* رمضان الافراح، رمضان الاتراح
* مئة وعشرة شهداء وموكب الاستشهاد في ازدياد
* ويطعمون (الشظايا) على حبه مسكينا ويتيما واسيرا
كتبت الروائية الفيلسوفة الفرنسية ذات مرة تقول (اذا اعتبرتم انسانا واحدا مجرد قشة او نفاية فان ذلك يعني ان جمهرة من الناس لا تعني سوى كومة من القمامة).
ولكن كيف يفهم الرعاع وكيف يفهم من يمولهم ويمدهم بالسلاح بان حياة انسان واحد ان ذهبت فهي خسارة كبرى لوطن باكمله ويتساوى في ذلك الالف مع الواحد خلافا لمنطق الرياضيات..؟
مئة وعشرة شهيدا اما الجرحى فقد تجاوز مائتين وثلاثين جريحا وبعضهم سيلحق بموكب الشهداء.
هكذا صار معنى الكفاح اقتل ثم اقتل ولتمت انت مع الذين قتلت اما الكاسب الوحيد فهم الذين يحرضون سواء كانوا افرادا او احزابا او دولا تريد ان يكون لها شأن بين الدول ومكانة في العالم بالجرائم البشعة وليس بالازدهار، ولا بالبناء، ولا بالتحضر، ولا بالمعرفة، ولا بالزرع، ولا بالضرع، ولا بالصناعة، ولا بالثقافة الحرة، ولا بالحرية، ولا بالديمقراطية وانما بازهاق اكبر عدد من ارواح البشر وان تكررت الجريمة فهذا عندها دليل القوة ومبعث الافتخار… ولكنهم ليتهم يعلمون ان جنان الله موصدة بوجه المجرمين وان الجحيم في العالم الاخر فاغر فاه وكل ما اطعمته منهم قال هل من مزيد… اما في الدنيا فكل مكسبا من خلال الجريمة زائل لا محال ومحال ان يفخر به احد لانه سيظل قرين الخزي والعار.
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”.( البقرة /185).
انه الشهر المبارك الذي نزل في العشر الاواخر منه دستور المسلمين بل دستور الانسانية كلها، تحريما لما فيه الضرر، وتحليلاً لما فيه النفع… وتطهيراً للجسد، وتجديداً للروح، وتعزيزاً للايمان الذي قد يكون نال منه الضعف بسبب تعقيدات الحياة واغراءاتها والنفس الامارة بالسوء.
شهر رمضان فيه امتحان اولي او بسيط لرغبة الانسان في الطاعة وقدرته على تحمل اعبائها ولو كانت يسيرة بالامتناع عن المأكل والمشرب بضعة ساعات لا غير يكتشف فيها انه ليس مجرد بهيمة تاكل وتاكل وتجتر ما تاكل…
وانا هنا لن اتحدث عن الفوائد الصحية فلقد تحدث عنها علماء واطباء عبر كل وسيلة اعلامية مباركين الصوم لكي يرتاح الجسد وينفض كثيراً مما علق بلحمه او طاف في دمه من ادران…
ورمضان هو شهر الفرح عند جميع المسلمين…
وهو شهر التخلي عن الحقد…
وهو شهر الابتعاد عن (ألانا) الى (نحن)…
وهو الشهر الذي يعطي لكل لقمة لذتها بعد الجوع… واذكر ان جمهرة غفيرة من فقراء الناس يفطر على الماء، ورغيف الخبز، او قبضة من الفجل او بضعة حبات من التمر او رقية توضع مبكراً قرب جرار الماء لتكتسب شيئا من البرودة…
اضافة لذلك كله فان رمضان اختبار للقدرة على الصبر بدافع الايمان… الصبر على الجوع او الصبر على العطش والصبر على احتمال الاذى…
وبعد هذه السطور اردت ان استحضر النص القراني الذي اعلى الله سبحانه مرتبة اولئك الذين ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) (الانسان /8-11).
اذن اطعام المسكين… واطعام اليتيم… واطعام اولئك الذين نحسبهم اغنياء من التعفف، هو اجر محمود العواقب عند الله، والاجر اوفى عند الذين يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة…
ولقد عنونا هذه السطور برمضان الافراح فهو حقا شهر الفرح في احلى صوره وغاية مراميه… حيث يميل الانسان عن نفسه وان يهب منها لغيره، وان يتساوى الناس في صيامهم وقيامهم.
ولكن اولئك الذين يدعون الدين ونصبوا انفسهم ائمته بسبب خلافات مالية حول انابيب النفط القادمة من الدول الجديدة جنوب الاتحاد السوفيتي السابق حتى بحر العرب ليمتهنوا قتل المسلمين في كل حدب وصوب تحت يافطة محاربة الاستعمار والصليبية اولئك الذين جعلوا الشهر الكريم واعياد المسلمين تعاسة وبكاء على الاحبة واطاحوا برؤوس عشرات المواطنين وجعلوا اجسادهم شظايا هذا ما لديهم للمساكين ارواءاً لعطشهم من دم الناس وصولاً الى الجنة وكأن الجنة اعدت للقتلة والمجرمين.. وليس للذين يتقون الله في عباده…
اذن فقد اطل علينا شهر رمضان وبعد يومين وثلاثة خسرنا في يوم واحد منها ما يقرب من المائة وعشرة شهداء روت دماؤهم كل ارض العراق… وهؤلاء هم المساكين الذين اوصى الله سبحانه باطعامهم… لقد تحول شهر الافراح اذن الى شهر اتراح من قبل اولئك الذين كان عليهم ان يفهموا حرمة هذا الشهر وما يعطيه من ثمار المحبة والتعاون… انهم بدلاً من ينصبوا الموائد لفقراء الناس بدل الاموال التي توزع على القتلة راحوا يوزعون الموت على اليتامى والمساكين وابناء السبيل… او لم يسمعوا قول الحق تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى /9-11).. ثم الم يقرأوا قول الحق تعالى (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة / 184).
حقا: ان ادعياء الدين الذين يتسللون الى بلادنا من كهوف العالم السفلي لا يطعمون مسكينا واحداً في اليوم بل يطعمون ما يتجاوز المئة… ولا يطعمون زاداً بل شظايا ورصاصا…
ومن هؤلاء المساكين؟ واين وجدوهم يتجمعون ليفجروا سيارة بين صفوفهم؟ انهم جنود يحمون حدود الوطن ورجال أمن يحمون حياة الناس وما ملكت ايمانهم رغم انه صار شحيحا ما يملكون.
كانوا يريدون تطبيب جراحهم في الشهر المبارك…
كانوا يريدون اللجوء الى الله في قيامهم وصيامهم…
لقد وجد مرضى النفوس في القتل لذة وفرحا وطريقا الى الجنة بينما افعالهم هي الشر كله وانها الطريق الى جهنم الحمراء، لقد تحصنوا بالشهادة وما هم بالشهداء، والذين يقتلون انفسهم من اجل الاجهاز على الفقراء والارامل والايتام، دعاة التدين هؤلاء، ودعاة اعادة الخلافة من جزر (سرنديب) الى جبال البرنس..
هؤلاء لا يطعمون مسكينا يل يقطعون رؤوس جمهرة من المساكين…
وهؤلاء لا يطعمون اليتامى الذين هم جعلوهم ايتاما… وهؤلاء لا يطعمون الارامل، وليس لهم شأن بفقراء الناس…
انما يقدمون لليتامى والايامى والمساكين طعاما من نوع أخر هو سيارة تنفجر وسط الجمع فاذا بهم لحما ممزقا محترقا… فكيف حال اهليهم…
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد) (البقرة / 203-105).
والآن نأتي الى السبب فلقد اعتادت الفضائيات ان تنقل عن هذا المسؤول او ذاك او هذا المعارض او غيره القاء اللوم على الاجهزة الامنية وتغلغل المليشيات فيها وضعفها وكون الملف الامني بيد هذه الشخصية وليس بيد تلك.. ولم يسأل احد نفسه هل ان القضية هي قضية ملفات؟ هل يتمكن شرطي او مجموعة شرطة او جنود ان يكتشفوا سيارة مفخخة من بين الوف السيارات التي تجوب الشوارع؟… ان انتشار رجال الامن لن يحقق المطلوب بل العكس من حيث سيجعلهم صيداً للمجرمين… ان الحل الامثل يكمن في عوامل عدة سناتي على ذكرها في مقال لاحق.. لكن العامل الاهم يكمن في العمل الاستخباري الذي يستطيع ان يتصيد ذوي النوايا الشريرة قبل تنفيذ نواياهم.
ان العلة الحقيقية بالنسبة لنا هي عدم وجود الاخلاص وغير الموجود لا يحضر.
والصراعات الحزبية لا تشكل دولة وحتى لو تم تشكيل وزارة فانها ستكون اضعف من ان تقر الامن… لانها ستكون حكومة الامر الواقع والارضاء المؤقت وسيعمل كل طرف منها لحسابه وليس لحساب البلاد مع ان مصحلة البلاد واحدة عندما يلتقي المخلصون..
اما المصالح الحزبية والشخصية فهي متعددة ولهذا فهي متعارضة وسيحاول كل طرف اضعاف الاخر، وسوف يتربص كل طرف بالاخر وستحاول بعض الاطراف اتخاذ الموت الجماعي حجة لمواجهة الخصوم ان صراع الاحزاب والفئات السياسية ومن نصبوا انفسهم اوصياء على الشعب العراقي لم يجر غير الكوارث وسيكونوا اصحابه هم الضحايا اما التنافس الانساني الحقيقي الموسوم بالعقائد الشريفة والسلوك النزيه فهو المضمار الذي ينبغي ان يتنافس فيه المتنافسون حيث يتساوى الرابح والخاسر في الحصول على رضا الله وحب الشعب ودائما فان الاعمال بالنيات.. ولكن للاسف كل الاسف والعتب يشمل الجميع في ان اليتامى والمساكين والارامل وفقراء الناس فقد احيلوا الى (القاعدة) لتقوم بتصفيتهم وجعلهم ذبحهم ضحايا لهذا الشهر الكريم.
حركة القوى الوطنية والقومية (حقوق)
24/ تموز/ 2012