعض منهم لشدة ولاءه يتطوع لخدمتها بل ونقل الأخبار والتجسس والترويج لمصالحها.
ب – تشكيل الوظائف في الجهاز الاداري الحكومي 1921-1939
دأبت الحكومة البريطانية في العراق على تعيين الموظفين الأجانب ولاسيما البريطانيين منهم في الوظائف المهمة ، مقابل إعطاء الوظائف الثانوية(غير المهمة) للموظفين العراقيين. وبعد التطورات التي حصلت في العراق بعد ثورة العشرين كانت المهمة التي اضطلع بها المندوب السامي(برس كوكس) تستدعى إعادة البناء الإداري وتعيين بعض الموظفين العرب محل الضباط البريطانيين.لقد وجد (كوكس) صعوبة في إيجاد العراقيين اللائقين لشغل الوظائف في الحكومة المؤقتة التي عزم على تأليفها في العراق. ذلك ان معظم الشخصيات العراقية البارزة كانوا بعيدين عن العراق، أما لأنهم كانوا ملتحقين بالجيش العثماني أو إنهم تركوا البلاد مع الإدارة العثمانية أو لأنهم كانوا ملتحقين في الثورة العربية في الحجاز.
وما زاد من صعوبة العثور على الموظفين العراقيين هو المعايير التي وضعتها الإدارة البريطانية في اختيار الموظفين العراقيين هذه المعايير الثلاث هي:
1- الاهتمام بهوية الفرد السابقة وصفه ميوله ومدى أمكانية العمل معه.
2- السعي إلى إيجاد موظفين يتصفون بالاعتدال .
3- لهم إلمام بالمهام الإدارية والحكومية .
قامت لإدارة البريطانية بنشر الإعلانات الرسمية التي تدعو فيها العراقيين الذين انتدبوا سابقا في المجلس العثماني (مجلس الأعيان ومجلس المبعوثان) وكان لهم سابق معرفة في الأمور التي تعود للمصالح العامة والانتخابات للمساهمة في إدارة شؤون البلاد، كما كانت تبعث بالكتب الخاصة أحيانا إلى العراقيين الموجودون خارج البلاد.
وعلى أي حال لم تكن الإدارة البريطانية تدخر وسعا في جذب العراقيين البارزين في فترة قبل الاحتلال طالما أن لهم نوعا من الدراية في أمور الإدارة والسياسية وبطبيعة الحال تقلدت الوظائف الحكومية في العراق العائلات المعروفة مثل آل العمري، آل الجليلي و آل الخياط في لواء الموصل، و النقيب والباش أعيان والمنديل في لواء البصرة، وفي العاصمة بغداد، الجرجفجي (رفعت بيك وابنه رؤوف)، والسويدي (يوسف افندي و أولادة)، والبابانيين الأكراد (اسماعيل حقي وحمدي)، والباجه جي، والدفتري، والراوي والحيدري، والالوسي, وجميل زاده، والخضيري، وبيت شوكت باشا، والعديد غيرهم.