صفحات تتلاشى في صمت

صفحات تتلاشى في صمت

في زمن الشاشات الساطعة والإشعارات المستمرة، تتراجع عادة القراءة كما لو أن الكلمات لم تعد تحمل جاذبية. الكتب لم تعد رفيقة دائمة في البيت، والمكتبات أصبحت مجرد ديكور، وقراءة المقالات أضحت سريعة ومقتضبة، بلا تأنٍ أو استغراق.
صارت مشاهد شائعة: شخص يجلس في القطار أو المقاهي، هاتفه بين يديه، بينما الكتاب مغلق على الطاولة، ورقة لم تُقلب منذ أسابيع، وربما أشهر، كأنها تذكير صامت بموعد ضائع مع المعرفة. الأطفال يكبرون دون أن يعرفوا طعم الجلوس لساعات مع قصة أو رواية، مكتفين بما يقدمه الهاتف من صور وفيديوهات سريعة.
حتى الجامعات لم تسلم من التأثير؛ الطلاب يميلون للبحث عن الملخصات والملفات الجاهزة بدل القراءة المتأنية، والمكتبات الجامعية تغص بالكتب، لكنها خاوية من العيون التي تتصفح صفحاتها بعناية وتمعّن.
المشكلة ليست في وفرة المعلومات، بل في غياب القدرة على الغوص في نص واحد، على فهمه، على الانغماس فيه، حتى لو كان أقل شهرة أو شهرة أقل جاذبية. القراءة ليست مجرد معرفة، بل هي ممارسة للتفكير الحر، واستكشاف الذات، وصقل الحس النقدي.
ما نحتاجه ليس لومًا على التكنولوجيا، بل إعادة ترتيب الأولويات هو أن نخصص وقتًا يوميًا للكتاب، وندع العين ترتاح من الشاشة، والعقل يكتشف عوالم جديدة بين الصفحات، قبل أن تتلاشى هذه العادة إلى الأبد.