22 ديسمبر، 2024 7:36 م

لا تنفع كل التبريرات والحجج على تبرئه “بروتس” من تهمة الخيانة العظمى جراء طعن ملك روما “يوليوس قيصر”، في تلك الواقعة التاريخية المثيرة التي تعلم العالم منها، كيف تحاك المؤامرات ضد شخص تصعب مواجهته، ولا سبيل للتخلص منه غير المكيدة والغدر والخيانة.

بل،لا يقتنع أحد بتبريرات “بروتس” حين وقف أمام جماهير روما الغفيرة ليبرر جريمته بأنه كان يحب بلاده  أكثر من حبه لـ”قيصر” لذلك طعنه بالخنجر تخلصا منه، وان ما قام به كان من أجل روما العظيمة،

 لكن تهمة الخيانة العظمى ظلتْ تطارد بروتس وما تزال جملة يوليوس الشهيرة ( حتى أنت يا بروتس) عنوان عريض عن  الغدر والخيانة رغم انتحار بروتس بسيفه، لكن الذي حصل بعد مقتل “قيصر” أن البلاد غرقتْ في مستنفع حروب أهلية وفوضى وسيول من دماء وانقسامات وتحول كل شئ الى خراب ودمار وفوضى.

 أن حكمة التاريخ في هذه الحادثة تعبر في كل زمن عن خيانة الصديق ونسيان الفضل والإحسان ومجازاته بطريقة عكسية، تكشف عن قذارة التآمر مع الأعداء ضد صاحب الفضل بأتعس صورة كما عبرتْ عنها آداب الشعوب بالرسم والمسرح والسينما والموسيقى. وصورتْ الحادثة في مشاهد خالدة عن خيانة الوطن أولا رغم ان الوطن لا يرتبط بشخص.!

المعروف ان شعب روما كان يظن أن الشاب والصديق  والقريب ” بروتس” هو أبن القيصر نتيجة الاهتمام والرعاية التي يوليها يوليوس لصديقه بروتس بعد الانتصارات التي زادتْ من الغيرة والحقد على القيصر، لكن الغريم ” كاسيوس” أستطاع أن يقنع بروتس بتحريضه ضد الإمبراطور وحاك المؤامرة التي تمثلت بدخول ستين من أعضاء مجلس الشيوخ  الذين خبئوا خناجرهم تحت ملابسهم، وما أن دخل القيصر الى القاعة الواسعة حتى هجموا عليه بالخناجر وطعنوه في أماكن متفرقة في جسده، لكن الملك أشهر سيفه وخاض معهم حرباً ضارية وقاوم  بضراوة وبسالة ولم يعرف معنى الاستسلام،

وهذا يؤكد، أنه القائد المتمرس بفنون القتال، وظل يقاوم ويقاتل حتى تفاجأ بطعنة جارحة من الخلف، وحين استدار، فاذا به صديقه العزيز والقريب ” بروتس” هو الذي قام  بطعنه في الظهر!

 فما كان من يوليوس قيصر سوى ان يقول كلمته الشهيرة ” حتى أنت يا بروتس” لتنهال عليه بعد ذلك أقسى الطعنات من الأعداء، لترديه قتيلا، ورحل امبراطور روما العتيقة بعد ان وثق التاريخ أعظم عبارة قيلت بحق الصديق الخائن.

عندها انطوتْ صفحة أليمة في حادثة ظلتْ تتكرر عبر الأزمان. لذا ان الحادثة ليست بصدد الوفاء والغدر وحسب، إنما طريقة المكافئ الموضوعي والمجازاة لمعنى العطف والرعاية في ضمير الإنسان طالما السبب كان الشر بالانتقام تحت حجج واهية،

 فهل الوفاء مشروع خيانة؟

أذن ما معنى الحكمة التي تقول: أحذر من عدوك مرة واحدة وأحذر من صديقك ألف مرة؟

 تلك الأسئلة تبرهن وتوضح أن الخيانة تستند على الشر والضغينة والكره والحقد وخيانة الضمير،

وان كان الضحية هو الوطن.!؟