تأسيس “دولة” حق تكفله جميع الشرائع وجميع القوانين ولا اعتراض على مثل هذا التوجّه فما إذا لم يؤذ الآخرين وعلى حسابهم وعلى حساب آلامهم عندها تصبح دولة شرّيرة يجب إزالتها أو القضاء عليها في مهدها .. وهذا ما بدأ يحصل إن لم يحسن أخوتنا الأكراد قراءة ديموغرافيا المنطقة قراءة واعية وتتبّع جذورها الغائرة فيها منذ تشكّل أوّل صفيحة “تكتونيّة” على كوكبنا ..
لا ندري بالضبط متى وكيف التصقت كلمة “كردي” أو أكراد بكلّ عمل أو تصرّف مخالف لما هو مألوف وأحياناً عكس قوانين الطبيعة .. لا ندري بالضبط وعلى وجه التحديد من اكتشف هذه “المفارقة” أو المفارقات الّتي تصدر عن الأكراد فاستغلّها في بث روح التفرقة بين النسيج الاجتماعي الواحد مع أنّ مثل هذه المفارقات تصبح مداعبات مقارنةً بين سلوك ابن الريف مقارنةً ما هو متعارف عليه عند ابن المدينة وهي مقارنات تجنح للطرافة في جميع بلدان العالم بين الريف وبين سكنة المدن وليس بين الأكراد وبين بقيّة سكّان مدن العراق , إذ يحفل سجلّ الطرائف بين الريف والمدينة خاصّةً في عصرنا الكثير منها حتّى ما بين “العربان” وبين عرب المدينة ! ..
الأكراد هم سكنة الجبال .. فالجبال بيئتهم الّتي تربّوا على مرتفعاتها وفوق قممها , لذلك فالأصل في الكردي هو ذلك الّذي لا يتنازل عن العيش أو النزول من “فوق مستوى البشر الباقون” ! ومن هذه “العرف” الكردي ترعرع ونما إحساس أو أحاسيس “التفوّق” لدى سكنة الجبال عامّة والأكراد خاصّةً في العراق أو في غيره ومنه سلكوا سلوكيّات راعوا فيها شمولها عناصر التفوّق على الآخرون فنتجت منها بعض السلوكيّات مبالغ فيها تتنافى والمنطق فألصقت بهم .. يقابل الخصوصيّة الكورديّة سلوك البدو “عرب الصحراء مثلاً” وما اتّصفوا به من عناصر يفتخر بها البدويّ هو الآخر من نخوة ومروءة وأنفة أيضاً منها ما انحرف نحو الغلوّ فأصبح مادّة تندّر عند ابن المدينة .. ومن بين مثل سلوكيّات الأكراد هذه ما انعكس على النشاطات السياسيّة للبعض منهم فيجد على سبيل المثال أنّ أيّ إنسان يعيش فوق الجبال فهو كرديّ بطبعه وعليه فسينسحب مثل هذا التصوّر على مسافات أبعد منها زبدتها : أنّ أيّ كوردي يعيش في أي مرتفع من ضمن تضاريس كوكبنا يحقّ له الانتماء للقوميّة الكرديّة ! وبهذا ظهرت واحدة من أكثر النوادر انتشاراً بين سكّان المدن عندنا أنّ من يسكن “جبل عرفات” مثلاً فهو كوردي ومن يتمرّد فيه زيعزف عن النزول منه فهو من الأخوة الكورد “العصاة” ! أيّ سيصبح من جماعة “كاكه ملاّ مصطفى البرزاني” .. !
بعض الطبقة المثقّفة من الأكراد , وأقول بعضهم , بلغ به التطرّف القومي والانتمائي لبعضهم البعض حدّ المغالاة بحيث لم يعد يرى حقيقة حركة ديموغرافيّة طبيعيّة تميّزت بها مجموعة من الأكراد المنعزلون عن التجمّعات الحضريّة البشريّة فلقيت مأواً عند “الحدود” السياسيّة الفاصلة بين الدول وخصوصاً في مناطقنا الجبليّة بسبب كونها تصلح كمراكز “تهريب” تميّزوا بها واكتسبوا مهاراتهم منها بسبب الفوائد الاقتصاديّة الّتي تدرّ عليهم أرباح جمّة نادى مثل هؤلاء النخب أنّها مناطق كرديّة منذ الأزل ! فتحوّلت بنظرهم وكأنها تشكّل دليلاً قاطعاً على وحدة هذه المناطق فحسبوها بملايين الكيلومترات المربّعة وصلت إلى حوض البحر الأبيض المتوسّط ! , في حين هو أمر لم يختصّ به الأكراد وحدهم فقط بل العرب أيضاً ممّن يسكن قرب الحدود السياسيّة المنبسطة مع سوريا أو الأردن أو جزيرة العرب مثلاً اشتهر من بينهم “الكبيسات” غرب العراق تحوّلوا من البداوة واستقرّوا في منطقة سمّيت فيما بعد “كبيسة” قرب قضاء هيت من محافظة الأنبار بسبب الأرباح الّتي تدرّها عمليّات تهريب البضائع “سكاير روثمان غريفن علب الحلويّات كحول بأنواعه مواشي أسلحة فرديّة ورشّاشة عتاد بانواعه زيوت أصواف جلود وبر وجميع المنتجات المحلّيّة الّتي تنتج أو من الّتي تشحن من أوروبّا والصين وبلدان حوض البحر المتوسّط لهذه الدول” استمرّت عمليّات التهريب منذ عهود سابقة تمتدّ للحكم العثماني اشتهر منهم الكثير من تجّار الكبيسيّون أربعينيّات وخمسينيّات وستينيّات القرن الماضي يشار إليهم بالبنان لثرائهم الفاحش من هذه التجارة المحرّمة المربحة “ولتبرّعاتهم السخيّة ببناء الجوامع والمساجد !” لا ينافسهم فيها أحد ولا حتّى تجّار سياسة عراق اليوم الجديد ولا أرباحهم الفاحشة في تهريب مليارات العراق وشراء أشهر الأندية الرياضيّة ومصانع الأدوية وأشهر شركات تجارة العقار في لندن وباريس ونيويورك وأشهر جزر العالم بما فيها “سعفات” كثيرة من مجمّعات دبي العائمة وسط البحر ..
اليوم , وبسبب التقلّبات السياسيّة في العقود الأخيرة في منطقتنا خاصّة تفرّق الكثير من الأكراد في بقاع شتّى من العالم واستوطنوا فيها حالهم حال الكثير من المنتمون لقوميّات أخرى ممّن ركبوا موجات الهجرات وبالأخصّ في العقود الأخيرة من السنين وتوجّهوا إلى البلدان الغربيّة ؛ وتكوّنت لديهم جاليات تحاول منذ هبوطها على تلك اليابسة الاحتفاظ بهويّتها الثقافيّة بممارساتهم القوميّة ومنها القوميّة الكورديّة الّتي تميّزهم “بحسب رأيهم” عن بقيّة القوميّات الأخرى الّتي تعايشوا معها مئات السنين ثقافات خاصّبهم بحسب زعمهم في حين أنّها بالنسبة للخبراء في عادات وتقاليد الشعوب وفولكلورهم متطابقة ومتشابهة مع باقي القوميّات الشرق أوسطيّة الأخرى بل وتدلّ أكثر على أنّ الأكراد المتحضّرون هم من قلّد سكّان المناطق الّتي استوطنوها وسارعوا في تعلّم لغات سكّانها وتديّنوا بثقافاتهم واكتسبوا تقاليد وممارسات وسلوك سكّان الحضر وسارعوا في ذلك لاهثين كي يسارعوا في عمليّة انصهارهم وذوبانهم وسط المجتمعات الّتي خالطوها ولكي تبتعد عنهم صفة “الجبليّة” الّتي ستجعلهم ينطوون وينزوون وليس من السهل تقبّلهم في بيئتهم الجديدة بما في ذلك الملبس الّذي اشتهر على أنه ملبس كوردي في حين هو ملبس الدروز من العرب من سكنة جبال سوريا ولبنان تمتدّ خطوط رسومها الأوّليّة إلى العصر الفينيقي اقتبسه منهم أشقّائنا الأكراد ..
يزعمم الكورد هذه الأيّام , بعد أن “ضرط وزّانهه وتاه الحساب” كما يقال , عقد مؤتمر شامل لهم في مدينة أربيل العراقيّة الأصيلة وهو أوّل مؤتمر منّ نوعه يفصح به الكورد علانيةً عن نواياهم الحقيقيّة الخطيرة بعد أن ألقموا أفواه أنظمة تركيا وحكومة المالكي وحكومة إيران “حجراً” ولعبوا على حبل التوتّر السوريّ .. المؤتمر كما يبدوا هو مؤتمر عنصري تقوم به جماعات من الأكراد لا يمثّلون الشعب الكردي الأصيل الّذي يعشق الشموخ والكبرياء ويرفض التبعيّة الغربيّة المدمّرة لهم في نهاية المطاف بل يمثّلون إرادات غربيّة سياسيّة تؤجّج أكثر عمليّة إيقاد الطائفيّة والعرقيّة في المنطقة ستطال ليس فقط شعوب المنطقة وتدمّر نسيجهم الاجتماعي بل العلاقات الثنائيّة بين الشعب الكردي وشعوب المنطقة ككلّ لن ينجوا من بطشها أحد .. فلو تأنّا هؤلاء المؤتمرون وتروّوا سيجدون أنّ جميع دول العالم الحديثة تشتمل على عدّة مكوّنات عرقيّة حتّى في ألمانيا نفسها ويمتلكون جميع حقوق المواطنة مع العنصر الجرماني نفسه والعنصر الكردي الّذيّ استوطن ألمانيا وأوروبّا أيضاً يمتلكون اليوم نفس حقوق مواطني تلك الدول وستتضاعف أعدادهم مع مرور القرون وسيسكن قسم من الأكراد في تلك الدول ودول غيرها يسكنها الأكراد حاليّاً كأميركا وكندا وغيرهما سيسكنون الجبال وسينتشرون بين قممها بكلّ تأكيد وسيدخلون في القرون القليلة القادمة جميع معتركات الحياة في تلك الدول بما فيها المعترك السياسي وسيزجّ بهم في أتون الاحتدامات السياسيّة في موجات صراع مستقبليّة .. فهل سيدّعي الأكراد هنالك في تلك البقاع النائية في قابل العقود والقرون أنّهم هم أوّل من صنع الهيدفون والكهرباء في أوروبّا وأن الأخوة ديكارت والشاعر رامبو من أصول كورديّة وأن قيصر روما “قجقجي” بدأ حياته في جبل كردمند وأنّ هتلر “بيبيته” من الكورد الباديانيّة وأنّ جدّ نيوتن السابع عشر كان يقطن كلاله ! وانّ الكتابة “السطرنجيليّة” المتفرّعة عن البابليّة والّتي تحوّلت منها الحروف اللاتينيّة هي ابتداع سكنة الجبال الأوّلون .. وهي رؤى أوهام لا ينفرد بها بعض الكورد بل أنّ بعض الطائفيّون العرب ومنهم الطائفيّة “المهجّسة” “حنان الفتلاوي” لا ترى العراق إلاّ عبارة عن تجمّعات “شيعيّة” من أقصاه إلى أقصاه في واحدةٍ منها قالت مستغربة : “يعني حتّى سكّان محافظة ديالى تبيّن لي أنّهم شيعة” .. !
أخوتنا الكورد .. وأقصد الّذين يدّعون تمثيلهم الشعب الكوردي والشعب لا يريدهم ويفصح عن ذلك الرفض يوميّاً ويحتجّ ضدّهم ؛ ربّما لا يدركون لغاية اليوم عن عمد رغم تكثيف مخاطبتهم إعلاميّاً من قبل جهات علميّة وعالميّة وبكلّ الوسائل في العقود الأخيرة خاصّةً , أنّ العراق وسوريّا ولبنان والأردن تحتوي على أعراق وقوميّات كثيرة إضافةً للعرق الكوردي وأنّ هذه البلدان وبلدان غيرها تتعايش فيها القوميّات المختلفة تعايشاً عميقاً منذ فجر التاريخ .. لأنّ الدول غير التجمّعات , فالدول تجمّعات لعدّة أعراق تنصهر مستقبلاً حقبويّاً إلى منصهر عرقي واحد بينما التجمّعات تبقى كذلك حتّى تحوّلها الدهور إلى دول فيما إذا أرادت التخلّص من الاندثار ! , وذلك ما لا يدركه لغاية اليوم مدّعوا تمثيل الكورد مستندين على بعض الهفوات الآنيّة الّتي أطلقها البعض على دول بعينها فألحق بها “جمهوريّة فلان العربيّة” لأسباب سياسيّة مرحليّة طارئة يقف “غيض” أو إغاضة ومعادات توجّهات العنصر التركي العثماني العنصريّة على رأسها وليس لشيء آخر .. والغريبة أنّ توجّهات هؤلاء النخبة من الكورد بدأت تستغلّ أوضاع بلد مثل العراق لا يطلق على نفسه تسمية “جمهوريّة العراق العربي” مثلا يشمل فسيفساء قوميّات كثيرة انصهرت في ثقافة متجانسة واحدة وهو مغزى الصيرورة النازعة للتجذّر , لو أراد بعضها “من الأقلّيّات الغير كورديّة” سلوك التوجّه العنصري لهذه النخبة من الأكراد بشكل جاد لابتلع الكورد أنفسهم وأسّس له دولة خاصّةً بهم خاصّة وأنّ لهم امتدادات في جميع الدول الّتي يدّعي الأكراد أحقّيّتهم في إقامة دولتهم “القجقجيّة” العظمى عليها .. والّذي بني هذا المؤتمر المزمع إقامته قريباً في أربيل لأجل الشروع في هذا التوجّه الخاطئ والّذي ينبئ بمستقبل غير طيّب ينتظر الأشقّاء الأكراد بسبب هذه النخب الموتورة الّتي دأبت على تزوير الحقائق مستغلّةً الوجود الصهيوني الطارئ لمنطقتنا وانشغال باقي أطياف شعبنا بحروب الغرب ضدّ شعوب المنطقة وبمواجهة حروبها الطائفيّة والعرقيّة الّتي تسعى الصهيونيّة لإشعالها خاصّة بضغطهم على المناطق الرخوة من جسد النسيج الاجتماعي للمنطقة وهم الأكراد ومحاولة نفخهم باستمرار مستغلّة روح الاستعلاء الجبليّة فيهم والقابلة للانفجار والتدمير الذاتي إن لم يجنحوا جانباً بعيداً عن الأوهام .. وما بداية انجرافهم بعنجهيّة المتغطرس إلى أتون حرب بقيادة السيّد مسعود البرزاني ضدّ من يسمّون أنفسهم بجبهة النصرة والاشتباك معها في حرب لا نهاية لها إلاّ نذير اندثار مشروعهم الامبراطوري المزعوم .. وقديماً قيل “على كدّ لحافك مدّ رجليك” ..