11 أبريل، 2024 7:39 م
Search
Close this search box.

صدقة تغضب الله….!!؟ – وقف انساني

Facebook
Twitter
LinkedIn

 -“ايام ونحن بلا طعام…..!!
 
قالتها سيدة في مقتبل العمر، تختفي خلف قضبان العباءة المهترئة وحجاب عتيق يصر ان لا يترك سوى دائرة بيضاء كأنها استدارة قمر في منتصف شهر عربي تتخلله شعلتين تلقي ضوء بطيف من الوان مبهرجة لتضاعف شعاع الدائرة وتزيدها رونقا وبهاء ، يدنو منهما انف دقيق  يتكأ على زهرتين عامرتين كضفتي دجلة والفرات ، تلك اللوحة السومرية سحقتها عجلات الدهر وحوافر الفقر فتحول لونها المبهر الى لون الصدأ المترب قليلا ….!! تبدو اكبر من عمرها الحقيقي كثيرا، لكونها سكنت بين سندان الفقر ومطرقة المسؤولية حتى سحقت بعنف و بان اثر الضربات القاسية على محياها المصفر، سلبها شظف العيش نظارة الشباب واسباب السعادة لدرجة ان اخاديدا من مخالب الجوع تعمل باخلاص واصرار وحرص بحفر مواضع في انحاء جسدها المختبئ خلف ملفوفة رثة سوداء تعلن صولة الاقدار وغدر الايام  وكأن حربا مصيرية قد تحدث فوق ساحتها حتى استنفذت قساوة العوز كل عواملها وافرغت اخر قطرة من سمومها في جسد تلك السيدة الشامخة كشموخ  سفين وكبرياء شط العرب….!
 
 وتستمر حوافر السنين تفعل فعلها في ملابسها الرثة وجسدها النحيل حين يبدو الوجع والانكسار والذل جليا في كل حركة تحدث او كلمة تقال ، مع ذلك تشعر وانت تنظر اليها بأن كل خلية من خلايا جسدها تصرخ( الجوع ارحم من الذل)، يبدو ان تلك السيدة تتعكز على  ما تبقى من كرامتها المسحوقة و التي اهلكها وجع الذل الكامن في كل مفصل من مفاصلها وهي تكتم ما تبقى من ذلك العنفوان الانثوي الملفوف تحت طيات ملابسها البالية لتبدو صامدة كباسقات نخيل وطنها المسلوب لكن طبيعتها الانثوية كأم سومرية تجعلها كغيمة ممطرة تنظر بنصف عين خجلا نحو العدسة الوقحة التي يتوارى خلفها عيار الزمن الثقيل وخراطيم مصاصي الدماء المتاجرين بحياء المتعففين لكسب دنيء…! الفقر مشروع ناجح و تجارة رائجة تلقفها اصحاب الضمائر المائتة لتمرير دعاية رخيصة لغرض سيء السمعة….!؟
اخذت العدسة دور الزمن الجائر وبدأت تجلد الوجوه التعبة المتناثرة في ارجاء البؤس كمجموعة من السلع البائرة فوق جدران الحرمان وزواياه البائسة تحت نظرات الامومة المنكسرة التي رشقها الجوع وجعلها كعارضة ازياء فوق منصة الحرمان والفاقة…!؟…يأتي من خلف العدسة صوت اجش وهو يضغط بأصبعه القاسي على لسان الام المسكينة لتنحر اخر اضحية من كرامتها النازفة اعترافا بفضل مغدق نسى ان الصدقة في الحنيف مكمنها السر وليس الجهر(صدقة السر تطفئ غضب الرب ) … الصدقة ليس اعلانا تجاريا على شاشات المرئيات بل هي سر ما بين العبد وربه… اي مسلم هذا، الذي يتاجر بحياء و كرامة الفقراء ، ومن اعطاه الحق في ذلك…!؟…..قاتلكم الله….!؟
 
 يحمل كاهل تلك السيدة المتهالك ثمان مسؤوليات، ثبتت بمسامير الحرمان والفقر المدقع فوق جدران غرفة من البلوك آيلة للسقوط تجهل معنى الحضارة والتكنولوجيا ، حين بدأ عنق العدسة يتوعد بالفضيحة وتعرية تلك الجدران الجرداء من معاني التزويق بسقفها الكريم جدا بالمطر و البرد وحرارة الشمس الذي يمر بحرية ليقبل تلك الرؤوس والاجساد المنكوبة بفقدان معيلها الوحيد دون محاسبة او سيطرة تمنعه ، تحس وكأن ثارا مبيت بين تلك العائلة وعوامل الطبيعة واسباب المعيشة والفرح والطفولة والراحة فقد جردها الدهر من كل مظاهر الحياة التي يعيشها الانسان الطبيعي البسيط في هذا البلد الذي تنث ارضه ذهبا وفضة ، حتى بات وجودهم ثقيل على الحياة والزمن ، وصراع مستديم وحتمي مع سلالات الزواحف من فئران وافاعي وصراصير و جرذان ، ما يلهيهم عن ذلك الجحيم الارضي سوى امنيات حالمة سفيهة في رمق عيش وسقف يخثر نزيف الصيف والشتاء حتى بات افرادها يحسدون تلك الزواحف على هبه الطبيعة …!؟
 
ترفع الام يدها الى السماء بحياء بالدعاء  لذلك الجبار الذي سلبها حيائها و كرامتها لقاء حفنة من شفقة كاذبة وكأن اصبعها يشير الى موطئ الظلم ومكامن الفساد و تصرخ بصمت (الموت  ولا المهانة) لو لم تكن يديها قد سمرت بثمانية مسامير فوق جدران تلك الغرفة المتهالك لغاصت تحت التراب بما تبقى من كبرياء…!!..بدأ طوفان الدموع يثقل جفونها التي تكاد تلتهب من حرارته وبانت منه قطرات لؤلؤية تتأرجح بين اهدافها ، لكن اضطرار الزمن وثقل الاستمرار يحتاج تضحيات…. والنار تحتاج وقودا ليستمر السعير…!!؟
 
واستمر السعير والنزيف حتى اخر قطرة من حياء وكرامة وكبرياء تلك الاسرة وسلخ جلود الاطفال لتنفتح تلك القبضة الثقيلة عن براد ماء او حفنة من دنانير وقحة لا تقي من حر او برد او جوع بعد ثرثرة لساعتين او اقل لكنها مرت على تلك العائلة كقرون….!؟ ويلملم الذل اسبابه ويرحل يعقبه فجأة انحسار كلي للفقر والجوع ويلفلف القيظ اوداجه ويطوي البرد اغطيته ليرحل عن فقرائنا والى الابد، لان مغدق قد انفلت قبضته القاسية عن ثلاجة او ماكنة خياطة او براد ماء لعائلة او عائلتين…..!؟ انها والله حلول عبقرية لطرد الفقر من بلادنا وتحسين المستوى المعاشي والانساني….!؟…وليسقط علم الاقتصاد والتخطيط فنحن ليس بحاجة له في هذا البلد لوجود هذا التكافل الاجتماعي والانساني بتلك الحلول العبقرية..!؟…انتهى البرنامج  وبقينا كما نحن ….بل زدنا منازل من صفيح ……وستبدأ المأساة من جديد وبشكل اوسع….!!؟
 
       وانتهت حفنة الدنانير عند تلك السيدة وبدأت تبحث عن رمق من جديد……!؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب