العمل السياسي في العراق، تحول لساحة من الصراع الطائفي والقومي والفئوي، وبذلك فسح هذا الأمر المجال، أمام المشاريع الطائفية والفئوية، لتكون في الواجهة، في مقابل تراجع للمشاريع الوطنية العراقية، كان هذا هو الواقع، خلال سنين خلت من الحياة السياسية العراقية الجديدة.
تتعدد الأسباب، وتختلف الآراء بشأن تفوق وتقبل الخطاب الطائفي، على حساب الخطاب الوطني، لكن يمكن أن نحدد بعض منها، والتي قد تكون هي العامل الأساس والمؤثر في هذه القضية.
الظلم الذي واجه الشيعة من منع شعائرهم، وإعدام العديد من علمائهم، والمقابر الجماعية التي كان اغلب ضحاياها من الشيعة، إضافة لتحييدهم عن صناعة القرار السياسي في النظام السابق، مع إنهم أغلبية سكان العراق، جعل من كثير من السياسيين الشيعة، يستغلون هذه التضحيات في الصراع الطائفي؛ لكسب الجمهور الشيعي.
أما الكرد، فهم مازالوا يحلمون ويتطلعون، لدولتهم القومية المنشودة، وهذا حقهم الطبيعي حالهم حال الشعب العربي، أو التركي أو الفارسي المحيطون بهم، أو بقية شعوب العالم، فهم لهم لغتهم وكيانهم وأرضهم وتأريخهم، هذه الحقائق المنطقية، جعلت من بعض سياسيهم يلعبون، على وتر القومية من أجل مصالحهم الحزبية، وهذا ما يعمل عليه الحزب الديمقراطي بصورة كبيرة.
الموقف السني يبدو أنه الأشد تعنتاً وتعصباً، خلال المرحلة الماضية التي تلت التغيير، وهنا وعلى خلاف الشيعة و الكرد، فأن الأسباب تتعدد وتختلف وتتشعب، فالتأثير في الموقف السياسي السني، يأتي من الداخل والخارج على حد سواء، فالدعم العربي وخاصة الخليجي، كان موجهاً لبعض ساسة هذا المكون؛ في سبيل إفشال التجربة الديمقراطية العراقية الجديدة، التي تمثل خطراً على الكيان الدكتاتوري والتسلطي لتلك الدول.
أما التأثير الداخلي، فهو عدم سيطرة الحكومة، على محافظات هذا المكون بشكل كلي، وسيطرة الإرهاب لفترات على هذه المناطق، وعدم وجود قيادة سياسية أو دينية عراقية موحدة لهذا المكون، هذه الأسباب كلها وغيرها، ساهمت في ابتعاد قادتهم السياسيين، عن الخطاب الوطني، وتبني اغلبهم للخطاب الطائفي.
في ظل هذه المواقف المختلفة، من مختلف المكونات كان الخطاب الطائفي، هو صاحب الحظ الأوفر في القبول، لأنه خطاب يعتمد على العاطفة والمشاعر، ولايعتمد على برامج العمل الحكومي، ولا على مبادئ وأهداف القوى السياسية الوطنية، وبذلك اختصر العنصر الطائفي الطريق، على من يريد الوصول للسلطة والحكم، وجعل من المهاترات الطائفية والمشاحنات القومية وسيلة للوصول للسلطة.
هذا الوضع العام جعل من أصحاب المبادئ، والثوابت الوطنية في مواقف لايحسدون عليها، لأن التيار العام في البلاد، كان هو العزف على وتر المذهبية والقومية، ومن يقف بوجه هذا التيار، عليه أن يتحمل مضاعفات موقفه هذا، لان هذا التيار يمكن أن يعصف به في مهب الريح.
بسبب الخطاب الوطني لبعض القوى، خلال المرحلة السابقة، فقد فقدت كثير من هذه القوى تأثيرها وتوهجها، فسرعان ما اختفى بعض النواب السنة المعتدلون من الساحة السياسية؛ لأنهم لم يخاطبوا مكونهم بخطاب طائفي، وكذلك نرى توهج حزب بارزاني، لأنه اتخذ القومية سلاحاً لبقاء قوة حزبه وسلطته، في ظل تراجع لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يبدو أنه أقل منه عنصرية وأكثر انفتاحاً.
موقف المجلس الأعلى الإسلامي، خلال الأعوام الماضية من العملية السياسية، كان أكثر اعتدالاً من بين مواقف القوى الشيعية الأخرى، وعلى خلاف الآخرين الذين تبنوا الخطاب الطائفي، وقد حققوا مآربهم في الوصول للسلطة، فإن هذا التيار قد بقي متمسكا بمبادئه الوطنية، ومتبنياً لطريق الاعتدال والوحدة في هذا الوطن، والمبادرات من أمثال انبارنا الصامدة، والطاولة المستديرة، والتسوية السياسية تبين ذلك.
اليوم نرى بداية لعودة خطاب الاعتدال والوطنية من جديد، ويتمثل هذا في عودة التحالف الوطني إلى وحدته، وتبنيه من خلال زعيمه السيد عمار الحكيم لهذا النهج الوطني، وطرح التحالف لمبادرة التسوية السياسية، التي يمكن أن تكون قاعدة مشتركة لتوافق القوى السياسية عليها، للسير نحو الوحدة الوطنية، وذلك تزامننا مع انتصارات المقاتلين في الموصل، وقرب إعلان النصر الكامل على “داعش”، هذه التسوية يمكن لها، أن تحفظ انتصارات العراقيين وتضحياتهم، وتغلق الأبواب، بوجه كل دعاة التطرف والتقسيم والطائفية.