-1-
لا تجري الحياة دائما وفق معادلات مدروسة ، وحسابات دقيقة، فقد تفرض (الصدفة) نفسها لتسدل الستار على القواعد والأعراف ..!!
وانّها لغرابتها قد يصعب الركون الى صدقها ، ولكنها كانت الحقيقة بعينها …
-2-
ونعني بالصدفة :
الحدث الذي لم يكن يخطر في البال ، ولم يكن متوقعاً باي حال من الاحوال …
واذا كانت ” النتيجةُ ” بنتَ المقدّمات، فالنتيجة هنا جاءت من دون أنْ يكون لها أية مقدّمات ..
-3-
والسؤال الآن :
هل يمكن أنْ تُنال (الوزارة) بالصدفة ؟
والجواب :
نعم وقد وقع ذلك، والفلاسفة يقولون :
(الوقوع أولُّ دليلٍ على الإمكان )
-4-
يحدثنا الراحل (اسماعيل العارف) في كتابِهِ(أسرار ثورة 14 تموز وتأسيس الجمهورية في العراق) فيقول عن (حسن الطالباني) الذي اسندت اليه وزارة (الأشغال والمواصلات) في شباط 1959 ص 317:
( كان اختياره للوزارة صدفة عندما طرح اسمه أمام عبد الكريم قاسم فوقع اختياره عليه ليمثّل الأكراد، بَدَلاً من بابا علي الشيخ محمود ، وإنْ كان حسن الطالباني لا يقيم وزنا لهذا الاعتبار .
اذ أنه أصبح بلا رأي سياسي أو كما يقال :
كالماء لا طعم له ولا لون ولا رائحة .
وقد اخبرني بقصته طريفة عن تعيينه فقال :
اتصل بي أحد مرافقي الزعيم ، وطلب حضوري لمقابلته في وزارة الدفاع،
فهيأت حقيقة صغيرة وضعتُ فيها بعض الملابس الداخلية وأدوات الحلاقة معتقداً بأني سوف أسجن اذ قد أكون مطلوبا من قيادة الثورة لاشتغالي مع العهد الملكي ، واشغالي مناصب مهمة .
وقد أخبرتُ أخوتي واخواتي بأنْ يتهيأوا لمثل هذا المصير، وذهبتُ الى وزارة الدفاع ففوجئت باستقبالي باحترام، وأُدخِلتُ على الزعيم عبد الكريم قاسم حيث جلستُ قريباً منه وانا ارتعد من الخوف .
الاّ أنَّ استقباله لي كان غاية في اللطف ، وبعد حديث ودي قصير قال لي عبد الكريم قاسم .
” استاذ حسن “
الثورة قررت الاستعانة بخبرتك ، وسوف تتسلم وزارة الاشغال والمواصلات” فكاد ان يغمى عليّ ولم أصدّق ما سمعت .
ولما استأذنتُ بالانصراف وعدتُ الى البيت وجدتُ اخواني واخواتي فرحين مستبشرين اذ سمعوا بتعييني وزيراً من الاذاعة قبل ان ارى المرسوم الجمهوري بعيني “
وقد يسأل القارئ :
ما هي المناصب التي تبوأها ( حسن الطالباني) في العهد الملكي ؟
لقد ذكرها (العارف) فقال :
كان موظفا متدرجا ،
واصبح مديراً عاما للمصرف العقاري .
ومتصرفا في عدة محافظات، واخيراً كان عضواً في مجلس الخدمة .
فلم يكن الرجل بعيداً عن النهوض باعباء مسؤوليات وظيفية عديدة،
نعم انه لم يكن من الرجال السياسيين القريبين من الزعيم عبد الكريم قاسم ..
وقد ذكر اسمه صدفةً أمامه فاختاره وزيراً ..!!
-5-
انّ لنا وقفة قصيرة أمام قول (عبد الكريم قاسم) (لحسن الطالباني) حين التقاه ليبلغه بوقوع اختياره عليه وزيراً للاشغال والمواصلات
قال له :
(الثورة قررت الاستعانة بخبرتِكَ )
وهكذا اختصر (الثورة) بذاته ،
فقرارُه قرار الثورة ..!!
مع انه لم يكن قد شاور في أمر تعيينه أحداً ..!!
وهنا يكمن الخطأ القاتل …
ان ” الحاكم ” مهما امتلك من المزايا والسمات الفريدة، لا يصح أنْ يختصر الثورة أو البلد بشخصه على الاطلاق …
فأين هم الثوار الآخرون ؟
ولماذا لا يستشارون ولا يؤخذ بآرائهم ؟