23 ديسمبر، 2024 5:12 ص

“صرنا قيمه” !

“صرنا قيمه” !

“يا مَعوّدْ عوفني آني صاير قيمه”!!
أي أنهكني التعب وفقدت جميع قواي , ولا أجيد إلا الإستلقاء على الفراش!

أظنكم تعرفون “قيمة الطماطة” , وتتلذذون بأكلها , فأنها أكلة عراقية شائعة , لا أعرف كيف إكتسبت هذه التسمية.

وفي هذا المساء قال لي صديقي: “تعال وياي نتعشى قيمة عراقية  من هاي اللي تعجبك”!
قلت: ذكرتني بالقيمة التي غابت عني لعقود!
قال: “يله تعال أكو صديق عراقي يسوي قيمة مضبوطة”!

أعادني صديقي إلى أيام القيمه  , وكيف كانت تطبخها أمي , وهي تقول : ” اليوم العشه قيمه “, ولا أدري لماذا تكون أكلة العشاء , ولهذا طلب صديقي أن نتعشى قيمه؟!
لكنها عادة عراقية , تعودت عليها العوائل , وتمتعت بها عند المساء!

والقيمه تتكون من البصل واللحم ذو القطع الصغيرة  والحمص والطماطة  , فيتم تحميص البصل واللحم وتضاف الطماطة المثرومة , والحمص المسلوق والملح والحامض وبعض البهارات وقليل من المعجون والماء , وتترك على النار حتى تتماسك أو “تعكد” , وبعدها تقدم حارة شهية, وبعضهم يجيد طبخها لتكون لذيذة و “ما ينشبع منها” .
 وهذه (قيمه كظماوية أو سامرائية) ,  وهناك (قيمة نجفيه) , يتم هرس مكوناتها.
فالقيمة تكون لذيذة عندما تنطبخ الطماطة حتى يصبح عصيرها ثخين , وحمصها هش , ولحمها مشبع بعصيرها.

قلت لصديقي: راحت أيام أكل القيمه , هسة إحنا صرنا قيمه!!
ضحك صديقي وقال: تعال خلينه نبلش بالقيمه , هو إحنه صايرين قيمه من زمان!!

وبين أن تكون “قيمه” , وأن تأكل “قيمه” , فرق شاسع وأليم!!

وأن تكون “قيمه” , بمعنى أنك تنسحق تحت سنابك الأيام وتنمحق معالم هويتك وصيرورتك , وتتحول إلى وجود شديد!

ويبدو أننا قد نسينا أكلة القيمه , وتحولنا إلى قيمه على موائد الإفتراس الحضاري اللذيذ.

فما أطيب قيمة الأوطان المطبوخة , بقدور الديمقراطيات , وبطماطة الأفكار الحمراء الناضجة المتأهبة للإنبثاق والنزيف , وبلحم آخر , و”الحمص بالجدر يركص”  , ويأبى أن يذعن للطبخ , بل تحول إلى قذائف تستهدف الجائعين , والمأسورين بالقهر الخلاق!!