باركوا لي أخوتي الكرام ، اكتشفت لونا جديدا اقتبسته من برنامج تلفزيوني مدبلج ، كلما يتلبس طأس رأسي قناعا جديدا ، أضغط على زر آلي ، فيتعالى التصفيق والهتاف قبل أن يهفت ، فأشعر بسعادة غامرة …
لأعاود اللعبة من جديد…
2
لم يُصغِ في حياته كما أصغى لنون النسوة
تصابيه باعد المسافة بينه وبين أقرانه
ثم أن المرأة لديها ما ينشط فيه الرغبة
قد تجره إلى عالم سفلي يجد فيه نذالته
لكنك نادل على أية حال…
أيها الكائن المدعي ماليس فيك…
أيها الإنسان… الآلي
على حين صدفة ، هبطت من عليائها ، لترقين قيدي
كتبّتْ على الفايل المعنى بأمري ، اسمي الحركي ، جمعت فيه كل وثائقي
كنت اعلم أنها الصدفة المعنية بترويض تماسكي
فالمرأة هي الاسفنجة الماصة لكل شئ ، المؤمل السري المبني على الوقائع والأرقام
وبعد أن امتصتني بما يكفي كما توقعت ، هاتفتني :
غيرت اسمك في الملف
وما جديدي ؟
قل ما حقيقتي ؟
انطقيها إذن فقد ضاق صدري
سميته : ملف الإنسان العادي
اربكتني كما لم يربكني تعليق ثَر
ومازلت ملتصقا بسؤالها ، اتقلب بين مجراتها ، متنقلا بشحنتي من دائرة لأخرى ، امارس ما يمارسه الكوكب الهابط … في عتمة التوجس
حتى اضمحل آثري… وتلاشى
3
أراد الزوج أن يمر بتجربة نوعية في علاقته مع زوجته
فكلما كانت تنظر إليه بذات الطريقة التي استوعبها ، سارع إلى موافقة طبائعها الأنثوية مخالفا نزقه الذكوري
كثرت الهدايا في خزائنها ، أطال الجلوس إلى جوارها ، ذاب الصبر في مجاراتها ، والتكلم معها وهي تتجول بين الأسواق والمحلات ، حتى جاءت المناسبة ذات ليلة حينما أعلمته بأن الجزع قد أصابها
: وماذا تريديني أن افعل ؟ سألها
فلنتبادل الأدوار: قالت
كيف : قالها بذهول ؟
أمارس فيك دور رجولتك وترشدني كيف اكون أنثى ، ما رأيك في هذه اللعبة ؟
ولأنه وافق رغبتها ، قال لها موافق
نظرت إليه قليلا في تأملها ، ثم باغتته بصفعة قوية على خدهِ الأيمن
لم يصدق ما حدث له ، انتظر قليلا ليستوعب ما حصل ، وحين تأخر رده
قالت له : جرب أن تفعل ما تراه مناسبا بحرية أكبر وكأنك أنثى
تناول يدها التي صفعته وقبلها بلهفة
اشتعل غضبها فعاودت الكرة ثانية بصفعة أقوى على ذات خده الأيمن
ارتمى بين أحضانها وراح يلحس آثار الضربة على خده ، فيما كانت شفتاه تتلعثم بكلام يتلمس الهمس بين شفتيها
استشاطت شررا ، مسكت سكينا تناولتها من على الطاولة ، راحت تلوح بها يمينا وشمالا،
لم يصدق ما رأت عيناه ، تمايل تحت قدميها ، وهو يترجاها صارخا أن يعود كلا لطبيعته ، فلم يعد يحتمل هذا التمثيل ، يعود هو لرجولته ، وتعود هي زوجته المطيعة
قالت له : أنا لا أمثل ، هذه أنوثتي ، عليك أن تتحرى عن رجولتك…
نظر إلى المكتبة المكبلة بكل أنواع الكتب الفلسفية والأدبية والأجتماعية وبصق عليها
وتمنى أن يعود أعزبا ، أميا ، يفهم الحياة على حقيقتها بين الناس الأشقياء ، على أن يكون مهذبا تصول وتجول المتعاركات في رأسه ، ولم يستطع حتى الآن… أن يرسو على برْ… الكتمان .
4
المّت به الحمى الشديدة وراح يهذي…
سأباشر فورا بقطع كل علاقاتي وأرقن قيدي في سجل المتون
لقد ضاق وسعي على المواقع والصحف ، استهلكتني بما فيه الكفاية
عليّ أن انتقل من القصة إلى الرواية ، من القصيدة إلى الملحمة ، من النقد إلى البحوث ، ومن الانترنيت إلى الكتاب المقروء
سأنتبه إلى نفسي وعائلتي ، سأولي الأهتمام الأكبر بحديقة داري ، لقد ذبلت ألحان الورد
وعاث العشب الأصفر يعتاش على نفائس الفسائل الجميلة المنتقاة بعناية ربانية
جال بطرفه نواحي المكتبة المثقلة بهوم المعارف وسأل نفسه : متى أقوم على قدمي معافى سأنفض عنها الغبار وأعيد تبويبها من جديد
جاء الطبيب لعيادته ، وبعدما اجرى عليه الفحوصات الأولية ، أخبره بضرورة مراجعة المستشفى بأقصى سرعة ، فثمة شئ غير مفهوم لا يبشر بخير ، نقلوه إلى المستشفى ، تناوب على معاينته طبيب مختص بالأورام الخبيثة
أثناء خلوة مع نفسه وفيما كانت روائح المستشفى تخلق مزاجا يقربه من التوحد الكامل ، كان يفكر : لقد كبرت بما يكفي ، كنت متماديا ومغروا أكثر مما يجب …
لو كتب الباري لي الصحة والعافية سأباشر بردم الهوة بيني وبين ربي ، سأذهب للحج وأتصدق على الفقراء والمساكين ، أصلي وأصوم وأطلب الصفح من الذين تطاولت عليهم
سألت الدموع البيضاء على وجنتيه تطلب العفو والمغفرة…
عاد الطبيب وإمارة البشرى تطلب منه الحلوى :
لقد كان مجرد اشتباه سيدي المتمارض ، صحتك سليمة وجسدك معافى…
انتفض من على السرير وهو يُزيح مخاوف البياض ، ملتمسا من يعود به إلى البيت سريعا ، ومعاودة ما تراكم خلال مرضه بنشاط غير مسبوق ، مستنجدا بمخيلته الطرية ، لتزاحمه في قلقها ، مستخفا بطمأنينة غير مفهومة نزلت عليه دون سابق عنوان
هتف مستأسدا إثر قشعريرة دفعت بها فايروسات مابرحت تصول وتجول في دمه ، ولم تترك له هنيئة التقاط الأنفاس :
لأبد أن بريدي الالكتروني قد تعبأ ، ما يستدعيني إلى مجاراة العودة المباركة… وبقوة
يجب أن أرد على رسائل الأصدقاء بأقصى ما يستوجب من اللقاح اللذيذ … المتراكم
5
علمته قواعد اللعبة ، أن يرد على الرسائل بما ينميها مجاراة لا استنهاضا ، فقد اكتشف من خلال الخبرة المتواصلة في مهنة الطب على تقطيع الجسد إلى أرقام وإشارات ، وأن لكل رقم أو إشارة ما يناسبها من العلاج المناسب على سبيل الحكمة النفسية لا العضوية !
هذا ما درسه نظريا يوم كان طالبا في معهد الطب ، يتذكر كلام المعيد المخبول بأجواء الطقوس الصوفية ، حين قال :
بإمكان طالب الدبلوم أن يختصر البكلوريوس بسنتين فقط إذا ما رافق ذلك الدراية والفراسة في معرفة سلوك البشر ، سأله وقد راقت له الفكرة لوجود ما يدعمها في كينونته الراغبة في التخطي والإختصار : ما أقرب السبل إلى ذلك أستاذي الدكتور ؟
أجابه المعيد : كُن ودودا ونافذا لدرجة التماهي في الشخص المريض ، اقنعه بتشخيصك النفسي قبل العضوي ، فما الداء سوى نفس شريرة وما الدواء سوى استئصالها بالإيحاء
منذ ذلك اليوم تحول ركنه المهمل في طقوس زرق الأبر والتداوي بالضماد والمعقمات ، إلى عيادة متكاملة تُجرى فيها العمليات بمختلف أنواعها ، وإلى مقهى ومجلس عشائري في حالات الازدحام الشديد ، وكذلك انتشرت كتبه التي عالج فيها مختلف الأمراض عن طريق الأعشاب ، خاصة كتابه ( طبيبك في كلمات ، أنت تسأل والمُعافي يجيب ) ، الذي تحول إلى وسيلة إعلامية ذائعة الصيت في المحطات الفضائية… وإلى يومنا هذا ، فهو يعالج الناس حسب أوهامهم ، لا حسب أورامهم …
حسب أقنعتهم ، لا… قناعاتهم