18 ديسمبر، 2024 10:46 م

صراع القوى العظمى: صراع اقتصادي

صراع القوى العظمى: صراع اقتصادي

منذ أكثر من عقد ونصف من الآن؛ بدأ الصراع بين القوى العظمى، امريكا والاتحاد الروسي، والصين، الذي كان عند بدايته، خفيا، لم يظهر على سطح الاحداث بصورة جلية وواضحة، على الرغم من انه كان يمور تحت الارض. كانت الولايات المتحدة الامريكية؛ تشعر ان الدولتين روسيا والصين؛ تعملان وتخططان على ازاحتها من على مقعدها لقيادة العالم، او التأثير على هيمنتها على المعمورة. عليه فأن هذه القوى العظمى عملت على تقليص مساحة النفوذ لبعضها البعض، من غير ان تتصادم بصورة واضحة. لكن لاحقا وبالذات في العقد الثاني من القرن الحالي؛ اخذ الصراع او النزاع والتنافس بين هذه القوى العظمى؛ يظهر جزئيا في الاعلام وتصريحات المسؤولون في هذه القوى الدولية العظمى. امريكا تحاول ولم تزل تحاول وتعمل باتجاه محاصرة روسيا والصين في فضاءات حركتيهما. أما الصين وروسيا من جهتيهما؛ تعملان بهمة عالية ونشاط واسع النطاق، على هز مقعد امريكا لقيادة الكرة الارضية كقطب واحد. من خلال التالي: – منظمة البريكس ومنظمة شنغهاي والاتحاد الاقتصادي الاوراسي، وخطط الصين في الحزام والطريق. – استعمال العملات المحلية في التعاملات التجارية والاقتصادية والمالية في محاولة لأزاحته من التعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية كعملة دولية..- اقامة شراكة استراتيجية بين الصين وروسيا.- محاولة روسيا والصين جذب بقية الدول سواء في شرق اسيا او في غرب اسيا او جنوب شرق اسيا( منظمة اسيان) وحتى دول لاتحاد الاوربي؛ الانضمام للمنظمات سابقة الاشارة لها في هذه السطور المتواضعة. الولايات المتحدة وجدت في هذه التحركات او في هذه الشراكات والمنظمات تهديدا لها، ولتفردها حسب تصورها في الهيمنة على العالم. لذا عملت على تسريع محاصرة روسيا والصين، إنما بطريقين مختلفين ومتزامنين. مما جعل الصين وروسيا تعملان على توسيع وتعميق شراكتيهما الاستراتيجية. ان الحرب في اوكرانيا ساهمت في تظهير هذا الصراع على سطح الاحداث واجبرت قوى الصراع على الكشف عن خفايا الاجندة لجميع الاطراف، اي القوى العظمى والكبرى؛ روسيا والصين وامريكا والاتحاد الاوروبي. من الخطأ التصور ان من الممكن عند خطأ ما غير مقصود، أو في لحظة ما؛ استخدام السلاح النووي الفتاك في النزاعات المقبلة في العالم، بين القوى الدولية النووية العظمى والكبرى؛ بل هو، اي امتلاك السلاح النووي يمنح قدرة ردع هائلة للخصوم، وهو اي قدرة الردع النووي الهائل؛ من يرسم الخط الاحمر للخصوم من كارثة الاقتراب من هذا الخط الاحمر، اي البقاء على مسافة منه في الزمان والمكان المعلومين لجميع الخصوم في هذه النزاعات. إنما الاساس في هذه النزاعات المتوقعة، وربما المقبلة، ربما كبيرة جدا، لما لها من حظ الوجود؛ انه صراع سياسي واقتصادي وتجاري ومالي وتكنولوجي، وايضا سباق تسلح لمحاولة جميع قوى النزاعات هذه؛ في اختراع اكثر الادوات فتكا بالإنسان والضرع والارض؛ لضمان عدم اقتراب الخصم، من الخط الاحمر، الذي يتم رسمه من قبل الخصوم بالاتفاق الضمني، وليس المباشر والواضح. عليه فان تأثير هذا الصراع المقبل على البشرية، وماهيته وادواته في التالي..
اولا: هو صراع سياسي واقتصادي وتجاري ومالي وتكنولوجي؛ ستعلب فيه الطاقة، النفط والغاز والغذاء؛ دورا محوريا حاسما.
ثانيا هو صراع على حيازة اكبر مساحة من النفوذ في كل بقاع المعمورة.
ثالثا: هو صراع بين القوى العظمى والكبرى على المغانم والمكاسب لتقوية موقف هذا الخصم او ذاك من تلك القوى الدولية، وليس صراع محاور اي ان يدور بين محورين كما يبدو عليه المشهد في الوقت الحاضر. رابعا: ان القوى العظمى الدولية، روسيا والصين وامريكا ودول الاتحاد الاوربي( فرنسا والمانيا) جميع هذه الدول هي دول رأسمالية باستثناء الصين، التي هي في الجوهر رأسمالية باطار اشتراكي، وبالذات في سياستها الخارجية، لجهة الاقتصاد والمال والاعمال، والاستثمار في البنى التحتية(الحزام والطريق..)، اي انها لا تختلف عن الدول الرأسمالية من حيث مشاريعها الاقتصادية او شراكاتها الاقتصادية؛ فهي دولة رأسمالية تماما؛ من حيث التوجه والاهداف.
خامسا: جميع هذه القوى العظمى العالمية تربطها شراكات سواء ما كان منها في الصعد الاقتصادية والتجارية والمالية، وما هو على هذا الطريق في العمل والانتاج. حتى حلف الناتو على الرغم مما يظهر عليه الوضع اي وضعه في الوقت الحاضر، لكنه حلف يعاني الكثير من مخاطر التفكك مستقبلا، بفعل تضارب المصالح مستقبلا؛ بين امريكا ودول الاتحاد الاوروبي، وبالذات المانيا وفرنسا؛ اللذان تشكلان معا ثقلا كبيرا بعد امريكا في الناتو. المسؤولون الامريكيون دعوا اكثر من مرة الى التخلص من ثقل الناتو عليها، كما ان فرنسا والمانيا دعت في السنوات الاخيرة الى تأسيس جيش اوروبي، كما ان دور السلاح النووي، أو التقليدي من النوع الذي يمتلك قدرة كبيرة جدا، على احداث دمار هائل، على اهميته القصوى والخطيرة؛ في رسم الخط الاحمر؛ سوف يكون محدودا بالقياس الى دور الاقتصاد في نزاعات القوى العظمى على صعيد المستقبل؛ لأنه اي السلاح، له دور في الحد من تهور الخصوم عندما يتعرضون الى الخسارة؛ اوروبا قادرة بمفردها بعد تقوية جيوشها؛ كما اعلن الالمان والفرنسيون، عن ذلك مؤخرا؛ على رسم خط احمر سواء بالسلاح النووي اي بالتهديد باستخدامه، أو بالسلاح التقليدي الفتاك والمدمر بوجه الخصوم. ان هذا يحيلنا الى ان النزاعات في العالم؛ لا تكون على شكل محاور او على شكل محورين كما يظهر الوضع حاليا، بل( ربما..) ستكون بين القوى العظمى والكبرى على مناطق النفوذ، وعلى المغانم والمكاسب، حسب ما ستحصل عليه حين تصطف مع هذا الطرف او مع ذاك الطرف، او منفردة. هناك الكثيرون يعتقدون من امريكا لم تزل القوة العالمية الوحيدة والتي لا يدانيها اي قوة في العالم؛ هذا هو وهم الاوهام، امريكا تراجعت كثيرا ولم تعد هي القطب الواحد في العالم. مستقبلا وهذا المستقبل ليس بعيدا من الآن، بل اقرب ما يكون من الناحية الواقعية؛ ان الولايات المتحدة سوف تفقد الكثير من عناصر قوتها وقدرتها، وحتى شراكاتها وتحالفاتها في العالم في ظل الصراعات والنزاعات والتنافسات في الزمن القادم..
خامسا: النزاعات المقبلة تختلف كليا، عن الحرب الباردة في القرن المنصرم، التي كانت بين ايدولوجيتين متضادتين، بل هو صراع بين قوى عظمى رأسمالية بأيدولوجية واحدة؛ قائمة على نهب خيرات دول العالم الثالث، او كما يقال دول الجنوب. أن النزاعات والتنافسات العنيفة بين القوى العالمية العظمى ستشدد في المحيط الهاديء والهندي وشرق اسيا، وغرب اسيا، وجنوب شرق اسيا والشرق الاوسط، والمنطقة العربية وجوارها، والأخيرة؛ ستشهد تركيزا محوريا واساسيا عليها، ربما سيستمر لعقود مقبلة. السؤال هنا؛ هو كيف تستثمر دول المنطقة العربية هذه اللحظة التاريخية المفصلية لصالح الاوطان العربية وشعوبها؟ باستخدام ما هي تحوز عليه من موقع استراتيجي وثروات هائلة من نفط وغاز. من الصعوبة في الوقت الحاضر، الحصول على اجابة شافية، أو التنبؤ استقرائيا بها.. في ظل النظام الرسمي العربي الحالي( هناك البعض، ربما من الاستثناءات..)