مما لا شك فيه أن الزعيم الديني السيد مقتدى الصدر يحتل مكانة كبيرة في واقع العراق الجديد ليس على المستوى الديني ومكانته الدينية والشخصية والاعتبارية في نفوس أتباعه فحسب، بل وعلى المستوى السياسي ايضا ، ولا يمكن اعتباره رقما عابرا في العراق والمنطقة وربما العالم على المستوى القريب.
ان هذه الحقيقة يدركها الجميع محليا وإقليميا ودوليا، مما يجعل التعامل معه بدبلوماسية عالية على الصعيد السياسي الحالي،ومن ناحية اخرى لما يحمله من ارث جهادي واجتماعي تاريخي وعقائدي كبير ومشهود ،وان تجنب اشراكه في العملية السياسية او عزله سياسيا عن المحور السياسي الداخلي ،مسألة تكون في غاية التعقيد والخطورة والحساسية بل هو محال نتيجة المعطيات الواقعية وحجم جماهيره وانصاره ونفوذه وتأثيره واستحقاقه السياسي في النظام السياسي في العراق والذي احتل الصدارة بقائمته الانتخابية “سائرون”
ولعل هذه الحقائق التي تفرض نفسها تجعل من السيد الصدر اليوم صمام أمان العراق أو صاعق تفجير للحالة العراقية برمتها، إنه رجل يجيد العمل السياسي جيدا وأحيانا يتصرف بعفوية رغم الاخطاء الطفيفة التي يخلفها وراءه عرف عنه قائد صاحب تجربة عميقة في العراق وخصوصا ما بعد 2003 ومسيرته الجهادية التي خاضها ضد الاحتلال الاميركي ليست بالقصيرة , بل تجربة حافلة. وغنية جعلت منه رقما صعبا في المعادلة السياسية في العراق
وعلى هامش الاوضاع الراهنة والتحديات التي تعيق تشكيل الحكومة الحالية بسبب التفاوت النسبي والنتائج الاخيرة التي احرزتها الكتل السياسية والتي من العسير جدا تشكيل الكتلة الاكبر بمفردها دون المشاركة مع كتل اخرى منافسة وخاضعة للشروط والمفاوضات والتنازلات ونيل الاستحقاقات والمكاسب وقد تبدو شكل المفاوضات الاخيرة او اللقاءات التي التي جمعت السيد مقتدى الصدر باغلب الكتل السياسية الاخرى من اجل ايجاد صيغة عمل مشتركة وبرنامج ضمن الاطار الوطني الذي يطمح اليه الصدر في تشكيل الحكومة التي اشترط ان تكون ضمن الاطار والمفهوم الوطني الشمولي وتكون بادارة شخصيات مستقلة وطنية كفوءة ومتخصصة في مجالات العمل الحكومي تحت اشراف ورقابة الجهة التشريعية وعلى ان تقوم بجملة الاصلاحات المطلوبة ومن ضمنها فتح اخطر ملفات الفساد الحكومي والسياسي في العراق منذ عام ٢٠٠٣
ان مفهوم المواجهة والتصدي في فن الاستراتيجية الوطنية التي اعتمدها الصدر هي مجموعة السياسات والأساليب والخطط والمناهج المتبعة من أجل توفير الخدمات والامن والسلم المجتمعي وتحقيق الأهداف والمطالب المشروعة للشعب العراق٠ي وفي محاربة افة العصر الخطيرة المتمثلة بالنفاق الاسلامي السياسي والتي عرضت المجتمع الاسلامي وسمعة الاسلام السياسي في العراق الى انتقادات واسعة بسبب سوء ادارة الدولة وحجم الفساد المستشري وفساد بعض الاسلاميين من الخط السياسي الذي حاولوا تهديم وتشويه مفاهيم القيم الإسلامية ونهج الاصلاح الحقيقي
من يعرف السيد مقتدى يعرف أنه رجل متوافق في تاريخه العملي مع رؤية الوضع السياسي الجديد في العراق وطموحه من اجل بناء دولة مستقلة بعيدة عن التدخلات الخارجية والتبعية.
وان الازمة السياسية الحالية والمحاولات الخارجية التي تحاول اقصاء واستبعاد الصدر عن استحقاقه الانتخابي والمحاولات والمؤامرات الداخلية من حوله من قبل بعض الاطراف السياسية والتي تجد بمشروعه الاصلاحي الوطني مصدر تهديد مصالحها ومكانتها في السلطة ،فهي ليست المحاولات الاولى ولن تكون الاخيرة,بكل تاكيد تلك الازمة التي كانت تنوه عنها المرجعية العليا وطالبت بالاصلاح ومحاسبة الفاسدين والمنافقين باسم المرجعية الاسلامية الشيعية رغم خطوات الحكومة المتعثرة والبطيئة ورغم ان المرجعية في احدى خطبها قالت” اننا لاننكر ان المهمة لم تكن سهلة ويسيرة ولاسيما مع تعقيدات الأوضاع الداخلية من جهة وتدخل الكثير من الإطراف الخارجية في الشأن العراقي من جهة أخرى ولكنها بالتأكيد لم تكن مهمة مستحيلة بل كانت ممكنة جدا لو توفرت الإرادة الوطنية الصادقة لمن هم في مواقع القرار لمواجهة المشاكل وتجاوزها من خلال معالجة جذورها قبل ان تتحول الى ازمات كارثية تهدد امن واقتصاد وسلامة البلاد ”
لكن لم تبدي الحكومة اي تصور جديد حيال سياستها واصلاح الفساد الذي وقعت في شراكه.
وإن هذا الرأي دليل على “امتعاضها”،وأن الحكومة لم تستطع “التماشي” مع طموح المرجعية وتوجيهاتها وبين طموح الجماهير وارادتها نحو التغيير وتحسين الاوضاع العامة .
ومن جانبه كان السيد مقتدى الصدر دائم الدعوة الى تحمل الحكومة المسؤولية والسماع لصوت المرجعية الدينية العليا وللشعب لكن كل هذا لم يجد نفعا.
ففي الظروف الصعبة والمنعطفات الخطيرة دائما ما تنتخي الامة برموزها الوطنية او الدينية لما لها من اثر كبير في بلورة المواقف الصائبة والتصدي الحازم لمكامن الخطر ومعالجة مسبباته ،فكان لابد من تواجد فوري ليسد الفراغ الذي تركته المرجعية وتداركا لكل الاخطاء الجسيمة التي ارتكبها الاسلام السياسي المحسوب ظلما على شيعة العراق المضطهدين والمظلومين من جور السلطة ظهر مقتدى الصدر ناصرا للمظلومين لكل الشعب العراقي متصديا للفاسدين والمنافقين ،فطرح السيد الصدر مشروعا جديدا للاصلاح وأمهل في كلمة متلفزة له ألقاها 13 شباط/فبراير، رئيس الوزراء حيدر العبادي لتنفيذ اصلاحاته .والتي دعا فيها “تشكيل وزاري متخصص يتمتع بالنزاهة والخبرة من اجل تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن الحزبية على ان يشمل الجميع دون الميول إلى حزب السلطة وسلطة الحزب، بمدة أقصاها 45 يوما بعد تقديم برنامج ومنهج حكومي من قبل رئيس الوزراء يطبق خلال سنة وإلا فسيتم سحب الثقة عنه داخل قبة البرلمان”.لم يكن السيد الصدر رجل سياسة فحسب وانما هو قطب من اهم اقطاب العملية السياسية في البلاد والدليل على ذالك انه قلب موازين تلك اللعبة بقدومه الى بغداد وليدعو من هناك الى تظاهرة في ساحة التحر في خطوة لدعم خطته التي اطلقها لاصلاح اداء الحكومي وللتعبير عن تطلعات الشعب العراقي في نهوض البلد وتجاوز الفئوية والجهوية مليونية “سلمية” ضد كل “فاسد” و”داعشي” ، محذراً من ازمة اقتصادية “حادة” وأخرى أمنية “متردية”.
داعياً إلى “الزحف من كل بقاع العراق معاً وفي جمعتنا المباركة هذه.. لنتظاهر بمظاهرة مليونية (سلمية) لمن هم خلف الجدار، ولنرعب كل فاسد وكل داعشي.. لنكون يداً بيد مع القوات الأمنية والحشد الشعبي.. ويداً بيد مع المرضى والجرحى والفقراء والمظلومين لانتشالهم من واقعهم المرير وواقعهم الأليم”.
انه مقتدى الصدر الزعيم العراقي الذي وقف بكل شجاعة وقوة امام المخاطر الجسيمة والتهديدات الخطيرة بوجه السلطة الفاسدة .وبوجه التدخلات الخارجية ومطالبا بالاستقلال التام للقرار والسيادة العراقية
انه فعلا رجل العراق الذي يمتلك مفاتيح مقومات التعبئة الجماهيرية الشعبية والسياسية في العراق في تهدئة الوضع واحلال السلام او قلب كل موازيين القوى السياسية في العراق رأسا على عقب .
اشارة واحدة من الحنانة او تغريدة صغيرة على موقع تويتر او رسالة شديدة على صفحة صالح محمد العراقي . ستجد جيشا فاتحا يأتيك من كل حدب وصوب.