منذ عدة عقود كتب باتريك سيل كتابه المشهور صراع على سوريا بين فيه حجم الصراعات الإقليمية التي كان مركزها سوريا.
نحن اليوم في مرحلة ليست بعيدة عن تلك الأجواء مع تغير في مساحة الصراع وأطرافه.
يشتد الصراع اليوم من اجل رسم خارطة سياسية جديدة في المنطقة بعد أن دقت الثورات العربية أجراس الخطر في العواصم الإقليمية والدولية وان هذه الثورات التي تعرضت لانتكاسة يمكن أن تعود مرة أخرى وبزخم أقوى .
لن نختلف إذا قلنا إن قيادة الثورات العربية اتسمت بقصر النظر وغفلتها عن القوى الخفية في المجتمع وعن إعداد مستلزمات مواجهتها إلا قلة استدركوا بعد حين .
اليوم قوى الثورة العربية اضطرت إلى التراجع نحو القطرية والانشغال بالشأن المحلي البحت وتقديم التنازلات كما يحصل في تونس والمغرب .
وفي مصر لا يبدو أن قوى الثورة لها إستراتيجية جديدة غير إستراتيجية الثبات والمناداة بعودة الشرعية غير مدركة انه أصبحت هناك شرعية أخرى تمثلت بالانتخابات التي أتت بزعيم الانقلاب عبر صناديق الانتخاب إلى الرئاسة .
وليبيا مقدمة على صراع طويل لن يحسم سريعاً ..
لكن ربما يكون الصراع الأهم هو في الشرق العربي وأهميته تكمن في تأثيره بعيد المدى على قضيتين أساسيتين : ( إسرائيل وإمدادات البترول ) يضاف إليهما محوري الصراع السعودي والإيراني.
إيران حققت نجاحات هائلة وفرضت حصارا على السعودية وهي الآن ماضية في استخدام عنصر ربما كان خافيا على منظري السياسة الأمريكية في تصديها لداعش .
داعش وتحت الضغط ستكون محتاجة إلى حليف وإيران التي أقصيت عن التحالف الدولي ضد داعش ستبحث عن وسيلة لتحقيق أحلامها الإمبراطورية والاستفادة من صراعات الآخرين لتحقيق مزيد من المكاسب لذلك ستمارس إيران سياساتها القديمة ففي الوقت الذي ستحاول أن تتماهى مرحليا مع الإستراتيجية الأمريكية ضد داعش ستفتح قنوات الاتصال مع داعش أو أخواتها من منظمات السلفية التكفيرية ودفعهم للانتقام من أمريكا في ساحات أخرى .
لذلك من المتوقع أن نشهد تصاعدا في نشاط هذه المنظمات في كل من المنطقة الشرقية السعودية وتمددا للحوثيين في اليمن نحو المطالبة بالمناطق التي استقطعتها السعودية منه .
أما في مصر فستشتد الضغوط على النظام المصري لفتح باب التشيع ويقابله مزيد نشاط لمنظمات العنف في مصر والذي توسع بالفعل من سيناء إلى الداخل المصري .
أما العراق ففي الوقت الذي ستنتظر إيران نهاية الجهد الأمريكي لتعود من بوابة توسيع نطاق الصراع السني السني وزيادة سيطرتها على المناطق الشيعية وحسم سيطرتها على المناطق السنية التي طالبت القوى الشيعية بها .
باختصار فان المشهد العام يختصر بكلمات زيادة الانقسام السني في المنطقة على خلفية صراعات سياسية وأيديولوجية ومصلحية ودخول القوى الدولية جزء من هذا الصراع ، وتلاحم الموقف الشيعي الإيراني لتحقيق مكاسب على الأرض وتوسع الدائرة من صراع في سوريا والعراق إلى صراع يشمل كل الشرق العربي دون استثناء .