18 ديسمبر، 2024 4:43 م

صراع الفصائل… الصدر يشعل فتيلها

صراع الفصائل… الصدر يشعل فتيلها

افضل ما عثرت عليه خلال محاولة ايجاد وصف مناسب لما نعيشه منذ الانتخابات البرلمانية وحتى اليوم، حكمة  اختصرت جميع الافكار بكلمات تقول “في عصرنا لا يوجد شي اسمه بعيدا عن السياسة كل القضايا هي قضايا سياسية”، وهذا ماحصل فعلا حينما بدأت القوى السياسية المشاركة في “كوميديا الانتخابات” الحديث عن شروط المشاركة في الحكومة المقبلة من خلال التصعيد بالخطاب واستهداف “المشاريع الخاصة” بالخصوم، في محاولة لا يمكن وصفه بغير الاستفزازية لاغراض سياسية.
فالمتابع جيدا للمؤتمر الاخير لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر يدرك بما لا يقبل الشك أن ما قدم خلال المؤتمر كان رسالة واضحة للقوى السياسية في الاطار التنسيقي الشيعي للجلوس مع السيد الصدر والتفاهم على النقاط التي يريدها، فزعيم التيار لا يريد التخلي عن دور القائد واعتباره زعيم القوم وخاصة بعد حصد تياره اعلى الاصوات في الانتخابات، فعمل على رفع سقف خطابه من اجل دفع زعامات الاطار لطلب الاجتماع للتفاهم بشكل مباشر وليس من خلال اللجان، ولم يجد فرصة مناسبة غير استفزازهم، من خلال استخدام ورقة حل الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها للقائد العام للقوات المسلحة على الرغم من يقينه المطلق، بصعوبة تحقيق ذلك، لاسباب عدة ابرزها، ان هذا المطلب ليس الاول من نوعه فالسيد الصدر وجه في العام 2018، دعوة لجميع الفصائل لتسليم سلاحها للحكومة، لكنها فشلت ولم تحقق غايتها.
صحيح ان زعيم التيار الصدري غادر المؤتمر الصحفي مبتسما بعد تهربه من الاجابة عن تساؤل بشأن شكل رئيس الوزراء القادم وهل سيكون “صدريا قحا”، لكنه لم يتوقع ان تطلق الفصائل المسلحة والعديد من “الطامحين” بدولة مدنية يكون فيها السلاح بيد الدولة فقط، حملة كبيرة تطالبه بان يكون اول من ينفذ تلك الشروط حينما دعته لحل (لواء اليوم الموعد)  وهو “فصيل مسلح تابع للتيار الصدري” استمر الى جانب بقية الفصائل بمقاتلة القوات الامريكية بعد تجميد جيش المهدي، الذي طالبت تلك الجهات ايضا باتخاذ قرار حله، باعتباره “مجمد” وهذا باعتراف السيد الصدر حينما اخبرنا بلقاء على احدى فضائياتنا بان “جيش المهدي مجمد وبشخاطة يموع”، ليجد نفسه محرجا بين خيارين لا ثالث لهما، اما البدء بفصائله او التراجع عن تلك الشروط، فاختار اعلان حل لواء اليوم الموعود، في خطوة اطلق عليها مبادرة حسن نية.
لكن.. تلك المبادرة جاءت “بحيلة مكشوفة” حينما حدد “سرايا السلام” كجهة مخولة باستلام سلاح اللواء، وهذا يعد تراجعا واضحا عن شرط تسليمه للقائد العام للقوات المسلحة، إضافة إلى معرفة الجميع بان السرايا مسجلة بهيئة الحشد الشعبي لاستلام الرواتب فقط، وقراراتها تاخذها من السيد الصدر الذي ترتبط به بشكل مباشر عن طريق المعاونية الجهادية التي تحولت إلى لجنة باعضاء جدد بعد الغاء تسمية المعاونية، والدليل على ذلك  قرار تجميد السرايا في محافظتي بابل وديالى وغلق مكاتبها بجميع المحافظات باستثناء بغداد وصلاح الدين والنجف وكربلاء، الذي صدر خلال شهر تشرين الاول، كان بامر من السيد الصدر وليس رئاسة هيئة الحشد.
ولعل افضل رد يتناسب مع سياسة السيد الصدر كان من مستشار كتائب حزب الله ابو علي العسكري، على الرغم من دوره السابق في التحريض على شباب تشرين والتورط بدماء شهداء الاحتجاجات، لكن موقفه باعلان حل “سرايا الدفاع الشعبي”، وان كانت النوايا معروفة، لكنه وضع السيد الصدر امام الامر الواقع، حينما تمسك بضرورة حل سرايا السلام وقوات البيشمركة التي تتصرف خارج مفهوم الدولة وقرارات القائد العام، وهو امر يوسع دائرة الحرج التي وضع السيد الصدر نفسه فيها، وخاصة بعد تزامن موقفه مع تصريحات وزير الدفاع الامريكي الجنرال اوستن، التي بشرنا خلالها بانه “لا يوجد انسحاب امريكي من العراق”، لتساهم باسقاط رمزية الصدر “كسيد للمقاومة” كما اعتاد على وصف نفسه باكثر من مناسبة، فهل يعقل ان يطالب “سيد المقاومة” بنزع سلاح المقاومة التي يتفاخر بها؟.
الخلاصة:… أن النظرية التي تتحدث بان زعيم التيار الصدري الوحيد القادر على “ترويض” الفصائل المسلحة اثبتت فشلها، واصبحت مجرد عبارات لا تستحق الذكر، لان السيد الصدر يدرك حجم خسارته في حال المواجهة مع اصحاب السلاح، ولهذا فانه سيختار الاحتفاظ بالاقل وعدم خسارة الكل،… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه…….. هل سيلغي السيد الصدر شرط حل الفصائل، للاحتفاظ برأس سرايا السلام قبل الوصول للمواجهة مع الفصائل بعد اشعال فتيلها؟..