كان صديقي اﻷملح وطيلة الـ 14 عاما الماضية يسب ويلعن العملية السياسية بكل مفاصلها وشخوصها وكتلها وأحزابها وﻻيستثني منهم أحدا ويدعو الناخبين الى مقاطعتها – عمي على كيفك..طول بالك ..تره بيهم الزين والشين ،مو كل أصابعك سوا ، ماكو فايدة ، اﻷخ قافل من اﻷبي – كان يتهم الكل بأنهم تابعون ذليلون إما الى أميركا وإما الى ايران وﻻ شأن لهم بالشعب المغلوب على أمره مطلقا إنما يعملون طيلة اﻷربع سنين التي يقضونها فوق الكراسي بيروقراطيا لتحقيق مصالح الدولتين اﻵنفتين اللتين تتقاسمان السيطرة على العراق وإمتصاص ثرواته وتهريب خيراته منذ عام 2003 والى يومنا هذا ، فضلا عن مصالحهم الشخصية بطبيعة الحال فقط لا غير ، لم ينتخب أحدا ، لم يذهب الى صناديق الإقتراع يوما ﻷنه مصاب بالإكتئاب المزمن أولا وﻷنه غير مؤمن بالديمقراطية في البلاد العربية من المحيط الى الخليج ثانيا – مع أنه ضد الدكتاتورية على طول الخط – وثالثا ﻷن الانتخابات على وفق تصوره عبارة عن عاش الملك ، مات الملك ، أو – خوجة علي ملا علي ..الرايح مودعينه والجاي متلكينه ﻻ أكثر – كنت أوافقه في بعض ما يطرح وأخالفه في أخرى ، كان يقضي أيام الصمت الإنتخابي وبدء الحملات في المطبخ ذاهلا بلحية غير مشذبة وشعر منفوش كشعر آينشتاين وبيجاما بازة من بقايا – اورزدي باك – وهو يطيل الإستماع الى أغنية أم كلثوم ” فات الميعاد ” ويعيد إجترار مقطع كئيب منها يقول : ” تفيد بإيه ، إيه يا ندم ، و تعمل إيه، إيه يا عتاب ؟” ، كل ذلك وأنا أحاول التخفيف من حدة إكتئابه هامسا في أذنه بعض الحكم الشعبية المستهلكة عراقيا والتي تستخدم عادة لتخدير المواطنين أيام الظلم والطاغوت والمحن ” الصبر مفتاح الفرج ..تفاءلوا بالخير تجدوه .. لوخليت قلبت ..القناعة كنز لايفنى ..اصبر على أولها ،تشوف تاليها ، إييييييييه مقضية !” وكل ذلك خوفا عليه من النوازع الإنتحارية التي أفصح عنها غير مرة وباﻷخص أن كيس – رز الحصة التموينية المعفن – بجانبه والذي يكفي التهامه لقتل فيل ببضع دقائق فما بالك ببقايا عراقي مكتئب في حال قرر طبخه بماء ” التانكي ” مع – دهن أبو التنكة -وملح السدة !
كنت في العادة أتركه لفترة طويلة كي ﻻ أضع نفسي بموقف يصدق فيه مايكرره المصريون في أفلامهم باﻷسود واﻷبيض -التم المتعوس على خايب الرجا – ﻷظهر له فجأة بغير موعد سابق وأتابع عن كثب مصير البيجاما البازة ، هل مازالت على قيد الحياة، أم انها تحولت الى – وصلة مسح- لتنظيف بقايا العواصف الترابية التي تهب على العراق في الربيع بخلاف البشرية حول المعمورة ؟ !.
قبل يومين ذهبت اليه واذا بي أسمع أغنية عفيفة اسكندر وبأعلى صوت ” ياحبايب صفققوا له ، ياحبايب هلهلولة ، مبارك والف مبارك ، ايامك سعيدة حبيبي!!”، دخلت واذا باﻷوضاع كلها على غير المعتاد !
قلت : هاي شنو ..هاي شكو ..معقولة ..اللحية حليقة ..قصة الشعر على الموضة ، عطر ريفدور – من زمن جدي – يملأ عبقه اﻷرجاء ..البيجاما تحولت الى بدلة سموكن ،شنو الفيلم صديقي ؟!
قال : رشحت نفسي في الإنتخابات النيابية !!
قلت: ليييييييش ؟ ! قلتها بمرارة وأنا أستدعي الى ذاكرتي العشرات ممن ورطهم وأقنعهم طيلة السنين الماضية بأن ﻻجدوى من المشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم في صناديقها ، وان قوائم الفائزين محسوم أمرها إبتداءا ، وأن العملية كلها مجرد سيناريو لإقتسام الكعكة ، وأن مابني على باطل فهو باطل ،وأن المحاصصة غالبة عليها في نهاية المطاف ، وان تزوير النتائج حاضر في بعض المراكز الانتخابية ، وانها لن تغير من واقع العراقيين شيئا بخلاف إرادة الدول الاقليمية والعالمية ، على حد وصفه !
قال بعلو الصوت وكأنه يخطب بي وهو غير مقتنع بما يقوله : ﻷصلح أحوال الراعي والرعية ، ﻷعيد الهيبة الى العملية السياسية ، ﻷعمل على التأليف بين قلوب المكونات العراقية ، ﻷقضي على اﻷمية ، ﻷستصلح اﻷراضي الزراعية ، ﻷعيد أمجاد الصناعة الوطنية ، ﻷرتقي بالعملية التربوية والجامعية ،ﻷعيد النازحين الى المحافظات الغربية ، ﻷحسن واقع النقل والخدمات والمسستشفيات الاهلية والحكومية ، ﻷحجم من دور العصابات الاجرامية ، ثم ، ثم خفض صوته ودنا مني ووضع فمه في أذني وتلفت يمينا وشمالا ووووو تابع على إستحياء ” الحجي بيناتنه ..بس ﻻ دكول لأحد ” ﻷسافر الى بقاع الارض وأشم الهوا شوية ، ﻷ حصل على جواز سفر من تلك التي تسمى دبلوماسية ، ﻷفتح رصيدا في البنك وأملأه بالعملة المحلية والاجنبية ، ﻷشتري بستانا وأرضا زراعية ، قصرا فارها بدلا من هذه الشقة الكئيبة اﻷرضية ، مولا كبيرا بدلا من تلكم البسطية ، سيارة ليموزين فاخرة بدلا من هذه – العربانة المجرقة – الشعبية ، ﻷعقد صفقات ، أقيم علاقات ، أنظم مؤتمرات ، أحضر حفلات ،أدير إجتماعات ، أدلي بتصريحات ، أحصل برغم أني – ما خلصت الاعدادية إلا بالدفرات – على شهادة الدكتوراه الفخرية وربما الحقيقية ، ﻷفتح ملفات فساد مركونة على الرف كلما ضاقت بي الدنيا ، فأبتز أصحابها ، أستجوبهم أستضيفهم – وأعمر الجيب شوية – ﻷشتري برجا في دبي وجزيرة في الكاريبي تتوسطها محمية حيوانات طبيعية ،طائرة خاصة بطاقم من المضيفات الجميلات والطيارين المخضرمين من حملة الجناسي اﻷجنبية ، ليكون لي خدم وحشم من الجنسيات اﻵسيوية ، حمايات من معارفي وأقاربي – مو أقل من 100 – ، ﻷستقل وإياهم موكبا طويلا وعريضا من العجلات المدرعة الرباعية ، ﻷحصل على جنسية ثانية أفضل أن تكون بريطانية او سويدية ، واﻷهم من كل هذا وذاك ﻷبحث عن كتلة أتحالف معها أميركية كانت أم إيرانية – اي مشكلة ماكوووو – وألبي طمعا بأصواتهم وأصابعهم البنفسجية رغبة الجماهير- حبرا على ورق – اﻷغلبية منهم و اﻷقلية.. ثم عاود رفع الصوت ثانية من غير سابق إنذار ووقف وسط المطبخ هاتفا بأعلى صوته وهو يحمل كيس رز الحصة التموينية على كتفه ” وﻷخدم الشعب العراقي وأحارب أعداء اﻷمة العربية ،ﻷنصر القضية ، ﻷقضي على البطالة وأرفع من مستوى الفقراء وحالتهم المعيشية .. سكت برهة …وضع اسطوانة أم كلثوم بدلا من عفيفة اسكندر – أصبح عندي الان بندقية – وأردف خطابه ” وﻷحرر فلسطين من البحر الى النهر لتعود الى احضاننا كما كانت حرة أبية – كفى استعمارا ، كفى صهيونية .. تره حرام وخطية – !!”، وبعد أن رمق كيس الرز من بقايا التموينية ومؤامرة النفط مقابل الغذاء ،تذكر بؤسه وفقره كله في هذا البلد الذي يطفو على بحار من النفط والغاز و ذرف دمعة حارة يتمنى من كل قلبه أن يكفكفها فوزه المشتهى ثم أخذ “يهوس” :
” وها يمعفن ها ..وها يامعفن ها …كنا ازواج ونطبخ بيك ..ها يمعفن ها “! اودعناكم اغاتي