22 ديسمبر، 2024 11:34 م

لم أودعه , لكنه ترك لي صورة رسمها بقلم رصاص  لشاب متطلع لطريق تحفه أشجار  الكالبتوس, ويحمل حقيبة تعلق حزامها  بكتفه .
– رحل طارق وترك لك هذه الورقة . قالوا لي . حينها فهمت لمَ هذا الرجل شحيح الكلام  وانه كان يرسم للآخرين ابتسامته بأن ثمة ما يسعد في هذه الدنيا ,فلم أفسر عنه للحزن مفهوما ,وفي غرفة يحيطها مطر ذاك الشتاء كنت ارقب نافذتها المضاءة  فاخبر نفسي انه بدأ القراءة لكتابي, بعدما شرع بالبحث في حقيبتي  عن الكتب التي تسافر معي دوما . وانه سيكتب بقلمه على ورقة  من أوراق الكتاب  ذكرى انه قرأ هذه الليلة , فيدون الوقت والتاريخ, ومدى برد الليلة  ووحدته , وكأنه يبث خلجاته عبر رسائل بلا عنوان فيبعثها على جنح الظلام  إلى أولئك المجهولين ,الذين لا يعرفهم ولا هم يعرفونه , فتمضي حياته حبا لهم شاءت الأيام أن تلتقيه بهم ليغرزوا بقلبه حبهم , فيوهم روحه  إن هم إلا غرباء ستلف الأقدار بهم ويغيبوا كشمس  اختنق احمرارها بأفق زمهري الرياح .
– ما قولك بمن مثلي يدخن؟
-لن أعيرك سيجارة , ولا حتى قداحة ولتفهم بذلك بخل مني .
-فما تقول لو انك لن تجد أي كتاب منذ الليلة  بهذا المكان؟
– فذاك إعلان موتك أو رحيلك, وفعلا إني لن أجد شيئا اقرأه بعدك.
–  ها إنا يا طارق اقترب من موعد الرحيل
–   لن يكون هناك شتاء أخير , فقد تركت لك بكل كتاب علامة  فالتمس منك العذر لو أن علاماتي أساءت لكتبك الجميلة
بل كان كل شي جميل , ذاك الشتاء والكتب ,وساعات الليل الطوال على العليل و المسافر والمفارق , وكان المطر الأخير  يمد لي كفه إن تعال أعانقك أيها  المخلوق  من البرد , تعال  فقد حان زمن الفراق , فأمد كفي تحت زخ السماء لأشرب منه ذكرى لم اعلم متى ولدت وإنها لن تموت إلا معي  , فما ضعت بدخان سيجارك يا طارق وما مس جسدي برد إلا واستيقظت علامات أقلامك في كتبي فاقلبها كل ليلة  أحاول الولوج بسراديب تلك الليالي, ثم أعود خائبا بأني لن أراك  فأكاد اسمع حفيف أشجار الكالبتوس برسمتك تلك, تناقل حبال أغصانها رياح برد نعرفه معا .
– ذو الحقيبة كان انا. قالوا لي.