22 نوفمبر، 2024 1:04 م
Search
Close this search box.

صدى الروح : عن ذاكرة المكان ، ومكان الذاكرة

صدى الروح : عن ذاكرة المكان ، ومكان الذاكرة

دائما تتبادر الى نفسي ، اسئلة عن ذاكرة المكان في حياة الانسان ، وكيف يراها ، فالأماكن مثلها مثل البشر، لها طبائع، وأوضاع مختلفة ، فهناك مكان واجم مطبق تخرج منه حزينا، وقد أورث الأسف في نفسك، وهناك مكان يضفي الفرح والحبور، وآخر يؤثر في رغباتك وطبائعك، بل أكاد أجزم انه لا يوجد مكانان على وجه البسيطة لهما نفس التأثير ..

ولا اظن ، ان احداً منا ليس له ذكريات سعيدة وحزينة، ومن منا لا تمر عليه لحظات يستذكر فيها ذكرياته وأماكن تعيد الى روحه الدفء الذي لا يزال يحيا في الوجدان ، والأذهان، ومنها مع اشخاص بهم كان يحلو المكان ، احيانا تكون الذكريات بالنسبة لمن حولنا بمضمونها، كعابر سبيل، وهي مثل قطعة الحلوى نتذوقها بين الحين والحين، ذكريات الطفولة وايام الدراسة ومنها أيام الجامعة ومكان العمل والسفر هنا وهناك حيث نتعرف من خلالها على اشخاص ربما يبقون اعزاء لنهاية العمر..

فما هي علاقة المكان بالذاكرة ؟ اقول انهما يعنيان استرجاع مجموعة من الأحاسيس والانفعالات والمشاعر التي تتحكم بالإنسان ، وتكون بمجملها مرتبطة بالقلب والعواطف ، ولهذا تغنى الكثير من الشعراء والأدباء بذاكرة المكان ، فهناك رائحة للأحياء الشعبية وأخرى للأزقة وثالثة للصحراء ورابعة للمدن العتيقة ، وخامسة لحب تجذر في الضمير ، فما أن يكون المرء في أحد هذه الزوايا ، حتى يستحضر رائحتها وتبعث فيه أحاسيس وذاكرة المكان ويدرك مدى ارتباط ذاكرته بالمكان .. انها توافق الحياة ، مع ذاتها .. لذلك يمكن وصف الحياة بانها كتاب جميل، ملون، مخيف تختلف مقدمته عن خاتمته اكيد، وما بين الاثنين توجد حكايات وسطور مكتوبة تحوي مشاعر ممزوجة بين الفرح والالم، نمر بموقف معين يذكرنا بماضي نفتقده او مكان يا خذنا الحنين اليه وحين ينام العقل ويهرب من الواقع ويعلو صوت الخيل والنسيج الاحلام يبدا يتكون وتبتعد عن الحقيقة حتى يكبر الامل !

ان الذكريات هي أعز ما نملك، نعتمد عليها طوال حياتنا في النهار والليل، في يقظتنا ونومنا، هي عماد علاقاتنا الاجتماعية ومعرفتنا وأذواقنا وتاريخ مغامراتنا وما نتميَّز ونعتد به. وقد لا يكون من المبالغة القول إنها هي جوهرنا ، رغم النظرة السوداء للبعض الذين يرون ان حلم الذكريات ، فيه كثير من الزيف والسراب.

شخصيا ، أربط كثيرا بين المكان وذاكرته ، ولذلك بقيت وفية لأماكن أحببتها، حتى أنى حين أتركها كثيرا ما أشعر وكأنني على وشك الغدر بها ، وأنا احاول دون وعي مني ، ألصق الأصوات على الحيطان علني أتمكن من استرجاع الضحكات حين يغيب من اعزه ، وأرسم الذكريات على الأثاث ، وأجلس بحنو في مكتبتي كالفراشات الملونة ، اغازل كتبي .. فالأمكنة حين اعود إليها، تعود بيّ الذاكرة للوراء، فأتنسم عبق الماضي، وتصدر من قلبي آهات حرى، وتتلاحق الأنفاس جذلى، ملآى بالذكريات.

فما احلى ذاكرة المكان ، ومكان الذاكرة !

أحدث المقالات