يوم 8 مايس 2013 انفجرت في طوزخورماتو عبوة ناسفة، تحديدا في نهاية قيصرية قلندر شهباز بالسوق الكبير، مستهدفة مقهى شعبيا (المقهى الديكي) والمخصص لصراع الديكة، ومخلفة العشرات من الجرحى أغلبهم من هواة الديكة وباقي رواد المقهى.
تستوقفني بعض المواقف التي رافقت هذا الحادث الاجرامي والتي لاتختلف مضمونا عما يجري في العراق من سياسة المخادعة واللامبالاة التي تمارس من قبل بعض القياديين في الدولة ممن لا يأبهون للمصائب التي تنزل على ابناء شعبهم وهم مشغولون بسرقة ثروات العراق وتدميره منفذين بذلك وبشكل اعمى أجندات خارجية باتت تنخر في الجسد العراقي حتى لم يبقى فيه موضع لم ينزف، غير ابهين بالمرة بحال المواطن وآخر ما قد يفكرون به هي السيادة الوطنية. وهذا ما انعكس سلبا على الوضع العام في البلاد التي اصبح الصراع فيها على السلطة والنفوذ مثل صراع الديكة، في الوقت الذي تزداد فيه اطماع الدول الأقليمية والعالمية بثروات العراق وتزداد مخططاتهم من أجل جر الشعب العراقي الى هاوية الحرب الطائفية والصراعات الاثنية.
مقهى صغير اتخذه اصحاب الديكة مركزا لهم لمنازلة الديكة، اختير الموقع الجديد داخل المدينة، وعلى الرغم من اهمية المنطقة الا انها خلت من كاميرات المراقبة او الحراس المدججين بالاسلحة لحماية اصحاب الديكة او المقامرين، ولم تكن هناك حواجز كونكريتية لمنع تسلل الارهاب الى داخلها، عكس الديكة الأخرى التي تلبس القاط والرباط والتي لا نشاهدها إلا على شاشات التلفاز. لقد تم نقل مركز صراع الديكة من موقعه القديم بستان (عرب افندي باغي) قرب الحمام نتيجة تدهور الوضع الامني هناك كونها منطقة مفتوحة، وخوفا على حياة (الديكة) من الهجمات الارهابية.
الديك المسكين بطبيعة الحال عبد مطيع اذ يتولى سيده مسؤولية تربيته حتى يصبح مطيعا طاعة عمياء ويكون مستعدا للنزال امام أي خصم متى واين ما اراد سيده، فالديك يجهل الهدف الحقيقي من المصارعة، فهو يعرف شيئا واحدا فقط وهو أن اطاعة اوامر أميره او شيخه يجلب له الثناء وصحن العلف ولكي يحصل على المزيد عليه ان يكون اكثر ضراوة وشراسة في النزال لايقاع المزيد من الاذى بالخصم الذي هو بطبيعة الحال من بني جلدته دون اية رحمة.
للديكة إنتماءات وأصول متعددة قسم منها ايرانية واخرى عربية وبعضها الاخر تركية او باكستانية….، ترى منهم من جئ به من محافظات العراق المختلفة، او من وراء الحدود، هذا الامر لانعرفه نحن بل الذي يعرف تاريخ الديكة وانتمائاتها هم أمرائها من الذين يعتاشون على تلك الصراعات الدموية، اما الديك فما عليه الا تنفيذ اوامر أميره او رئيسه محاولا القتال بكل ما أوتي من قوة.
فضلا عن الديكة واصحابها هناك طرف ثالث يعد من الحلقات المهمة في المنازلة، وهو الجمهور الثري، حيث يحضر الكثير منهم للمراهنة على من ينتصر في المنازلة وفق قواعد وتكهنات وحسابات وايديلوجيات غير واضحة لنا، الأمر الوحيد الذي يبدو واضحا لنا هو أن الديك المسكين الذي يعدونه منتصرا هو في الحقيقة مضرج بالدماء حاله حال الديك المغلوب ولا يوجد أي طعم للنصر بين منقاريه. الهم الأول والأخير لهؤلاء المراهنين هو كسب المال، وليس لديهم أي إعتبار ان مات الديك او بقي حيا، او ان سالت الدماء من رأسه وباقي جسده حتى أغمي عليه. فصراع الديكة ليست فيها قوانين واضحة بإستثناء قانون واحد وهو عدم احقية الدجاج بالمشاركة في تلك الصراعات حتى ولو بصفة مراقب.
بعد الانفجار الذي استهدف مقهى الديكة في طوزخورماتو تم نقل الجرحى الى المستشفى الجمهوري ، وبدأت جموع الناس بالتوافد فضلا عن الشرطة والاسعاف الى موقع الانفجار مع غياب الاطفائية التي تساهم في تنظيف الشوارع بعد كل انفجار، فرغت المنطقة من روادها بعد الانفجار فبعضهم اخذ الى المستشفى للعلاج والبعض الاخر فقد الوعي نتيجة قوة الانفجار وتاه في الدخان المنبعث من المنطقة المستهدفة، والغريب ان الجميع نسوا من كان سببا في إجتماعهم في المقهى تلك الساعة (الديكة المسكينة).
في المستشفى حيث بدء الصياح والعويل والشعارات المناوئة للديكة ومقهاها تتعالى من النسوة وتقابلها شعارات مضادة لها من الجهة الاخرى، كانت احدى الامهات تبكي وتصيح (خوروز شيره، خوروز جايخاناسي شيرة، خوروز دوكوشتورنلر شيرة) ومعناها بالعربية ( اللعنة على الديكة، اللعنة على جايخانة الديكة، اللعنة على من يصارعون الديكة) قابلها شاب جاء لاسعاف اخيه المصاب (جامعلار شيره، ملالار شيرة، حزبلر شيرة، نائب لر شيره، ارهاب شيره) وتعني (اللعنة على الجوامع، اللعنة على الملالي، اللعنة على الأحزاب، اللعنة على النواب، اللعنة على الارهاب)، افرزت هذه الشعارات نوع من الجدال بين الطرفين يسوده طابع التساؤل، فراحت تلك الأم تقول: (انا اقول اللعنة على الديكة ، اللعنة على مقهى الديكة.. كونها منطقة فاسدة واصبحت ملاذا للقمار ولهذا السبب تم استهداف المقهى). فرد عليها احد الشباب متشنجا واثار الصدمة مرسومة في وجهه بسب الانفجار: ( ولماذا تستهدف الجوامع والحسينيات، لأن فيها فساد اليس كذلك؟ … اي ديك… اي جايخانة… اي فساد؟ هذا هو الارهاب لادين له).
انهى الشاب صياحه وترك المستشفى غاضبا وهو يردد ،( دولت شيرة) أي (اللعنة على الدولة).
بعد تحويل الجرحى الى مستشفيات كركوك خفت أعداد الناس في شعبة الطوارئ في مستشفى طوزخورماتو والتي كانت مكتضة بالمواطنين ممن جاءوا ليسعفوا اخوانهم وأصدقائهم، وبعدها ساد الهدوء وتفرق الناس، هواة الديكة وأصحابها توجهوا الى منطقة الانفجار ليستطلعوا على اثار الهجمة الجبانة واحصاء الخسائر المادية، وعقدوا اجتماع طارئ لإعادة النظر في الخطة الامنية من أجل صد مثل تلك الهجمات مستقبلا، يبدوا أن الديكة محظوظة أكثر من المواطن العراقي فهناك من يهتم بها وبمستقبلها وأمن مناطقها!
بعد دخولهم الى مقهى انبهر الجميع بعدما شاهدوا منظرا غريبا، بعد كل هذه الماسي وجدوا ان النزال بين الديكة مازال مستمرا على الرغم من الإعياء الظاهر عليها حيث الدماء تسيل من رؤوسها ومناطق مختلفة من اجسادها.
هذه الحيوانات تحمل في جماجمها عقولا ممنوعة من الإستخدام، فقط من يمتلكها يتحكم فيها ويوظفها من اجل مصلحته الشخصية! اليست تصرفات البعض في بلدنا اشبه بتلك الديكة التي تقتل الآخرين وتقتل نفسها من أجل صحن من العلف! لقد أصبح حال الإنسان في العراق مأساويا الى درجة أنه بات يسمح للاخرين بإستئجار عقله ليستخدم مثل تلك الديكة في صراعات ليس له فيها ناقة ولا جمل! صدق من قال ( في الغرب، كل إنسان له عقل يفكر به، اما في اوطاننا فلكل إنسان شيخ يفكر بالنيابة عنه).