25 مايو، 2024 8:46 ص
Search
Close this search box.

صراع المناصب في الانبار.. دخل مرحلة المزاد العلني!!

Facebook
Twitter
LinkedIn

مسؤولو محافظة الانبار مشغولون جدا هذه الايام ومنهمكون في إقتسام مناصب مجلس المحافظة، بعد إعلان نتائج انتخابات المجلس الاخيرة ، وهناك صراع  رهيب يجري خلف الكواليس على منصب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة، وهكذا بالنسبة لمناصب أعضاء مجلس المحافظة والمستشارين ووكلاء المحافظ ومسؤولي اللجان داخل مجلس المحافظة.
ويقال أن  قضية ( بيع المناصب ) في الانبار وصلت أرقاما خيالية ، كما أوردتها إحدى وكالات الانباء العراقية ، بأن وصل بيع المنصب الى مليوني دولار.. لكن الرقم كما يبدو ضئيلا جدا ، اذا ما قورن بإمتيازات المنصب ، التي يسيل لها لعاب كل متعطش الى السلطة في هذا البلد، علما بأن ( بيع المناصب ) لايقتصر على الانبار وحدها ، حتى لايقال ان التهمة تنحصر بمحافظة دون غيرها ، بل جرى هذا التقليد الجديد ،في عصر الديمقراطية المزدهر، في محافظات أخرى ، مثلما جرى بيع  مناصب مهمة في وزارات سيادية ببغداد ذات صلة ومساس خطير بأمن الدولة ، كما أشارت وكالات الانباء هي الأخرى ، وتحدث عنها برلمانيون على أعلى المستويات، حتى انه لم يعد في الأمر غرابة، ففي العراق أصبح كل شيء مألوفا ، أما الغريب فهو ما هو مألوف ومتعارف عليه، أي إن الآية انعكست وبانت حقيقتها على المقلوب، كما يبدو.
وبسبب هذه الحالة تجد أغلب دوائر ومؤسسات محافظة الانبار حاليا بلا عمل ، ومراجعيها يشكون من الاهمال وعدم الاهتمام بإنجاز معاملاتهم ، لأن الرؤوس الكبيرة مشغولة بمستقبلها ، اما مدراء الأقسام ، فيديرون مهام أغلب الدوائر التي لها علاقة بمصالح البشر ، نيابة عن مدرائهم ، وهم يختلقون الاعذار لعدم الدوام في دوائرهم، وهكذا بقية موظفي المحافظة في دوائرهم،وهناك الاف الشكاوى من عدم تقديم خدمات في المحافظة بسبب هذا الانشغال الذي لايعرف مواطنو هذه المحافظة ان كان ينتهي في وقت قريب أو تطول صراعاته ، بين العشائر.
ولو التفت مسؤولو محافظة الانبار والقائمين عليها على ما تكتنزه محافظتهم من ثروات، لكانوا قد حلموا ببناء محافظة تضاهي دولة الامارات وباقي دول الخليج.. إنها المدينة التي تغفو على نهر الفرات الخالد وفيها من ثروات الغاز والفوسفات وحتى اليورانيوم ومعادن ثمينة لم تكتشف بعد كالذهب، وفيها اراض خصبة وثروة زراعية هائلة بإمكانها أن تكون سلة الغذاء العالمية ، كما أشرت في مقالات سابقة، مخصصة عن الاهمية الكبرى لهذه المحافظة ، والتي نشرتها بعنوان ( الانبار بإمكانها ان تكون دبي الثانية )  لو أدرك مسؤولو المحافظة وشيوخها ووجهائها قيمة محافظتهم التي لاتذكرنا حاليا الا بالصحراء، الصورة الابرز التي يعرفها الكثيرون عن الانبار،  وما يدرون ان في الانبار مواقع تصلح للسياحة لو أستثمرت، لانتقلت المحافظة الى مصاف دول متقدمة وليست محافظة جردء ، كما هي عليها الحال الان، وما فيها من بعض الدوائر والشوارع داخل المحافظة لايمكن ان يتناسب وحجم هذه المحافظة من العمران الذي يفترض ان تكون على درجة أعلى من ذلك بكثير.
أما مقاولو الانبار فهم من أغنى مقاولي العراق بل والمنطقة، وقد فضلوا العمل في دول الخليج والدول المجاورة للعراق وبعضهم حتى في دول اوربا وامريكا، وراحوا من هناك يديرون أنشطتهم ، لكنهم لم يسهوا بأعمار مدينتهم والاستثمار فيها ، رغم ان أصحابها يمتلكون المليارات ، إذ ان هناك عائلات أصلهم مشايخ أو مقاولين كبارا،  في الانبار على مستوى عال من الغنى والثروة ، وهم لم يفكروا يوما ان يستفيدوا من أموالهم لخدمة محافظتهم وابناء جلدتهم، بل أن البعض منهم وضعها في بنوك ومصارف العالم ولم يستفد منها لا بلدهم ولا محافظتهم، ولو تم إستثمار هذه الأموال في مشاريع سكن وسياحة وإعمار في الانبار لانتقال حال محافظتهم الى الحال الذي يتمناه الكثيرون لأهل الانبار .
وهناك نظرة راح يتسع نطاقها في محافظة الانبار بشكل غريب عجيب ، وهي ظاهرة اللامبالاة أزاء أبناء جلدتهم، ولم تعد موائد شيوخها ووجهائها عامرة كما كانت من قبل، وحتى اللقاءات بينهم أصبحت هامشية ومصلحية الى ابعد الحدود،وعلى أقل نطاقا ، ولم تعد تلك الحكايات التي كنا نسمعها عن دواوين ومضايف أهل الانبار التي إفتقدناها منذ السبعينات ، وراح أغلب شيوخها ووجهائها يمتهنون السياسة وبعضهم غرق في مستنقعها ، الى الحد الذي نسي حتى أهله وربعه وعشيرته، بل ربما حتى دينه ومذهبه وباع محافظته ومن فيها بثمن بخس، في زمن أصبح الوفاء للبعض فيها من ذكريات الماضي القريب.
ما يؤلمني عن الانبار هذا التجافي الكبير الذي تغلبه المصلحة الانانية العشائرية الضيقة عن خدمة أهالي المحافظة لابناء محافظتهم التي قلت ثقتهم بهم بشكل كبير، وما يؤلمني هذه الفجوة الواسعة بين كبار مسؤوليها وابناء المحافظة وراحت تمزقهم الصراعات والانانيات والمواقف غير المنسجمة مع تقاليد وأعراف هذه المحافظة الاصيلة ، فهم لايعرفون أبناء جلدتهم الا قبيل الانتخابات بأيام ، وبعد إن يتسنمون المناصب بفترة يتجاهلونهم كليا وتنتهي مهمة ان يتم تقديم خدمات لاهالي المحافظة وأبنائها، بل ان ( البعض ) منهم يكاد لا يعرفك أو ينكر صلتك به عندما تكلفه على أمر بسيط  ومشروع ووفق الصلاحيات المخول بها ، وما وجدته من أساليب تعامل في بعض دوائرها، يدعو للأسف والرثاء ،  ودائرة تقاعد الانبار واحدة من تلك الدوائر التي أذاقتني المرارة، ولها غصة مأساوية ، أثقلتني بالهموم والاحزان، لم أكن اتمنى ان اراها، أو ان أسمع عنها، ورغم أنني أسكن في بغداد منذ أكثر من ثلاثين عاما ، ولا ازور الانبار الا كل خمس سنوات ، الا إنه يمكن القول اني حفظت لها الود والقيمة الاعتبارية لهذه المحافظة ، وكنت إبنها الوفي وحافظت على قيمي معها ورفعت إسمها بين مثقفي العراق وصحفييه، وأحمد الله أنني ما بخلت عليها من عصارة عقلي وفكري، رغم تجافي أهلها معي ، ولم أترك مناسبة الا وأشدت بكرم شيوخها ومفاخرهم، وتمنيت لهذه المحافظة حالا أفضل من الحال الذي هي عليها الان ، وهو حال لايسر بكل تأكيد.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب