(( تعقيبا على موضوع صراع الاضداد . . صراع الاسياد والعباد ، للاستاذ احمد خلف / المنشور في جريدة المدى العدد 3404 في 6 تموز2015 )) . . . . أقول :-
ان ظاهرة (( العبد والسيد )) قد وجدت منذ ان بدأ الانسان يصطنع لنفسه (( تجمعات او تكتلات او هيئات او منظومات )) للأغرض والأهداف التي تخدمه والتي كانت قد فرضتها عليه الطبيعة .
ففي عصر المشاع الاول (( قبل التاريخ )) كان الأنسان عبارة عن مخلوق أو دابة على الارض كباقي الدواب ، وفي ظل استمراره التطوري بدأ يجد لنفسه وسائل وعدد وادوات حياتية , ومن هنا نشأت لديه (( الحاجة )) وتطورت مع العصور . وبهذا السبب نشأت واوجدت حالة (( العبد والسيد )) .
وهذا مدخل بسيط بغض النظر عن جميع الادبيات والاساطير التي تناولت هذه المواضيع ومواضيع (( الآلهة والعبد )) التي تصب جميعها بشكل وبآخر في هذا المضمون (( مضمون الحاجة )) .
بدأت الحاجة الى الانتاج بأشكال مختلفة ، ونشأت الملكية المادية . نشأ الصراع كنتيجة حتمية بين الملكية لوسائل الانتاج وبين الحاجة الانسانية الدائمة .
وتطورت الحاجة لدى الانسان وتطورت وسائل الانتاج وملكياتها . فتطور الصراع بين من يملك وسائل الانتاج وبين من لايملك وتطور المفهوم ليصبح (( بين العبد والسيد )) .
واختلفت اشكال الصراع بأختلاف التطورات واختلفت صيغة وشكل العبد والسيد من مكان الى آخر ومن زمان الى آخر . وهذا هو مدخل التفسير الماركسي (( المادي – التاريخي – الديالكتيك أوالجدل التاريخي )) ولعله التفسير الأوضح والأكثر قربا للواقع والأشمل . أما التفسيرات الأخرى (( المثالية )) فأنها في اغلب الحالات قد فسرت هذه الصراعات على انها صراعات بين (( آلهة وعبد )) ، الهة تريد ان تطاع وتتسيد وتقود وتحكم ، وعبد يريد الأنقياد الى قوة أعلى تقوده وتسيّر له اموره طواعية أو رغما عنه . وهذا ماورد في الأدبيات والأساطير التي توارثها البشر عبر العصور .
وكل الأدبيات والتفاسير تصب وتشير الى وجود هذا الصراع بحالات متفاوته من مكان الى آخر ومن عصر الى آخر ، لكن الأختلاف في توضيح الجذور والاسباب هو الذي اصبح اختلافا في المذاهب والأنظمة الفكرية والاقتصادية ، واختلاف عبر التاريخ الحديث في رسم أنظمة اجتماعية وسياسية واقتصادية وبناء انظمة حكم وانظمة ادارة لسنا بصدد الحديث عن مدى نجاحها وفشلها وعن مدى احتوائها لهذا الصراع .
وقد تطور هذا الصراع بين العبد والسيد بين (( من يملك وسائل الانتاج ومن لايملك شيء )) عبر العصور ، ووسائل الانتاج هنا لها اشكال وصفات كثيرة تبدأ بالمال والطائرة والمركب نزولا للفأس والمنجل والعصا . وقد اخذ هذا الصراع اشكالا وسلك دروبا غير متوقعة وغير
منظورة في احيان كثيرة .
لقد (( كان العبد جزءا من الملكية الشخصية )) ليس في الزمن الاوربي القديم فقط (( كما اشار الاستاذ احمد خلف )) وانما تاريخنا (( التاريخ العربي القديم والجديد وتأريخنا الاسلامي القديم
والحديث )) حافل بهذه الحالة ، و (( الآن )) توجد في بعض بلدان العالم تجارة العبيد وتجارة الرق . وكلنا سمعنا قبل أيام عن بيع نساء كخادمات أو غير ذلك في بلد اسيوي (( الفلبين )) بما يشبه (( سوق نخاسة )) . والان تنتشر في الدول العربية الميسورة (( وعندنا في العراق )) مكاتب استجلاب الخادمات والايدي العاملة من بعض البلدان الاكثر فقرا ، اليس هذا صورة جلية من صور هذا الصراع .
والانسان منذ القدم يصارع لأجل بقاءه ووجوده بغض النظر عن موقعه . وطبقات المجتمع منذ العصور القديمة تصارع القوى المستلبة لحقوقها وارادتها ، وقد اختلفت اشكال هذه الصراعات ودرجاتها . والثورات المتتالية للبشر دليل على صراع الانسان وصراع الشعوب المستلبة ضد مختلف القوى التي همشتها واستولت على حقوقها وصادرت وجودها .
وان اغلب انظمة حكمنا الدينية قد رسخت طبيعة هذه العلاقة بين ((عبد وسيد )) طيلة قرون من الزمن بما يهيئة كهنة ورجال هذه الانظمة من تعاليم وطقوس توفر حالات انقياد (( أعمى )) للشعوب المغلوبة على امرها التي تبحث عن خلاصها وانقاذها بواسطة هذه العبادات . لكن الشعوب تزداد ظلما وحياتهم تزداد سوءا وتعقيدا وفقرا ويحقق الكهنة ورجال الدين غاياتهم و (( تسيدهم )) ويترسخ لدى الشعوب (( عبوديتها )) .
(( لقد عجزت منظمة حقوق الانسان عن تدارك حالات الظلم والقسوة وغمط حقوق العاملين )) لأن هذه المنظمات هي عبارة عن منظمات مصنوعة (( من فوق الواقع )) ولاتمتلك وسائل مؤثرة في ادارة الصراع وليس لها اي دور فاعل في الأمور والأحداث ، وهي منظمات ضعيفة قياسا الى المنظومات التي تؤلف هذا الصراع وتتحكم بمقاليده .
وان (( احساس الناس بالغبن والتهميش )) كان السبب للثورات في العصر الحديث ولكن هذه الثورات قلما حافظت على اهدافها ومعانيها وغاياتها . وان مايسمى بالثورات الحديثة او ثورات التمزق العربي (( الربيع العربي )) او ثورات (( التحرير الامريكي )) قد جاءت بأنظمة اكثر فسادا من سابقاتها وقد وفرت اجواء مناسبة لتفريخ وتناسخ الفاسدين والظالمين ، فقد افرزت انظمة حكم فوضوية مرتكزة على تقسيمات وولاءات دينية او طائفية او عشائرية لعدم وجود منظور ثوري وطني صحيح في بلداننا بامكانه استقطاب العامة ورسم مسيرة البلدان ، فأصبحت الطائفة او القبيلة هي بدائل لنظام الدولة (( الدولة المتزنة العادلة لكل الشعب )) ، اضافة الى ان هذا التمزق هو غاية اساسية من غايات امريكا وحلفاؤها . ولن يتحقق الا مزيد من الأوضاع الشاذة التي ستزيد البلاء ، وتزيد تعميق مقولة (( العبد والسيد )) الى أجل غير مسمى . . . .
E-MAIL:[email protected]