23 ديسمبر، 2024 10:00 ص

لعل صدى واقعة الطف في كربلاء يتجسد بشكل كبير في زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام . فهذه الجموع الزاحفة نحو ضريحه الطاهر إنما يوحدها هتاف مشترك هو “يا حسين” ، وطوال الطريق من المدن والحدود العراقية الى كربلاء فإن هتاف محبي الحسين وآل بيته الأطهار “ابد والله ما ننسى حسيناه” مشاعر جياشة لملايين البشر ، كباراً وصغاراً ، نساءاً وأطفالاً ، شيباً وشباباً ، لا شيء يشدهم الى رمضاء كربلاء سوى تلك المصيبة ، وتلك الرزية التي حلت بإبن بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، عندما تكالب عليه مجرمو العصر من الجهلة ليمارسوا ابشع انواع الظلم المجتمعي ، مستحضرين بذلك كل ما خلفته الجاهلية من قيم فاسدة وبالية ، فقتلوه ، وقتلوا ابناءه واصحابه وسبوا اطفاله ونساءه الى الشام ، حيث الرجل الفاسق الذي اصبح خليفة للمسلمين وارتضوه اميراً عليهم . مشاعر ممتزجة بالألم .. وحزن يمتد الى المسافات التي قدم منها الزائرون .. رجال يُكبرون ، ونساء يذرفن الدموع ، واطفال يصرخون مع ارتفاع عويل اهليهم .. مشاهد كربلاء لا تتكرر .. أعمدة الدخان تتعالى وسط المدينة وفي ضواحيها وعلى اطرافها وفي الطرقات المؤدية اليها لطهو الطعام لما يقارب من الـ (20) مليون زائر حسب ما أعلنت عن ذلك احصائيات من داخل المدينة وخارجها .. المدينة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها (2397) كم ، إحتضنت كل هذه الجموع وضيفتهم وقامت بخدمتهم ملايين الخدم انتشروا في كل مكان . خير العراق كله في كربلاء .. الكل يطبخون والكل يخدمون .. والكل فتحوا أبواب دورهم لإستقبال الزائرين .. انه مشهد لا يتكرر في اية مدينة في العالم حتى تلك التي تشاركها القدسية الدينية .. فحتى مكة المكرمة والمدينة المنورة ومدينتي النجف الاشرف ومشهد المقدسة التي تضم ضريح الامام الرضا عليه السلام ، لم تشهد ما تشهده كربلاء كل عام في استعادة ذكرى استشهاد الحسين ويوم الاربعين ، حيث عودة السبايا من الشام .. اذا كنت تريد ان تعيش مأساة الطف ما عليك الا ان تتوجه الى كربلاء .. فهناك تشم رائحة دم الحسين ، وتلمس عظمة هذا الرجل الذي خلد اسلاماً حسينياً اصبح ملاذاً للمسلمين ومعتنقي الأديان الأخرى .. فهذا غاندي البوذي وذلك المسيحي جورج جرداق ، وها هو عبد الرزاق عبد الواحد الصابئي .. لقد تأثروا بالحسين وكتبوا اجمل عباراتهم واشعارهم .. فغدت تلك الابداعات مثلاً .. لقد سطر الامام الحسين عليه السلام ملحمة خالدة امام اعدائه عندما لم يستسلم لهم وهو يعرف

حجم جيشهم ، مقابل أبنائه واصحابه الذين لم يتجاوز عددهم السبعين ، في معركة يدرك نتائجها مسبقاً . ويعرف انه لم يقاتل طلباً لملك أو جاه ، فهو خاسره لا محال ، بل كان يقاتل من أجل إصلاح الدين الذي إنحرف على أيدي الأمويين ، ليبتعدوا به عن الإسلام الحقيقي ، الذي بعث به الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام .. حتى قال الحسين عليه السلام “إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني ” فأخذته السيوف إلى الشهادة ، وعالم البرزخ والمقام الرفيع الذي خصه به الله عز وجل .. فكان في عالمنا حُسين واحد ليس له شبيه ولا يتكرر . عبق كربلاء .. وعبق الشهادة ، والذكرى اجرت مدامع الزائرين حتى سالت وبللت الأرض التي يسيرون عليها .. دروب الى الحسين رشت بالدموع .. وأنات الأطفال وشهقات المعزين ، وحسرات القادمين من اصقاع الأرض ليشهدوا ذكرى الأربعين ، إنه الكرنفال الحزين الذي لطمت فيه الصدور والخدود والظهور ، وشقت الرؤوس ، وكأن ماوقع قبل 1335 عاماً حدث اليوم .. الحسين سار في طريق الشهادة عارفاً الله ورسوله والإسلام فأمسى خالداً تأمه الناس وتتبرك بضريحه المقدس . خطيب جمعة كربلاء أشار يوم الجمعة 12 كانون الأول 2014 ان عدد الزائرين الأجانب قارب المليوني زائر قدموا جواً وبراً من (35) بلداً حسب مصادر المحافظة ، واستقبل مطار النجف آلاف الرحلات .. وبمعدل (70) رحلة يومية ولم يكن مطار بغداد ساكناً بل عجت به طائرات الزائرين من عواصم العالم التي وصل صدى واقعة الطف إليها فهبوا الى كربلاء.