لست معنياً بأي هوية غير الهوية الأم وهي العراقية ، ولم التفت الى أي شكل من اشكال الهويات الفرعية ،الا مارسم لي وراثة وليس انتماءً، لا على المستوى الديني ولا الثقافي.
لكن وظيفتي ككاتب ،أوهكذا أزعم، أن أحذر من مناطق الزلق ومكامن الانزلاقات حين تدخل الهوية الفرعية الدينية والقومية في دائرة الصراعات السياسية الدائرة في البلاد بشكليها الديمقراطي والعنفي في بعض الحالات .وشهدنا جانباً دموياً من صراع الهويات الذي كان البروفة، التي تم اسدال الستار عليها ، ببروز تنظيم القاعدة الارهابي ، وتمكنت الممانعات الشعبية وليس القيادات السياسية من اعادة التوازن المعقول للمجتمع العراقي وايقاف شلال الدم .
وبسبب من سياسات حكومية وحزبية برزت حركة احتجاجية واسعة في المحافظات السنيّة عام 2013 لتدخل داعش الارهابي على خط الصراع السياسي من أجل حقوق دستورية لتحيله الى صراع طابعه ديني تمظهر في عداوته لكل هوية غير ” هوية داعش ” التي تستند الى اصول ايديولوجية متشددة الى اقصى الحدود لأنها ترفض كل ما هو غير داعشي ، فنتج عن هذه السياسية أنهراً من الدماء وملايين من المشردين والنازحين وخراب كارثي للمدن .
لاحظت للأسف الشديد بعد انطواء صفحة داعش ، ومن خلال التقاريرالاعلامية وشكاوى اهالي المحافظات السنيّة من خلال التجمعات والندوات، الى محاولات تغيير ديموغرافي وعمل منهجي لتغيير هوية هذه المحافظات تمارسه قوى سياسية شيعية لها اذرع عسكرية من خلال فتح مقرات لها في مناطق صافية سنياً واستثمار الوضع الكارثي لهذه المحافظات بشراء الناس للتحول الهوياتي التدريجي ، وسنكتفي عند هذا الحد ، لنقول ان كل محاولات تغيير الهويات الدينية ، اسلاميا ومسيحياً ويهودياً ، باختلاف نوعية الفرق الدينية من الدين نفسه او بين الاديان نفسها قد كتب لها الفشل على مر الحقب التاريخية ، ولكن بعد ان انتجت صراعات دموية قاسية جداً !
واقرب تأيخياً ماحصل للاتحاد السوفيتي، فما ان تراخت القبضة الحديدية عن جمهورياته ومكوناته ومحاولات اصهارهم في بوتقة هوية واحدة، حتى تجلّت نزعات الهويات بخصوصيتها الدينية والثقافية والقومية ، التي أريد تغييبها، فأدت تلك المحاولات ،من تغييب واجبار ،الى تفتيت دولة كبرى وعظمى مثل الاتحاد السوفيتي بمساعدة عوامل اخرى خارجية وداخلية .
وهي نتائج تتوافق كلياً مع طروحات عالم النفس السويسري كارل غوستافيونغ التي تقول “ يبدو أن داخل كل واحد منا شخصا آخر لا يعرفه ، هذاالشخص الآخر ليس سوى هوية أخرى يتلبسها الفرد وفق سياقات وجودية واجتماعية شتى“.
ان ترسيخ واشاعة مفهوم الاغلبية المكوناتية وفرض الهيمنة بالقوة والترهيب والترغيب على الهويات الاخرى وتحويلها الى هويات هامشية تدور حول المركز ، ستؤسس بالتأكيد لمجموعة تقاليد وثقافات ضاغطة على الهويات المجتمعية الاخرى ، وتحيل الى هيمنة هوية لاتؤمن بالآخر وتعمل على تصعيد ممارسات الاقصاء ، واخطر ما في هذه السياسات احتمال لجوئها للعنف في بعض المفاصل لتحقيق الاهداف ، وهو خطر قد يودي الى ردود افعال هوياتية وقد تلجأ الى العنف ان نفضت يدها من مخارج سلمية لمحاولات تغييب الهوية !
لست مهتما ان كان العراق كلّه شيعياً أو سنياً كردياً أو عربياً مسيحياً أو او صابئياً أو ايزيدياً ، مايهمني ان تكون الهوية الشاملة عراقية قبل أي شيء ، ومخاوفي من صراعات ظاهرها سياسي وباطنها الهويات الثانوية !
وما اروع ما قال المصلح الاميركي مارتن لوثر “علينا أن نتعلم العيش معا كإخوة، أو نموت جميعا كأغبياء