15 نوفمبر، 2024 2:40 م
Search
Close this search box.

صراع قطبي الجهادية العالمية

صراع قطبي الجهادية العالمية

لا نبالغ القول بأنه كان هنالك اجماع لدى المحللين الامنيين والسياسيين بأن تنظيم القاعدة سيحل محل داعش بعد الهزائم النكراء التي اصابت الاخيرة بين اعوام 2015-2018 ,ولا يزال هنالك شبه اجماع لايشذ عنه سوى فئة من الكتاب والمحللين (من بينهم كاتب هذه السطور) بأن تنظيم القاعدة قد استعاد تفوقه من جديد على حساب انهيار تنظيم داعش ,ولكي لا نجني على الفئة الاولى من المحللين يجب الاقرار بأن تحليلاتهم لا تخلو من الصحة وان كانت تفتقر الى الرؤية الاستراتيجية , فهؤلاء يبنون تحليلاتهم على اساس النقائض والاخذ بالتضادات والنتائج العكسية ,فهزائم داعش في نظرهم هو انتصار لغيرها من التنظيمات الارهابية المتواجدة على الساحة,وفقدان داعش لسيطرتها على الاراضي التي كانت تحتله سابقا والحواضن البشرية فيها ستكون منالاً للقاعدة في المستقبل ,وانخفاض القدرة التجنيدية والتعبوية لداعش سيصب في صالح تنظيم القاعدة .
لا يمكننا ان ندحض النظرية الاجماعية أعلاه وان كنا نختلف معها قليلاً او كثيراً ونشذ عنها احياناً بسرد نظرية او تحليل متناقض معها فقط, ومن الخطأ القول ببطلانها تماماً,فالتحليل الامني والاستخباري هو تحليل نسبي غير جازم في نهاية المطاف ,ولكي نقدم تحليلاً امنياً منطقياً وجب علينا دراسة حالة كلا التنظيمين على الارض واستقراء اوضاعهما الحالية والتعمق في التحليل بقدر المستطاع , ولا يمكننا ان نفعل هذا وذاك الا ببيان مقارنة حقيقية بين التنظيمين بصورة عامة وبين كلا التنظيمين في بلدين مختلفين ويفضل الا يكونا متجاورين كالعراق وسوريا لكثرة التشابه وتداخل حيثيات النشوء والصراع وتجاور الحواضن التي سوف يقودنا حتماً الى بعض الارباك والقليل من التحيز التحليلي السلبي, مع الاخذ بنظر الاعتبار(كمحصلة ضمنية)عدم اغفال منعطفات واحداث مهمة في البلدين المجاورين اعلاه ,ولكننا سنركز اكثر على مدى قدرة تنظيم القاعدة على استغلال حالة الضعف والانهيار الذي يعيشه داعش وهل تتمكن او تمكنت القاعدة فعلا من الصعود ثانية وملىْ الفراغ الذي تركه داعش ؟ لذا من الضرورة بمكان مقارنة وتحليل واقع حالة التنظيمين ومحاولة كل منهما للسيطرة على المجتمعات المستهدفة ويستحسن أن يكون في بلدين متباعدين كالعراق وتونس مثلاً ,حيث ان العراق كانت منشاً لداعش وأسلافها في شرق الخارطة العربية الاسلامية وتونس كانت وما زالت الحلقة والبؤرة المركزية الفكرية للارهاببيين في بلدان المغرب العربي .

أكد البعض بأن أنهيار داعش سيمهد الطرق لتنظيم القاعدة والمجاميع الارهابية المبايعة لها بالعودة الى المشهد الميداني وسحب البساط من تحت داعش والتوغل في المجتمعات المحتملة التي يمكن استغلالها لمشاريع ارهابية قصيرة او بعيدة المدى,وقد ظهرت تنظيمات جديدة مثل (حراس الدين)التي سرعان ما اعلنت بيعتها لايمن الظواهري بالصورة التقليدية القديمة والسريعة التي كانت تصاحب ظهور مجاميع او تنظيمات ارهابية وتعلن مبايعتها بالسمع والطاعة لامير تنظيم القاعدة انذاك,حيث ظهر فيما بعد ان اغلب المبايعات كانت تدور في اذهان قيادات تلك التنظيمات قبل الاعلان الرسمي لها ,وهذه المبايعات كانت لاسباب عدة اهمها لاضفاء طابع تنظيمي قوي على المجموعة او التنظيم نفسه عند ربط اسمه باكبر واقوى تنظيم ارهابي عالمي (القاعدة),اولتقوية المجموعة او التنظيم الارهابي الناشئ بالحصول على الدعم اللوجستي والمالي والبشري من تنظيم القاعدة العالمي .

فهل استطاعت القاعدة من ملىء الفراغ الذي خلفه داعش؟ أم ان داعش مازال يملىء تلك الفراغات الجبهوية بحواضن ومعتقدات فكرية؟وهل سيسمح داعش لتنظيم القاعدة من السيطرة عليها مجدداً؟ ما هو حجم كلا التنظيمين الارهابيين في مناطق تواجدهما ؟ كيف يمكن قياس تنظيمين منهارين اساسا ولكن بمستويات مختلفة؟
لا شك بأن تنظيم داعش يمر بظروف عصيبة ولا شك ايضاً بانه يحتاج الى الوقت والجهد لأعادة تنظيم صفوفه والبروز بشكل اقوى كما في السابق ,ولكي يحقق هذا الامر تحقيقاً شاملاً يجب عليه تجاوز الكثير من العراقيل وتذليل الكثير من الصعوبات الداخلية والخارجية ,أهمها تفعيل الاستراتيجية التجنيدية من جديد ولو بتكتيكات متغايرة وأعادة تنظيم وتنشيط خلاياه النائمة وتوسيع حجم نفوذه في المناطق التي كانت تؤيده تأييدا شبه مطلق ,اما خارجياً فهو بمواجهة أجهزة أمنية محلية واقليمية اكثر خبرة من السابق في التعامل مع مجاميعه (اي مجاميع التنظيم) بالاضافة الى التحرك التنافسي لأقرانه من التنظيمات الارهابية الاخرى وعلى رأسهم تنظيمي القاعدة وانصار الاسلام في العراق وتنظيمات متنافسة اخرى في بلدان الصراع ولا نبالغ ان قلنا بأن هذا التنظيم وعلى الرغم من التدهور التنظيمي الذي اصابه الا انه يسير بسرعة ثابتة في تذليل العقبات الداخلية والخارجية اعلاه في غفلة عن الاجهزة الامنية والاستخبارية الغارق في البيروقراطية ونشوة الانتصار والولاءات الحزبية والسياسية .
تنظيم داعش وان ظهر للمراقبين على انه بدأ بشن هجمات نوعية هنا وهناك وهو امر لا لبس فيه الا انه في الوقت نفسه مازال يستعيد انفاسه ويلملم شتاته ويعيد بناء خلاياه ,وهو بالتالي يعمل على محورين رئيسيين:اولهما بناء هيكلية منهكة ومدمرة وثانيهما تنفيذ عمليات مؤثرة وان تباعدت فتراتها الزمنية وكلا المحورين يتسابقان مع الزمن لانجاز ما يمكن انجازه ,الا انه وكما اسلفنا يخطو خطوات واضحة وثابتة نحو

تحقيق الاهداف المرغوبة للمحورين أعلاه,فتزايد عدد العمليات الارهابية دليل حي على ذلك ,وتنفيذ عمليات ارهابية نوعية سواء داخل العراق اوخارجه هو رسالة واضحة ليس فقط لحكومات هذه البلدان واجهزتها الامنية بل هو ايضاً التلويح واظهار العضلات للتنظيمات الارهابية المنافسة له والاعلان الرسمي للنفوذ والسيطرة.

أن انهيار تنظيم الخلافة كان أنهياراً لنظام حكم ارهابي متطرف بالمقام الاول وهزيمة لقوة مسلحة طاغية بالمقام الثاني,وما يساعد هذا التنظيم في استعادة نشاطه ويضخ فيه مقومات النمو والظهور من جديد هو تمكنه من تأسيس استراتيجية هجينة سريعة التحول تساعده على التحول من مجموعة مسلحة الى جيش قتالي غير تقليدي ومن تنظيم هيكلي الى هيكل سلطوي للحكم والتي تضمن له نظاماً نفوذياً في المناطق التي يسيطر عليها او التي يتواجد فيها .
أن الخوض في المقارنة بين التنظيمين هي حتماً من المقارنات الصعبة بل والمتغايرة للفهم ايضاً ,لأن المقاييس هي مختلفة في الاصل فالقاعدة كانت شبكة جهادية ارهابية بارزة في وقت من الاوقات وهي التي باركت ودعمت ورعت اسلاف داعش وأعطتها شرعيتها كقوة ارهابية محلية ,ولكنها ضعفت شيئاً فشيئاً لصالحها فيما بعد , اما داعش فأستطاع ان يتحول ويكبر بسرعة قياسية ويتمدد ويتمرد بشكل رهيب فاقت حسابات أعتى المحللين الامنيين والاستراتيجيين ,فهو وان التمس مباركة القاعدة في وقت من الوقت الا انه كان التماساً اعلامياً اكثر من كونه تنظيمياً والذي تأكد اكثر من مرة خلال الرسائل والمجادلات والردود الندية والموافقات المؤجلة لاطروحات واوامر القاعدة للدولة الاسلامية في العراق انذاك , لذلك نحن امام تنظيمين ارهابيين دوليين وليس تنظيم ارهابي دولي وأخر محلي او أقليمي,وما يزيد من صعوبة القراءة والمقارنة والتحليل ليس التنافس التنظيمي والاستراتيجي فقط بل والفقهي التنفيذي ايضاً لكلا التنظيمين ,لذلك ارى ان نختصر المقارنة بتكبير الصورة الرئيسية من خلال قياس واظهارنقاط محددة من الجوانب والامكانيات التنظيمية والقدرات التهديدية و النهضوية مثل حجم كل تنظيم ,وتنافس التنظيمات الارهابية المنضوية تحته او المبايعة له ومدى قدرة كل التنظيم على شن هجمات أرهابية نوعية في مناطق جغرافية متعددة مقدار التهديد الذي يمثله كلا التنظيمين على المستويات المحلية والاقليمية والعالمية ايضاً بالاضافة الى ما يمتلكه كلا التنظيمين من مصادر مالية ,لوجستية ,اعلامية وبنى قتالية تحتية.
1.العراق: كان المخاوف الكبرى لمحللي التنظيمات الارهابية الجهادية بعد انهيار داعش في سوريا والعراق يدور حول امرين رئيسيين لا ثالث لهما ,الاول ,وهي الاحتماليات النسبية للعمليات الارهابية التي من المحتمل ان يشن من قبل المقاتلون الاجانب العائدون الى بلدانهم ,والثاني مدى استفادة تنظيم القاعدة واستغلالها لنكسات داعش ,ولا توجد رؤية دقيقة او نتيجة واضحة حتى الان حول المخاوف المذكورة اعلاه,فمصير الكثير من المقاتلين الاجانب ما زال مجهولاً والدول الغربية والاجنبية مازالت مترددة في استقبال اطفال ونساء هؤلاء المقاتلين وان استقبلت البعض منها عدداً محدوداً جداً,ولكني اعتقد ان من بين اكبر المخاوف التي يجب طرحها وايجاد اجوبة حقيقة وناجعة لها هي مصير مقاتلي الداعش (الاجانب والمحليين على حد سواء) الذين تبخروا بين ليلة وضحاها في العراق وسوريا بعد الانسحابات المخططة لها مسبقاً من قبل التنظيم في الكثير من المدن والمناطق في العراق وسوريا علماً ان الاجهزة الاستخبارية الغربية قد قدرت عديد العناصر القتالية للتنظيم في منتصف 2017 بما يقارب 30000 الف عنصر وانخفاضه الى ما بين 15000 الى 20000 الف بعد معركة باغوز في سوريا.
وبعد تحليل توقيات الانسحابات الداعشية وطرق وتكتيكات الانتشار والاندماج والتمركز الذي مارسه التنظيم يتأكد لنا ان العدد الاكبر لهؤلاء المقاتلين ينتشرون في العراق اكثر من العدد المنتشر في سوريا, حيث ان التنظيم قد استعمل تكتيكاً خاصاً مكنه من الحفاظ على اكبر قدر من عناصره بعد الانسحابات المتكررة في بعض المدن والقصبات ,فبعد فقدان التنظيم لمدينة الموصل سارع مقاتليه للهروب والتنقل والانسحاب الى سوريا وقام بنفس الشيء في سوريا بعد ان لفظ انفاسه الاخيرة حيث انسحب في بعض معاقله عائداً بأتجاه العراق ومناطقه الحدودية (المناطق الحدودية بين البلدين),فالتنظيم كان يركز على الحفاظ على البنية العددية لمقاتليه اكثر من الحفاظ على المدن والبلدات التي كان يسيطر عليها ,فلقد ادرك ذلك بعد قيامه بتقييم القوة المضادة له وفقدانه للمدن والمناطق الحيوية كالموصل والرقة , ونجح الى حد بعيد في الحفاظ على الكثير من مجاميعه في الوقت الذي كانت فيه القوات العراقية والسورية وغيرهم يركزون على استعادة المدن وتحرير المناطق والاراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم وأعتبارها المقياس الوحيد للنصر على التنظيم.
بعد أعلان الانتصار النهائي على تنظيم داعش في 9 كانون الاول من عام 2017 من قبل رئيس الوزراء العراقي آنذاك, لم نرى أية تحركات فعلية لعناصر تنظيم القاعدة في هذا البلد ولم يسجل المتابعون او المحللون هجمات نوعية مؤثرة للتنظيم اعلاه في المحافظات العراقية بعد أعلان الهزيمة النهائية لغريمتها (داعش), في حين ان المجاميع الارهابية والخلايا النائمة للتنظيم المهزوم استطاعت ان تنفذ خلال الاشهر العشرة الاولى من عام 2018 أكثر من 1270 هجوماً أرهابياً بواسطة متفجرات محلية وعبوات ناسفة وعجلات مفخخة بالاضافة الى ما يقارب 148 عملية قتل وأغتيال او اصابة مؤثرة لأفراد وعناصر عاملة مع الحكومة او الاجهزة الامنية العراقية مثل المخاتير ,مصادر بشرية, رؤساء عشائر او اعضاء في مجالس المحافظات) ,فالتنظيم تحول سريعاً من تنظيم يدير خلافة او كيان مكاني الى تنظيم متمرد يدير معارك استنزاف ضد القوات العراقية والعناصر الموالية لهذه القوات وخاصة في المجتمعات السنية ,فهو ببساطة شديدة قد عاد الى تكتيكات واستراتيجية الاستنزاف والتوحش التي ظهرت بداياتها اواخرعام 2009 ونجحت خلال السنوات اللاحقة في هزيمة جيوش المنطقة و تأسيس ما سمي بالخلافة الاسلامية .
أما تنظيم القاعدة في العراق فلا تزال خلاياها تعاني من هشاشة تنظيمية وان كانت تستند الى ايديولوجية ناجزة تحاول بها اعادة هيكلية نفسها وتوسيع رقعة تواجدها والاستفادة من اخطاء وهزائم داعش,الا انها استطاعت في سوريا ان تحقق تقدما قد يعتبر واعدا بعد الاعلان عن تنظيم (حراس الدين) في شباط 2018 الذي يضم الكثير من الجهاديين الاجانب (المهاجرين) ومستمر في نشاطه في تجنيد الجهاديين المحليين(الانصار) الذين كانوا منخرطين في صفوف اكثر من خمسة عشر فصيلا ارهابيا انضموا الى التنظيم اعلاه .
أشارت معلومات استخبارية صدرت من بعض الاجهزة الامنية العراقية عن محاولات تنظيم حراس الدين من تجنيد عناصر محلية مؤثرة داخل النسيج العشائري في غرب العراق وخاصة من الذين انفكوا عن داعش او انفصلوا نتيجة اضمحلال النفوذ التنظيم له في تلك المناطق ولاتوجد مؤشرات واضحة حول مدى نجاح تنظيم القاعدة او خلفه حراس الدين في مساعيه الآنفة الذكر على الرغم من وجود معلومات استخبارية تؤكد تلك المساعي .
ويمكن اجراء مقارنة جوهرية للامكانيات القيادية واللوجستية والقتالية بين التنظيمين منذ عام 2017 في العراق وعلى النحو الاتي:
ت الامكانيات
داعش
القاعدة
1. الهيكلية القيادية الرئيسية
مازالت سليمة
مفكك وغير متماسك
2. الاسلحة والذخيرة
متوافرة ومؤثرة
قليلة وغير مؤثرة
3. الحواضن ومراكز التدريب
موجودة
غير موجودة
4. القدرة المالية
كبيرة
ضئيلة
5. القدرة التجنيدية
متصاعدة
ضعيفة
6. القدرة التهديدية
متصاعدة
ضعيفة

2. تونس: عند التحدث عن تنظيم (القاعدة) في هذا البلد يجب اولاً الاشارة الى الفرع المحلي فيها الا وهي (كتيبة عقبة بن نافع) التي ظهرت الى العلن عام 2011 عقب ارتخاء القبضة الامنية للدولة التونسية والتي اسسها الارهابي (ابو مصعب عبد الودود) وترأسها في الغالب قيادات جزائرية الا انها استطاعت استقطاب قيادات وعناصر مغربية و ليبية وموريتانية ايضا,وكانت ( كتيبة غقبة بن نافع ) من ضمن الجماعات الارهابية الناشطة في تونس حيث كانت تقف وراء العديد من الهجمات الدموية خلال السنوات الماضية, الا انها وخلال العامين الماضيين تعرضت الى سلسلة من الهزائم المتتالية بعد ان واجهت حصاراً شديداً في معاقلها الجبلية من قبل الاجهزة الامنية التونسية ,لكنها ما زالت تستميت لكي تعود الى واجهة العمل الجهادي في تونس خاصة مع وجود منافس قوي الا وهو تنظيم (انصار الشريعة) الارهابي التي اعلنت سابقاً عن بيعتها لابو بكر البغدادي .
وعلى الرغم من الهزائم التي تعرض لها تنظيم داعش في العراق وسوريا والتي انعكست على بعض فروعها في البلدان العربية والاسلامية الا ان كتيبة عقبة بن نافع لم تستطيع استغلال تلك الهزائم بشكل كامل والتفوق على منافسها المحلي( انصار الشريعة- فرع داعش) او على الاقل الحد من العمليات التجنيدية المستمرة للاخيرة عبر منفذها الاعلامي المسمى (شباب التوحيد) الذي كان له اليد الطولي في تجنيد الشباب وارسالهم للالتحاق بداعش في العراق وسوريا ,وقد يعود ذلك الى عدة عوامل تم ذكر البعض منها من قبل بعض

الباحثين المهتمين بالشأن التونسي امثال (هارون زيلين) و(دانييل بايمان) حيث يمكن تلخيص تلك العوامل الى ما يلي:
أ.عدم قدرة كتيبة عقبة بن نافع – فرع القاعدة في تونس- على مواءمة اهدافها مع انشطتها على ارض الواقع على الرغم من محاولاتها لكسب قلوب الجماعات المتطرفة.
ب. تموضع عناصر كتيبة عقبة بن نافع في مناطق لا تملك ارتباطاً تاريخياً مع النشاط الجهادي في تونس بينما كانت الجماعات الجهادية الارهابية السابقة (التابعة للقاعدة) كتنظيم (الجماعة الاسلامية المحلية) و(الجماعة السلفية للدعوة والقتال) تنفذ هجمات في مناطق متعددة من البلاد وكانت لديها حواضن في (اريانة ,بنزرت, تونس العاصمة ,بن قردان ) الاان (كتيبة عقبة بن نافع) تتواجد بشكل اكبر في منطقة القصرين وبشكل أقل في مناطق (الكاف والجندوبة).
ج. تفوق انصار الشريعة على (كتيبة عقبة بن نافع) في عمليات التجنيد ابتداءاً من الثورة التونسية وحتى يومنا هذا بالاضافة الى توغل انصار الشريعة في صفوف الشبكات الجهادية.
د. مازالت قيادات (كتيبة عقبة بن نافع) تعمل وفق عقلية النمطية والقديمة لتنظيم داعش من خلال العمل وفق خلايا مصغرة والقيام بالكمائن التقليدية وفضلا من انها لا تملك استراتيجية جديدة تمكنها من كسب قلوب الناس .
هـ. القوة الاعلامية المؤثرة التي تملكها (انصار الشريعة- فرع داعش) سواء كانت عبر الانترنيت (والتي قُلت مؤخراً) او عبر عناصر بشرية متوغلة في المجتمع التونسي والتي كانت تقيم مؤتمرات وتقدم خدمات معنوية وعمليات خدمية لاجزاء من المجتمعات قبل بيعة التنظيم لداعش, مما خلق لها حواضن مؤيدة تتبعها بشكل مباشر .
و. حصول انشقاق داخل كتيبة عقبة بن نافع لصالح داعش , حيث اعلن بعض القيادات والخلايا داخل الكتيبة من تأييدها لتنظيم داعش ومبايعتها لابو بكر البغدادي عام2015 ,مما اضعف من قوة ومكانة الكتيبة على الساحة التونسية.
ان مقارنة عامة لحجم وقوة كلا التنظيمين (داعش) و(القاعدة ) وامكانيتهما اللوجستية مازالت ترجح كفة الاولى على الثانية ويظهر تفوقاً واضحاً حتى بعد انتهاء ايام الخلافة والانهيار العسكري الذي لحق بداعش
ويمكن اجراء مقارنة جوهرية للامكانيات القيادية واللوجستية والقتالية بين التنظيمين منذ عام 2017 في (تونس) وعلى النحو الاتي:
ت الامكانيات
داعش
القاعدة
1. الهيكلية القيادية الرئيسية
متجددة
غير متماسك
2. الاسلحة والذخيرة
قليلة ومبعثرة
قليلة ومبعثرة
3. الحواضن ومراكز التدريب
موجودة ومتذبذبة
موجودة ولكن ضعيفة
4. القدرة المالية
ضعيفة
ضعيفة
5. القدرة التجنيدية
محتملة و متصاعدة
محتملة ولكن ضعيفة
6. القدرة التهديدية
متوسطة
ضعيفة

التفوق العام لتنظيم داعش
واذا حاولنا ان نقارن بين التنظيمين (داعش) و(القاعدة) على اغلب الاصعدة المؤثرة وفي جميع مناطق التواجد والانتشار فأنه سيظهر لنا مفارقات وفروقات تنظيمية ,هيكلية, لوجستية ,مالية وتجنيدية قد ترجح كفة احد التنظيمين في احد البلدان على حساب الاخر ,الا ان المؤشرات العامة تشير الى بقاء تنظيم داعش كقوة
مؤثرة مما يرجح احتمالية استمرارها كوجهة وواجهة رئيسية لما يسمى بالجهاد العالمي ,ويمكن ابراز النقاط الاساسية ادناه لبيان اوجه المقارنة بين التنظيمين وكالاتي:

ت
الامكانيات
داعش
القاعدة
1.
هيكلية القيادية الرئيسية
سليمة
سليمة
2.
الاسلحة والذخيرة
متوافرة ومؤثرة
غير مؤثرة
3.
القدرة الاعلامية
ضعيفة
ضعيفة
4.
القدرة المالية
كبيرة
متوسطة
5.
القدرة التجنيدية
متصاعدة
نمطية وغير متصاعدة
6.
الحواضن ومراكز التدريب
موجودة ومتنامية
موجودة
7.
القدرة على شن هجمات خارجية
اكثر تأثيرا
اقل تأثيرا
8.
القدرة على شن هجمات كيميائية
معدومة
معدومة
9.
القدرة الاستراتيجية التهديدية
كبيرة
متوسطة

الخلاصة والاستنتاج
بناءاً على ما سبق أعلاه لا توجد اية مؤشرات او علامات حول تمكن تنظيم القاعدة الاستفادة من هزيمة داعش واستغلال التغيير البيئي في الساحة الجهادية العالمية وحيث أن الجماعات الارهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة ومنها كتيبة (عقبة بن نافع) مازالت تفتقر الى الجاذبية التي يمتلكه غريمها (داعش) ,بالاضافة الى ان التنظيمات المرتبطة بالقاعدة مازالت غير قادرة على انشاء مناطق نفوذ مؤثرة وهي تتخبط في عمليات التجنيد والكسب وتلتزم بالمشروع القاعدي التقليدي الذي لا يقدم حلاً آنياً او قريباً بعكس داعش الذي بدأ بنشر ماكان عليه اتباعه ايام الخلافة من مكانة وادارة وحوكمة في سوريا والعراق لاستدراج الحنين الى الماضي وكسب التعاطف والانتقام من الخونة والمرتدين,وهو يسرد ايضاً للمجتمعات المحتملة ماكان موجوداُ وتم تحقيقه في السابق ويدعوهم الى المؤازرة والدعم والتكاتف بغية تحقيق التمكين وأنشاء الخلافة من جديد.
اعتقد بأن القاعدة وعلى الرغم من تواجد فروع لها في بعض بلدان العالم العربي والاسلامي والظهور بحلل جديدة كما في سوريا, الا انها ما زالت تفتقر الى استراتيجية قوية تمكنها من لعب دور رئيسي اوحيوي فعال تمكنها من من ان تحل محل تنظيم داعش (المهزوم عسكريا ومعنوياً) , وهو من المؤشرات الخطيرة التي تؤكد ان جزءاً كبيراً من التوجهات الفكرية والجهادية العالمية والمحلية ما زالت تؤمن بمشروع داعش اكثر من تنظيم القاعدة الامر الذي يصب في مصلحة داعش من النواحي التجنيدية والعملياية وتعجل من بروزه وتمدده من جديد ,لذلك ان فرص تنظيم القاعدة للتمدد على حساب داعش او نجاحه كبديل مقتدر هي ضئيلة على المستويين القريب والمتوسط خاصة في بلدان الصراع الرئيسية كالعراق وسوريا وشمال افريقا .

أحدث المقالات

أحدث المقالات