17 نوفمبر، 2024 2:26 م
Search
Close this search box.

صراع الانسان مع ذاته ومحيطه الاجتماعي

صراع الانسان مع ذاته ومحيطه الاجتماعي

الشعور الإنساني الدخيل .. جملة بسيطة متكونة من ثلاث كلمات مبنية للمجهول، يستخدمها الانسان في مناسبات عدة قد تكون مختلفة كليا بعضها عن البعض الاخر، لكنها ترتبط بذات الجهة ألا وهي العقل الباطن للشخص واحيانا روحه او قلبه ، فتنتج عن ذلك الشعور احاسيس او تصرفات مغايرة احيانا لما يخطط له الشخص المعني او يتحلى به من صفات.
المقدمة المذكورة تقودنا الى تساؤلات تثار هنا او هناك ليس بمجتمع معين انما بشكل عام ، تتعلق بماهية هذا الشعور ودوافعه الانسانية والاسباب التي ادت الى نشوئه من الاساس.
فهل يمثل هذا الاحساس دواخل الانسان؟، ام انه نزعة ضمير؟، ام طاقات سايكولوجية مرتبطة بتداعيات محيط ذلك الانسان؟، واذا ما تحدثنا عن الشعور العاطفي فهل هو نزوة ام شهوة ام اعجاب او ترابط روحاني؟.. قد يكون ليس ذلك كله انما شيء ما يولد من العدم من خلف الورائيات فيقتحم الانسان ثم يسيطر عليه بأوجه متعددة ذات اشكال مختلفة، تتوحد في فكرة محورية واحدة وهي سيطرة شيء خارجي على مخيلة وتفكير انسان لم يفكر بها قط قبل عملية الاقتحام المفاجئة، التي دفعت به الى اتخاذ قرارات ومواقف مغايرة لخطط كانت مرسومة لحياته من عقله الظاهر قبل ان يؤسر بأفكار جديدة سيطرت على عقله الباطن، ثم على مستوى السلوك العام، ثم اقتادته الى القيام بما تمليه تلك المشاعر الجديدة، حتى يصل احيانا الى مرحلة لا يعرف الانسان نفسه سبب ما يدور حوله ولماذا وصلت الامور الى ما وصلت اليه.
ما تقدم يستدعينا ان نقف لحظة لنتأمل ما يدور حولنا ومن هو صاحب القرار الفعلي لكل سلوكياتنا وقراراتنا وتصرفاتنا؟، وكيف يمكن السيطرة على الموقف؟، معززين الجوانب الايجابية في المتغيرات، ومحاولين في الوقت ذاته تقليل ما يمكن من اثر السلبيات التي قد ترافقها.
وبعد الخوض طويلا بتجارب، بعضها مررنا بها واخرى مر بها اخرون، نرى ان ثمة لحظة جادة علينا جميعا التوقف عندها، وهي لحظة (الحقيقة)، فهذه اللحظة ربما ستكون منعطفا مهما يحدد مسار الانسان، اما بالاتجاه الصحيح المستقيم المستقر، او بالاتجاه الخاطئ المنحرف المتذبذب، خصوصا ان هذا الاخير قد يكون مقدمة لانهيار سايكولوجي خطير في البنية النفسية للانسان.
كيف لنا ان نواجه تلك الحقيقة ونستسلم لها ونقود انفسنا اليها من دون تردد او تأثير مغناطيسي كهربائي للشعور الذي تملكنا لوهلة من الزمان؟، هنا يرى البعض ان ذلك ربما يكون صعبا، بينما يرى اخرون ان تقوية الارادة قد تدفع بنا الى الامام نحو الهدف المنشود المتمثل بتحديد الخيار الامثل، سواء ذلك الذي جاء ضمن سياق التخطيط المسبق، او ضمن الهام المشاعر الجديدة، وبين الرأيين تتجسد ماهية الانسان وقدراته التي الهمها له الله جل وعلا، فنحن مخيّرون ولسنا مسيّرين، فأما ان تكون حرا او عبدا، هكذا تعلم الانسان من رسالات ربه او بحوثه الاجتماعية التي اخرجت نتائج ومعطيات ربما تكون بالآلاف.
ما نود قوله او ايصاله للقارئ الكريم ان لحظة الحقيقة قد تختصر للانسان سنوات كثيرة ربما يضيعها في عالم افتراضي غير حقيقي يوحي الينا مواضيعا او قصصا لا تمس الواقع او تنسجم معه مهما تعلقنا بتفاصيلها المتشعبة، فالصراع هو ذات الصراع مع الخارج والداخل، ولعل بناء الانسان من الداخل اكثر خطورة احيانا من بناء المجتمعات ككل، فكما نقاتل محيطنا للبقاء، علينا مقاتلة دواخلنا لتحقيق الافضل في تلك الحياة، وهو ما يصبو اليه الانسان والإله تباركت قدرته.
ان الصراع بين الانسان الواعي وفكرة اللا وعي الداخلة عليه قد يتأثر بمعطيات غير التي ذكرناها سلفا، تتعلق بالعوامل الخارجية للانسان، اي بمحيطه الانساني ودرجة تأثره بهذا المحيط، وبالاخص ما يثير اهتمامه او اعجابه في هذا المحيط، حيث اثبتت الدراسات النفسية ان الاعجاب الشديد بشخصية ما كأن يكون رجلا او امرأة يلهم الشخص المعجب تصرفات غير ذاتية مبنية على موجات ايجابية نقلت اليه اكتسب خلالها بعضا من خصائص الشخص الملهم، وبالتالي سيخلق ذلك افكارا واحاسيس جديدة ربما سيشعر بها الفرد لاحقا على اشكال مختلفة قد تكون هيجانا في العاطفة او تقمصا لشخصية او افكارا ايديولوجية تسبب خللا ما في التركيبة السايكولوجية للانسان، وهذا النوع من التأثير الخارجي يمكن التغلب عليه ايضا من خلال جملة من الاجراءات التحصينية التي يمكن للجميع القيام بها اذا ما ارادوا تأمين انفسهم من الغزو النفسي. ولأجل ان تكون الفكرة واضحة نوجز هذا الحل بكلمة لها مدلولات كتب ومؤلفات هذه الكلمة هي (الثقة) بالنفس، قد يتساءل هنا القارئ وهل هي متاحة للجميع؟، واذا كانت متاحة لم اضطررنا لمواجهة كل هذه الاشكاليات؟، هنا نعود لنبين حقيقة مهمة، وهي ان الثقة بالنفس لا تأتي عبر نطق اللسان، انما عبر تمرين حياتي مستمر لسنين شأنه شأن البنيان الجسماني او الصحي السليم، فالثقة لا تأتي فجأة انما عبر صيغة تراكمية تربوية تثقيفية تساهم فيها الأسرة قبل الفرد ثم المدرسة والمجتمع وصولا الى الحالة النهائية لشخصية الانسان، فتبدأ منذ الصغر من خلال تعزيز الايمان لدى الطفل بقدرته على تجاوز اية مشكلة، ثم تعزيز هذا الايمان بقدرته على مواجهة التحديات في ما بعد، حتى وصوله الى درجة اليقين بتلك القدرات في صباه، فيكون محصنا عندها من تأثير الطاقات الدخيلة سواء كانت تلك الطاقات داخلية كما اسلفنا في مقدمة حديثنا او خارجية كما اشرنا مؤخرا.
الحديث عن هذا الشعور يرى مختصون انه يستحق ربما الكتابة ضمن مؤلفات وليس كتبا فحسب، إلا ان دورنا يتمثل باختزال الوقت والجهد لتسهيل ايصال فكرة ربما لم يسعف الوقت البعض للتوقف عندها نتيجة انشغاله بمسؤوليات الحياة وهموم الدنيا، وهنا نرى اننا قد نكون وفقنا في ايصال ما يمكن حتى لو بشكل مختصر لتفادي ضرر كبير على الانسان، لا نبالغ اذا ما قلنا ان غالبية الناس اذا لم يكونوا بالمجمل قد عانوه او سيعانون وان مواجهته ممكنة، غير انها مغيبة نتيجة لقلة الاهتمام بتلك المعالجات التي لا تقل اهمية عن المعالجات الطبية لمواجهة اي مرض عضوي يخاف منه الجميع، بينما نسوا ان هناك مرضا اكثر فتكا وايلاما عليهم مواجهته في دنياهم.

أحدث المقالات