18 ديسمبر، 2024 11:46 م

صراع الإرادات..العبادي والآخرون

صراع الإرادات..العبادي والآخرون

قبل مايزيد على سنة ونصف نال العبادي ثقة البرلمان بعد ضغوطات وتحديات داخلية وخارجية ليس هنا محل الحديث عنها وإن كان على قارىء المقال أن يستحضرها فغالبا _هنا في العراق_ ماننسى التاريخ القريب ونعيش في الحاضر من دون استذكار الوعود والخطط والبرامج التي تم الحديث عنها ..ولذلك لو أحصينا السين وال سوف في خطابات السياسيين والمسؤولين لوجدناها تفوق الواقع المتحقق لها بنسبة كبيرة.. فاليوم ونحن نتحدث عن الاصلاحات لانستذكر أبدا البرنامج الذي قدمه العبادي حينها وأرفق معه وثيقة الاتفاق السياسي بين الكتل ،والذي على أساسهما نالت هذه الحكومة الثقة بعد ولادة متعسرة ناقصة..ومع هذا فقد نال العبادي من الدعم اللامحدود ماحسده عليه المالكي الذي كان وقتها وقبلها يفقد يوميا حلفاءه الواحد بعد الآخر حينما اعتمد على تكريس السلطة والصوت الشعبي من خلال دولة القانون ..لقد استطاع العبادي أن يقنع الآخرين بأنه ماض في طريق إعادة التوازن وأنه جاد في أن يعطي لكل فريق حقوقه التي يطالب بها ..ولذلك كان الدعم السياسي يتنامى يوما بعد يوم بعدما تبين للآخرين أن العبادي ليس كسلفه في تفرده وعدم سماعه لمطالبهم ..ولكي أختصر لكم هذه المطالبات سأضعها في ثلاثة عناوين رئيسة:أولا..مطالب القوى التي تمثل المكون السني وهي تتمثل في تحرير المدن وعودة النازحين واعادة الاستقرار والاعمار فيها.ثانيا..مطالب القوى التي تمثل المكون الكردي وتتمثل في اعطاء الإقليم حقه في تصدير النفط وإيفاء الحكومة الاتحادية بالتزاماتها المالية من خلال الموازنة وخاصة فيما يخص البيشمركة وعدم التدخل في شؤون الاقليم.ثالثا..مطالب القوى التي تمثل المكون الشيعي وهي تتلخص بنقطة رئيسة تحمل دلالات كثيرة وهي المشاركة في القرار.. والتي كانت تطالب بها كل الأحزاب المشاركة في الحكومة .وبغض النظر عن الحقوق المشروعة وغير المشروعة فقد أعطت أمريكا التزاماتها للسنة والأكراد ..وأعطى الإيرانيون والعبادي التزامهم لقوى التحالف من غير دولة القانون او الدعوة في التزام العبادي بنهج جديد لايمارس فيه الإقصاء والتفرد..هكذا بدأت الحكومة عملها وهكذا بدأ العبادي في رسم خارطة إصلاحية لمنهج سلفه..لم يتحدث أحد في وقتها عن المحاصصة والطائفية والكفاءة والمهنية والمجرب لايجرب في وقت التصويت على الحكومة وكأن كل الخطابات قبل التصويت سواء من الكتل أو المرجعية كانت تتركز في أن لا يعتلي المالكي رئاسة الوزراء مرة ثالثة ولابأس في أن يكون نائبا لرئيس الجمهورية ..ومضى من عمر الحكومة تسعة أشهر والعبادي يحصد الدعم الدولي والإقليمي والعربي والمحلي إلا إن القدر كان يغلي والإرادات المختلفة بدأت تتيقن أن العبادي غير قادر على تحقيق مطالبها..وما إن حلت بداية الصيف حتى بدأت بوادر التذمر تتخذ لها أشكالا متعددة سواء على المستوى السياسي أم الجماهيري.. وبغض النظر عمن أشعل فتيل المظاهرات فإنها بدأت بلون من يعادون الدين والتشيع السياسي حصرا في إدارة الحكم متخذين من شعار ((بسم الدين باكونا الحرامية)) عنوانا للقضاء على الفساد والمطالبة بتغيير نظام الحكم ضمن مطالب تتسع مرة لتصل الى تغيير النظام السياسي برمته وتتقلص تارة الى القضاء على الفساد وتحسين الخدمات ومابين الخط المتطرف في المطالب والخط المعتدل كان هناك تداخل قوى وإرادات متعددة قد عقد الموقف العراقي سياسيا ..وكان لانخفاض أسعار النفط وسوء التخطيط في الحكومات السابقة قد أضاف أزمة اقتصادية على المواطن والحكومة والاستثمار مما عمق الهوة بين المواطن والدولة بعد أن كانت الأموال الفائضة والانفجارية وسيلة هلامية لردمها ..وهكذا لم يبق أمام العبادي بعدما تدخلت المرجعية بخطبها السياسية كل جمعة ودعوتها له أن يضرب الفساد بيد من حديد سوى أن يعلن عن دعمه للإصلاح في منتصف آب وأن يمضي في سبيل إعداد ماسمي بحزم الإصلاح ورغم أنها كانت ارتجالية وغير دستورية وتتعارض مع القانون ولا تلامس الإصلاح الحقيقي إلا أنها لاقت تجاوبا وتأييدا من الجماهير والمرجعية وحتى الكتل السياسية ظاهرا  لخوفها من سخط الجماهير ولحسابات أخرى يعرفها أهل الشأن فصوت عليها البرلمان..لكن العبادي لم يكن بخلده أن حزمه الإصلاحية ستجعله يدور في حلقة مفرغة لسبب مهم ..وهو أنه أراد أن يختزل كل الإرادات في أطار إرادته ..وهو مالاتقبله بتاتا القوى السياسية المختلفة مما أفقده الزخم والتأييد يوما بعد يوم إلى أن بح صوت المرجعية فلزمت الصمت فكان الفراغ الذي سارع السيد الصدر لملئه بورقاته الإصلاحية المدججة بالتهديد والنزول الى الشارع والدعوة الى المظاهرات والاعتصامات قاطفا الظهور القوي بوصفه زعيما مصلحا برغم أن التيار الذي يرعاه كان من ضمن الكابينات الوزارية السابقة والحالية..داعيا الى حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة وسيطرة الأحزاب وهي الدعوة التي تتجاوب معها الجماهير ..اذا كانت إرادة العبادي هو المضي في الحكم بطريقته الخاصة الغامضة والتي حاول توضيحها في الأسابيع الأخيرة فإنه حتى خطاب يوم أمس لم يكن واضحا لديه مايريده البرلمان منه..هذه الإرادة لم تستطع أن تحتوي إرادات كثيرة أخرى ..فإرادة الصدر تختلف عن إرادة الحكيم إن لم تناقضها تماما وإرادة دولة القانون المتمثلة بأغلبيتها مع المالكي تتناقض تماما مع الإرادات الأخرى فهو ضد مايدعو إليه الصدر وضد مايدعو إليه العبادي بل ويختلف مع مايدعو إليه الحكيم..أما السنة والكرد فعلى الرغم من أنهم دعموا الإصلاح الحكومي لكنهم وضعوا له شروطهم الخاصة والتي تؤمن أن المناصب الحكومية حق لايمكن التفريط به..وهو أيضا على الضد من مطالب الصدر ومن خلفه المعتصمين والإعلام المساند..وإذا كان صراع الإرادات قد وحد الإرادة الكردية و الإرادة السنية ..فإنه فتت الإرادة الشيعية السياسية وقسمها..ولذلك كان المحللون يصفون الأزمة الحالية بالصراع الشيعي الشيعي..وليس جديدا بزوغ الصراع الدولي في العراق فرغم التوافق الإيراني الأمريكي في دعم العبادي ودعم إصلاحاته ..فإن الجانب السعودي والتركي كان لهما إرادة مغايرة تماما توضحت تماما في القرارات الخليجية الأخيرة وتصريحات السفير السعودي ورئيس الوزراء التركي ..اذن كيف يستطيع العبادي بمفرده مع هذا الكم من صراع الإرادات التوفيق بينها وهي تصل حدود التناقض؟ ..وهل يمكن لإرادة واحدة أن تتغلب على الآخرين؟ ..وهل هناك اليوم من يمثل الشعب بشيعته وسنته وكرده وأقلياته الأخرى فتنتصر إرادته لأنها إرادة الشعب العراقي كله؟..والحق.. أن ليس هناك شخصا بعينه من يمثل الشعب العراقي وحده فلا العبادي ولا الصدر ولا الحكيم ولا المالكي ولا البرزاني ولا علاوي ولا النجيفي ولا المطلك ولا ولا ولا أي شخص آخر فزمن القائد الضرورة ولى الى غير رجعة ..وإذا أراد أن يرجع فهو يعني التناحر والتقسيم والتقاتل وسقوط البلاد في أتون الحرب الأهلية وزمن الانقلابات التي نوه عنها السيد عادل عبد المهدي في مقالاته الأخيرة ،وهو تماما مايريده أعداء العراق من الصداميين والإرهابيين وقوى الشر والفوضى والفرهود.. فيا أيها المتخاصمون اتقوا الله في هذا الشعب المظلوم المكلوم ..واحترموا دماء أبنائه التي تسيل كل يوم لتروي حياتنا..الله الله بالعراق وشعبه وإلا فالسفينة ستغرق بنا جميعا ولات حين مندم.