أن الدولة العراقية قامت بعد عام 1968 مستندة على العمل الأمني والاستخباري والصرامة المفرطة في تثبيت الأمن لكن بعد التغير في عام 2003 تحولت أغلب القيادات والاجهزة الامنية في البلد مع تعدد مصادر القوة على الأرض وفوضى انتشار السلاح لتعتمد الانتقائية في الاجتهاد السياسي ومعلومة المحلل الامني. الإعلام سلاح خطير وسيف ذا حدين ولقد كان ضعف الإعلام الرسمي أمام جيوش من القنوات المغرضة والصديقة أمام الغزو الفكري والتحريضي من أهم أسباب خلل الاستقرار الأمني والقومي فما هي نوع وموثوقية المعلومات المتداولة لدى أصحاب القرار وما هي مصادرها والغايات.
ليس لنا إلا الدعاء بالمغفرة والرحمة على من تم قتلهم على غفلة وبالخصوص إذا لم نكن على يقين من أسباب وظروف مقتلهم. هل يجوز القول ان الراحل الدكتور هشام الهاشمي كان يمد اجهزة القرار السياسي والأمني بمعلومات حول مجاميع دينية ومسلحة تؤمن بالعنف لتغير النظام ؟ وما هي مصادره وأسباب التعاون؟ لقد كان معظم المتحدثين بعد الحادثة من الأطراف المتصارعة يحاولون اتهامه أو تكريمه بتوجهات وادوار لم يكتب عنها خلال حياته؟
وفق القانون فأن الخبرة والاستشارة تعنيان قابلية المستشار وتفوقه على من يطلب منه الرأي والمشورة في اختصاص أو قضية معينة وعند تطبيق هذا المفهوم يعني ان الراحل الدكتور هشام الهاشمي كان عنصر مهم ومتقدم على المؤسسة الامنية لكن لم تقم هذه المؤسسة بتوفير الحماية المطلوبة كما لاحظنا ذلك في الفيديوات المنشورة. هل من تفسير منطقي ان يطلب الراحل نصيحة صديق في التصرف حيال تهديد قيل انه ورده من تيار سياسي يعمل على الساحة العراقية؟ ثم من هو ناقل رسائل التهديد وعلاقته بالاطراف ؟ لقد قرأنا الكثير من التصريحات من سياسيين واحزاب مع اقتناع بعض المتحدثين بمسؤولية الجهة المضادة عن الاغتيال دون الاستناد الى الادلة والإطار القانوني وبعضها أخذت بعدا” لتصفية حسابات بين تيارات متصارعة مدافعين عن شرعية العنف وخلط الأوراق لكن الأخطر في الموضوع انهم يحرضون لاشاعة الفوضى والدفع لتصفيات جسدية بمن لا علاقة لهم بالموضوع.
في نهاية المطاف فإن الوطن هو الخاسر الأكبر لان الراحل كما في حالات كثيرة هو عراقي تم الحكم وتصفيته بأيدي عراقية على الارض العراقية لخدمة أجندة خارجية والمشاهدين عراقيون على كثرتهم في موقع الحدث لم يحركوا ساكنا” اضافة الى العبثية في التعرض وقصف البعثات الدبلوماسية في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة الى اقناع المحافل الدولية باستقرار الوضع الداخلي وتشجيع الشركات والمستثمرين للعودة والمشاركة في مشاريع الاعمار والبناء الكبيرة. لكن يبقى السؤال الجوهري الذي نطرحه دائما” أين المنظومات الامنية وهيبة القانون ومتى يتحقق وضع كل السلاح تحت سلطة الدولة وبغيره لن يستتب الأمن في العراق.
منذ عقود والعراق ضحية صراع محورين أساسيين وهما المحور الأمريكي والمحورالايراني ودفعنا الثمن غاليا” ملايين من الشهداء واليتامى وتحطيم البنى التحتية وضياع مقدرات ومستقبل الاجيال لسنين طويلة قادمة بأيدي أجنبية وعراقية.
لكن لضمان الأمن الوطني يجب ان يكون العراق اولا” والراية الوطنية هي خيمة الجميع وان يؤمن كل العراقيين بكل طوائفه واعراقه من شماله الى جنوبه بأن مصيرنا ومستقبلنا واحد وان كل الاطراف الاقليمية والدولية لن تكون اخلص من اهله لحمايته وبناءه الا لمصالح وسياسات قد تتعارض او تتطابق مع مصالح الوطن واهله.
لقد تغير العالم بعد انتشار جائحة كورونا في اغلب بقاع الارض ولن يعود كما كان وسوف يتغير منظور العلاقات الدولية وسلوك الناس في كل بقاع العالم بعد هذه الازمة الصحية والمالية بأن يتوجه اهتمام اغلب الدول والحكومات لحل مشاكلهم قبل النظر بمشاكل الآخرين وبعد وصول السيد مصطفى الكاظمي لسدة رئاسة الوزراء وحسن طالعه بقبول ورضى اللاعبين الكبار فعلى الرئاسات الثلاث ان يكونوا احرارا” في قراءة المشهد وتقديم صورة العراق كوطن واحد لكل الطوائف والقوميات ليذكرهم التأريخ بشكل مشرف بعد سنين من المآسي والحروب ويستثمروا هذه الفرصة التاريخية في فرض السلم والامن الداخلي بحكمة من خلال ضبط الوضع الداخلي وايقاع حركة كل القوات العسكرية والتنظيمات المسلحة على التراب العراقي.
أن القائد العام للقوات المسلحة في العراق ورغم وضوح الصلاحيات الدستورية لصالح صاحب هذا الموقع فإنه لا يملك على الارض السلطة الحقيقية على اي من التشكيلات العسكرية في اقليم كردستان وكذلك 70 % من قيادة تشكيلات الجيش الشعبي تؤمن بولاية الفقيه ( الحشد الولائي) رغم دورهم المحوري وتقدير التضحيات في الدفاع عن تراب الوطن ضد عصابات داعش الظلامية الساعيين لتغير النظام وتخريب البلد.
يجب أن لا تكون دولة العراق في حالة تصادم أو طرف صراع مع اي من المحورين في الشرق الاوسط لذا من المهم على رئيس الوزراء التوجه الى طهران وواشنطن وبعض العواصم الاقليمية والتي أبتدأها هذا الاسبوع بالمملكة السعودية والطلب رسميا” مع مساعدة الأمم المتحدة بضرورة احترام سيادة العراق وإيقاف اي دعم مادي ولوجستي يهدد الأمن الوطني والقومي يتعارض مع المسيرة السلمية لبناء الدولة العراقية ومن ثم لتتمكن الحكومة المركزية بان تقوم بإعادة تقييم عام وضم قيادة كل التشكيلات واسلحتها مع توزيع الصلاحيات تحت تحت سلطة الدولة وادارة وطنية وسياسية شاملة متفق على برامجها وتوجهاتها الاستراتيجية والعقائدية.