ثمة جدل طالما تحدثنا عنه طويلا، نشعر بالغرابة و الإستفهام عندما نتطرق الى تقدم الدول، والقيمة المعنوية والثقافية والخدمية، نعجب من الرفاهية والإزدهار وحقوقالمواطن، وأسباب تقدمهم وهم لا يملكون البترول، نتألم كثيراً حينما تذكر الموازنات وكم الأموال للمشاريع الوهمية، يمجدون عامل النظافة والمعلم وتخلد خدماتهم، دون صور تفرض في المؤوسسات والشوارع، ونجبر على نصب التماثيل ويعبد بعضنا حكم التسلط وسياسة المقاولات بأرواحنا.
الإيحاء بتقصير الشعب والموظف البسيط، فكر سلوطي على حساب الدولة والمواطن، يُسخر كل الإمكانيات وإخضاع الشعب، لبقاء السلطة على جثث الأبرياء.
المقارنة بين الشعوب المتحضرة والشعوب المتخلفة، أن يكون اللوم على الموظف البسيط ويترك المسؤول الكبير، ولا توجد بالمقاييس دولة فاشلة بقدر ما تكون سلطتها هي السبب، يُلام عمال البلدية وموظفي التقاعد والمستشفيات والجنود، ويقال ان بغداد أفضل من دبي ونيويورك، وهي تحترق كل يوم وتغط بالنفايات كإنما أصابها زلزال.
نعم بغداد أفضل وعمرها 1250 عام، كل شيء بثمن عندهم ونحن حتى أرواحنا بالمجان، لا ندفع أجور للكهرباء لعدم وجودها، مناظر بنياتهم جامدة بالإنارة ليل نهار، وبغداد تكسر الكلاسيكية والروتين، تشعل جانب ويطفأ الأخر، في دبي بعد شهر تحتاج الى خريطة لوجود ناطحة سحاب جديدة، يكثر فيها (الزرق ورق ) الذي يُصبنا بالدوار، وبغداد لم تتغير منذ الستينات وبنفس الخرائط، في العواصم يلبس حزام الأمان لسرعة الشوارع، ونلبسه كي لا تتطاير أشلائنا من الإنفجارات، او يلاحقنا شرطي لا هم له سوى فرض الغرامات، هم يلبسون ملابس من تدوير النفايات، وبلدياتنا أكثر رفقا بالحيوان، تطعم الكلاب السائبة والحشرات وتسمح بتكاثر الجراثيم، هم يعزلون الرطب من اليابس، ونتركها لكي تصنع منها الطبيعة عطور كريهة كي نبتعد عنها.
نعم لسنا مثل دبي العاصمة الإقتصادية ونيويورك السياسية، ولاحتى دمشق المشتعلة ونستورد منها الخضار والدواء، ولاالهند ولبنان حيث نعالج المسؤولين، تتبرع عوائل (الحواسم) بعلاجهم من أموال المشاريع الوهمية! وهم يستجدون أسعار الدواء، نصدر النفط ونترك لشعبنا الأمراض، تهاجمنا جيوش الإرهاب، وتنغشل جيوش الفساد بالبحث عن مأرب لأسقاط الشرفاء.
تعلمت الشعوب الواعية الفصل بين السلطات وتثبيت القضاء والإهتمام بالتعليم والتكنوقراط، ولا زال البعض يعتقد بإن السلطة هي الدولة، وأن المسؤول لا شريك له ولايموت أو يمرض، وعانى العراق كثير من تدخل الساسة في مفاصل الخدمة وتطاولوا على عقلية المواطن، يشارك الضعفاء وتفقس الأزمات، تجمعهم الإمتيازات ويعتقدون بقوة رجل وفريق ضعيف، والمجتمع للمسؤول، ولا يجتمعون على مشروع دولة يوحدهم.
الدول الناهضة تعتمد على ما ينتجه شعبها من بحوث وأفكار وأكفاء، يحاسب المسؤول ويكرم الموظف البسيط، تقوم على فريق قوي منسجم لتصفير الأزمات ويوحدها المشروع الوطني، والدولة للمواطن.
لا عاصمة أفضل من بغداد ولا دبي أكثر خيرات من البصرة؛ لكن جيوش الفاسدين المنتفعين، تلوم مواطن يشعر إن الوطن صار لقمة سائغة بيد السراق وذئاب الإرهاب، والوظيفة مصدر عيش على فتات فضلات النفعيين ومقاولي السياسة، وقد يستطيع أحدهم تبرير الفشل؛ لكنه لا ينكر الواقع، وإذا وصنا الى مراحل الإستهزاء بعقلية المواطن، صارت السلطات ابواق وغربان شر تنوح على مصائب من صنع أيديها، وندق أجراس الإنذار على الحريات الفكرية، ونتذكر إن بداية كل دكتاتورية حفنة متملقين ومتسلقين يمسحون الأكتاف ويقبلون الأحذية، سياستهم نشر الصور والمكارم والمنة على المواطن، والكذب حتى يصدقهم البعض.