التاريخ لم ينسى شيئا والحوادث كثيرة ، ولكن ما كان أبلغها هي مسيرة مسلم ابن عقيل (ع) من مكه الى الكوفة على اثر الرسائل التي أرسلت من أهل العراق تطلب من الحسين (ع) القدوم وتخليص القوم من ظلم الطخمه الامويه الفاسدة ، وبعدها ما جرى على حرائر أهل بيت النبوة من سبي وقتل وتشريد وجوع من العراق الى الشام ، وهم مكبلين بالحديد .
اليوم الموقف نفسه يتكرر ولكن هذه المرة صراع الحكم والحاكم مع المرجعية الدينية ، ولكن هذه المرة الأساليب اختلفت ، وهو أسلوب التسقيط والنيل منها بأبشع الأساليب التي تعبر عن سقوط قائلها وضحالة تصريحه من على شاشات الباطل والنفاق والكذب ، وربما القارى يجدها أسوء من قتلهم وتعذيبهم، لان المرجعية الدينية مستندة في وجودها من توفيق الله والإمام المعصوم (عج) ، والتفاف الجماهير حول هذه المرجعية ، والتي تكون هي الدرع الذي يقي ضربات أعداء الدين والمرجعية .
الانتخابات البرلمانية الاخيرة كشفت أمرا خطيرا جدا ، وهي البعد الكبير عن المرجعية ، وهذا ليس تقصيرا من المرجعية الدينيه بقدر ما هو بعد المجتمع عنهم ، كما ان الولاءات الدينية من من متمرجعين ، ومحاولة استيراد مراجع من الخارج هي الاخرى ألقت بضلالها على الوضع السياسي ، كما ان البعض من المجتمع للأسف بدا يقرا الموقف بصورة مقلوبة ، ناهيك عن المصالح الحزبية والفئوية الضيقة التي جعلتنا نترك خلاصنا لنختار الدنيا .
ما يميز هذه الانتخابات هو دخول المرجعية الدينية على الخط ، ومنذ الشهور الثلاث الأخيرة كانت واضحة الموقف في ضرورة التغيير ، والسعي الى تغيير الشخوص واستبدالها بوجوه تجلب الخير للعراق وشعبه حتى وصل الحال الى ابلغ من ذلك عندما قالت “الوجوه ” ، عبر منبر الجمعة في الصحن الحسيني المقدس ، او عبر بياناتها او وكلائها في عموم البلاد .
بيان سماحه المرجع الديني الشيخ بشير النجفي (دام ظله) كان معبراً بصورة لا تقبل التأويل عن موقف مراجع الدين جميعا ، لان اي موقف يصدر عن مرجع ديني جامع للشرائط في مسالة تهم المصلحة العليا للدين والناس ، هي حجة ودليل على باقي المقلدين بدون استثناء ،
لهذا هذا التصريح بحرمه انتخاب المالكي وحزبه ، كانت محطة اختبار مهمة لاتباع أهل البيت (ع) في العراق ، والذي للأسف لم يكونوا على قدر كافي من الوعي في الالتزام بتوجيهات المرجعية الدينية التي كانت وما زالت الحامية للمشروع الوطني في العراق ، والمواقف كثيرة في هذا المجال .
لهذا سقط الشعب العراقي في اول اختبار لهم في الوقوف بوجه الحاكم المستاثر بالسلطة ، كما انه كشف ان الناس وجهت انتقدا خطيرا للمرجعية الدينيه من خلال رفض تدخلها في السياسة ، الامر الذي اعتبره البعض هو محاولة فصل الدين عن السياسة ، ناهيك من الكسب الغير مشروع من الهبات والعطايا للمرشحين والذين استطاعوا من شراء ذمم الناس بهذ الطريقة والتي أصبحت هي الطبيعية ، كما ان السياسي العراقي اكتشف ان العراق يمكن ان يغير توجهاته خلال لحظة واحدة لا اكثر ،اذا ما اشتري بالمال والترغيب مرة والترهيب مرة اخرى .
من هنا انطلق لأقول ان المرجعية الدينية العليا هي سند الدين وأهله ، ومهما حاول السلاطين ووعاظهم من تمييع دورها ، وأبعاد الجمهور عنها فلن يستطيعوا شيئا ،لان هناك سلسلة مرتبطة مع بعضها البعض بقوة لا يمكن لأي مؤثر دنيوي ان يكسر هذه السلسلة الإلهية .
كما ان طريق الحق والباطل معلوم ، فالمشكلة لا تكمن بالحق والباطل فكلاهما واضحان ولا يحتاج كلا منهما الى التوضيح ، ولكن المشكلة تكمن في من يسير في طريق الحق ، وطريق الباطل ،ان يعلم اي طريق يسلك !?
يبقى علينا ان نعي تماماً ان صراع الخير والشر باق ببقاء الخليقة ، ومهما اشتد الباطل والظالم بظلمه فلا بد ان يكون هناك فجرا مضيء ، ويصيح الحق أني انتصرت .