ليس من المنطقي أن تتراوح تطلعات شعب يريد الإصلاح والتغيير وتحقيق أمنياته في الإعمار والسلم والتطوير ، بين مطرقة الجمود و الإجحاف وسندان التسويف والإستخفاف تحت – البطانية واللحاف – فمن يردد مقولة محمد الماغوط، ويتخذها له شعارا (ﻻشئ يربطني بهذه الارض سوى الحذاء ) يتساوى مع من إتخذ من مقولة جلال عامر ، وإن كانت صحيحة في كثير من جوانبها إﻻ أن التعميم ، تعتيم ( ﻻ تصدق العريس في فترة الخطوبة وﻻ المرشح في فترة الدعاية ) ، وﻻ أن تتذبذب أحلام هذا الشعب وآراؤه بين الخضوع والمحاباة وبين التطنيش واللامبالاة ، فمن يردد مقولة جورج بايرون ( أحب بلادي لكنني أكره مواطنيها ) يتساوى مع مردد مقولة ( الشعب يواكب اﻷحداث ولكن الزعيم اﻷوحد يسابقها ) ، المطلوب الكثير من الواقعية و الانتمائية الى اﻷرض والجمهور ، والقليل جدا من التبعية الى الهوى والعقل المبرمج المحجوب بسور !
لقد شخصت بناء على ما أسلفته خلال اﻷيام القليلة الماضية أن الشارع العراقي منقسم على نفسه الى أقسام عدة ويعاني إنشطارا أميبيا متسارعا في اﻷقوال واﻷفكار واﻷفعال المتناقضة في عصر انفلونزا الطيور وإنتخابات الحمائم والصقور – وإثنينهم طيارة – فمنهم غير مقتنع بالعملية الانتخابية ولا السياسية جملة وتفصيلا ومن اﻷساس كونها جاءت رغما عن إرادته على ظهور الدبابات الاميركية وإنبثقت من رحم الحصار الظالم الذي سبقها لمدة 13 عاما والذي أسفر عن مصرع مليون وربع المليون عراقي ، ومن ثم الاحتلال الغاشم الذي رافقها والفوضى العارمة التي أعقبتها والى يومنا هذا !
الصنف الثاني غير مقتنع بها لإعتقاده الجازم بأنها خديعة- جورج بوشية – وأكذوبة – بول بريمرية – يراد من خلالها إظهار العراق الراضع من أثداء” السوبر دكتاتورية” مذ نبوخذ نصر والحجاج بن يوسف الثقفي وحتى الساعة الى درجة أن السماء لو أمطرت حرية لرفع بعض العراقيين المظلات وألسنتهم تلهج بدعاء يضعونه بغير موضعه ” اللهم حوالينا ولا علينا ” ، على أنه ديمقراطي فيما الكل يعلم بأنه ليس ديمقراطيا ولم ولن يكون يوما كذلك ﻷعتبارات عدة وأن الوجوه المقرر فوزها وتسلطها على رقاب الشعب واﻷسماء المرشحة للجلوس على الكراسي في الدورة المقبلة هي عبارة عن مخلوقات يصدق في كل منها لقب – ميني دكتاتور – إنما تمثل في حقيقتها دولا عربية وإقليمية وأجنبية لرعاية مصالحها وأمنها القومي وإفساح المجال لشركاتها وكارتلاتها لخصخصة القطاع العام وإبتلاع القطاع الخاص وإحتساء نفطه حتى الثمالة ، وإستنشاق غازه الطبيعي والمصاحب كاﻷفيون والترياق ومن دون أدوات مساعدة فحسب مقابل نسبة معينة ومناصب محددة متفق عليها بين الاضطاد سلفا تمنح لهم وﻷحزابهم ولا شأن لها بالشعب العراقي وأن زعمت تمثيله انتخابيا ، بمعنى انها مسلفنة وجاهزة للطبع والاستنساخ ، سواء ذهب الناخبون الى صناديق الاقتراع أم قاطعوها ، على حد وصفهم !
الصنف الثالث مقتنع تماما بأنه يعيش تجرية ديمقراطية واعدة مثل بقية البشر في العالم المتحضر وان أصواتهم ستنقذ اﻷمة وتعلي من شأن الشريف وتنصر الضعيف وتفت في عضد السوقة من أصحاب الدين والعقل والضمير والشعور الوطني الخفيف ، وتنحيهم جانبا عن سدة المسؤولية في كل من المدينة والريف ، فتراه يفتي ويكتب ويؤلف وينظر ويتفلسف وينظم القصائد العمودية والشعبية في هذا الاتجاه صباح مساء !
اما الصنف الرابع فمقتنع بالعملية الانتخابية ﻷنه يطمح بتحقيق ما يصبو اليه من الثأر التأريخي – القومي أو المذهبي – الذي أرضعه صغيرا وكبيرا ضد خصومه التقليدين وكل من حكموا بلاده وتحكموا بأجداده مع إن من إنتخبهم طيلة 15 عاما تركوه وشأنه وسط المعاناة والمأساة والمخدرات والنزاعات والثارات والبرك اﻷسنة المليئة بالفلين والهياكل والبعوض والذباب والإطارات ، \ربما الشيء الوحيد الذي حققوه له على المستوى العام وكما قال ،النائب السابق عزة الشابندر ، أنهم زادوا رصيده من اللطم وأضيف ومن العلب المعدنية الفارغة ونحاس الخطوط المهملة الناقلة للكهرباء والتي مازال يجمعها في عربة يجرها حمار في القرن الحادي والعشرين أو ستوتة – مجرقعة – ليبيعها في سوقي الهرج و مريدي اضافة الى البسطيات والاكشاك التي يهددونه بإزالتها حفاظا على جمال العاصمة ومراكز المحافظات بين الفينة واﻷخرى غير آبهين به وﻻ بعياله !!
وهناك صنف خامس مقتنع بالعملية الانتخابية ﻷنه وأقاربه جزء منها لحصد المناصب و الإمتيازات وبمختلف الإتجاهات ، وصنف سادس يعيش خارج العراق في بحبوحة مادية ومعنوية ﻻتخفى على متابعيه مهمته التثقيفية ونضالاته الوطنية – الفيسبوكية والتويترية – على وفق تصوره القاصر المصاب بعمى اﻷلوان باتت تدور في فلك نشر صور الملوك والرؤساء العراقيين السابقين مع بعض الطبخات الشعبية واللوحات الفلوكلورية والمعزوفات واﻷمثال العراقية مشفوعة بـ ” ايباخ ..آآآآآه …أويلي ..اييييه ..اوووووف ..الله يرحمك يافلان … هسه وين قبل وين …لطالما رقصت على جيف اﻷسود كلاب ..وابوه لابو !!
الصنف السابع ﻻيجد حرجا في الشط بتهكماته و بعبارات قاسية نحو ” عمي ياعراق ، يا انتخابات ، يا شعب ، ياوطن ، يا حمورابي ، يابطيخ ، شوفوا الناس وين وصلت وانتم وين ؟ من أممممم مداكم – وأصلها “هم دهاكم ” !
وصنف ثامن طوباوي شعاره ” باكة فجل لاتحلين ، كسرة خبز لاتكسرين، اكلي لمن تشبعين” ولسان حاله ومقاله ” قاطع الانتخابات ، ﻻتشارك بالحكومات ، ﻻ تقحم نفسك بالتحالفات ، إياك والإحزاب والإئتلافات ، حذار من المؤتمرات والندوات والمهرجانات ، إترك الوظائف في الدوائر والمؤسسات ، ﻻتنتسب الى الجيش والشرطة وبقية القطعات ، وتفرغ ﻷصلاح أحوال الراعي والرعية وتنقية المجتمع من كل الموبقات – لك دطيررر- لعلمي بأنك تتحاور معهم وتتوسط عندهم وتتوسل بهم وتلتقي بممثيلهم من خلف الكواليس وأمامها ، خارج البلاد وداخلها تمهيدا للعفو عنك والعووووودة ..اذ ان أهم شيءعندك اﻵن هو العووودة ولو ببيع فرارات وخبز يابس وصودة بحضرة الباشا صندوق الاقتراع !!”.
المطلوب اليوم ليس التجاهل وان أضر بالصحة بقدر التغافل الحذر عن الجزئيات ﻻ الكليات المصحوب بالترقب الدائم استعدادا للطوارئ أو كما قال الشاعر في وصف الذئب :
يَنَامُ بِإحْدَى مُقْلَتَيهِ وَيَتَّقِي … بِأُخْرَى الأَعَادِي فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ
والمطلوب في هذه المرحلة الحرجة ايضا ليس اعجاب كل ذي رأي برأيه والتعصب له بل الانفتاح على بقية اﻵراء الحسنة لعله يقتبس من نورها مايبصره ويوعيه ، وإياك وصحبة السفهاء والطائفيين واللاوطنيين من أصحاب المصالح واﻷهواء خشية أن يلوثونك والى اعادة أنتخاب وتدوير الفاسدين من دون المصلحين يدفعونك وكما قال الشاعر :
ولا تجلِس إلى أهل الدنايا …فإن خلائِقَ السُّفهاء تُعدِي
اودعناكم اغاتي