10 أبريل، 2024 8:49 م
Search
Close this search box.

صدام حي وهذا الدليل !!

Facebook
Twitter
LinkedIn

كنت في البيت حينما اتصل بي أحد اصدقائي ليخبرني على عجل أن أفتح جهازالتلفاز لمشاهدة صديقنا الذي صار مديرا عاما لأحدى الدوائر بعد أن انتمى لآحد احزاب السلطة وتسلق سريعا داخل الحزب للوصول الى هدفه وبعد ان توسط له أحد قيادات الاحزاب المسيطرة , بالرغم من أنه لا يصلح حتى أن يكون بوابا لتلك الدائرة ولكنها سياسة المحاصصة والعمولات التي تقضي باسناد المنصب لمن يقدم الولاء اكثر من غيره ويجعل حصة الحزب من الغنائم ثابتة. مباشرة فتحت التلفاز لآشاهد صاحبنا واذا به يتوسط مجموعة من موظفي دائرته وهو يضع نظارات سود على عينيه رغم عتمة المكان ,ليخفي نصف وجهه ,كأنه يغطي سوأته, ويلوح بيسراه غاضبا متوعدا احدهم بالعقاب, وبيمينه يحمل سيكار( الجروت ) ملوحا بها خلال حديثه , ويجلس منفوخا مزهوا كثور ضخم, على كرسي يميزه عن كراسي البقية وقد اطلق العنان لشاربه الكثيف وصبغ شعره باللون الاسود القاتم, حتى ظننت أنني اشاهد فقرة تقليد الشخصيات في برامج اكتشاف المواهب, كان كل ما يفعله من حركات مدروسة بعناية حتى ضحكته المقرونة بهزة اكتافه , توحي أنه ليس صاحبي الذي اعرفه , كان واضحا أنه يقلد احد ما !!.
لقد غير صاحبنا كل شئ في شخصيته وتصرفاته, وحتى نبرة صوته ,ليمثل على الناس دور القوي المتسلط الجبروت, رغم ان صديقنا عمره ما كانت له خصومة مع احدا ولا صاد يوما, اسدا ولا جرذا, ولا حتى ابو بريص , وقضى نصف عمره يركض لاهثا لآقتناء مجلتي الشبكة اللبنانية والبلاي بوي الامريكية !!.
وأنا أتوجه الى عملي لفت انتباهي سائق التكسي الذي اقلني, حيث كان يضع صورته الكبيرة وهو معبس الوجه مقطب الحاجبين في مكان مرأة السيارة الامامية ومرتديا ساعة يدوية يزينها شعار دولة العراق!!, وصلنا الى تقاطع الطريق وكان يجب علينا التوقف انتظارا لدورنا في المسير, لكنه فتح نافذة السيارة وقال لشرطي المرور : افتح لنا الطريق يا ولد !!, تعجبت من لهجته المتعالية وراح ينظر بغضب الى كل سائق يتجاوز مركبته, مخرجا رأسه من السيارة ليشتمه بكل انواع الشتائم, حتى تخيل لي أنه يحمل مسدسا ليقتل ستة سواق كل ست دقائق ممن يتجاوزون سيارته, وحمدت الله انه أوصلني لعملي ورأسي مايزال فوق رقبتي بعد أن أخرجت كل ما في جيبي من نقود وطلبت منه أن يأخذ منها ما يشاء!!.
ثم رحت اركز بسلوك من حولي, فأنتبهت الى انهم يشتركون بتقليد نفس الصفات التي لاحظتها مع صديقنا المدير العام ومع سائق التكسي!!, فهذا السيد الوزير وذاك السيد النائب وهذا المحافظ واولئك موظفو اصغر مجلس محلي في اصغر قرية نائية وقاطع تذاكر باصات المركز الصحي ,وحتى تلك المرأة مسؤولة سينما الاطفال, بعدها أدركت موقنا انهم كلهم يحاولون ضبط ايقاعهم مع ملامح وحركات وصفات وسلوك صدام !!!.
وهنا انا اناقش الظاهرة من منظورأجتماعي بحت لا دخل للسياسة فيه , فحينما فتحنا عيوننا ونحن نسمع يوميا الاف القصص المؤلمة والمأسي من ضحايا حروبه وسجونه وقراراته ولذا فأن التساؤل المرير المشروع ما الذي يدفع البعض ممن هم من أشد معارضي صدام الى تقليده بشكل اعمى وبعضهم الان جزءا من السلطة ؟؟, لم كل هذا الأنجراف القوي لتقليد رجل بكل هذه المواصفات السيئة؟؟. ثم لما كان هو رجلا متسلطا دكتاتورا, لم تقلدونه وتطلبون في ذات الوقت من غيركم أن يلعنونه ويسبونه ؟؟؟ لما كان هو وصمة عار في تأريخ الانسانية , لم تكررون نفس اخطاءه وخطواته ؟؟ لم تملئون الشوارع بصوركم ودعاياتكم الرخيصة وتطلعون علينا باليوم كل اربع ساعات من فضائياتكم التي اشتريتموها من اموال حرام ؟,لم تشيدون قصوركم الكبيرة على أنقاض جماجمنا وعظامنا وتقامرون بدمائنا كما كان يفعل؟, لم تقيمون احتفالاتكم الخاصة على حساب تعاستنا واحزاننا , وكلنا رأينا بام أعيننا حينما يحضر اصغر اطفالكم اصغر حفلة كيف يبذخ ويسرف وكأنه ورث أموال البلد عن أبيه و أجداده, ثم تطلعون علينا بعد يومين لتحدثوننا عن الحلال والحرام من على المنابر؟, لما كان صدام مجرما وقاتلا وحاكما مستبدا, لم تمشون كما يمشي وتأكلون كما يأكل وتلبسون كما يلبس وتتبخترون كما يتبختر وتظلمون كما يظلم وتقتلون كما يقتل وتسرقون كما يسرق وتقامرون بمستقبلنا كما كان يقامر؟؟.
ثم بدل أن تحولوا سجون ومعتقلات صدام الى متنزهات وساحات العاب صارت سجونا اكبر, وبدل ان تحولوا قصوره الى جامعات ومتاحف, حولتموها الى بيوت لعوائلكم وجواريكم ومحظيكم, وبدل ان تقلبوا الطاولة على رموز القتل والتسلط والسفاحين قلبتموها فوق رؤوس الفقراء والمعدمين والبسطاء, وزاد بفضلكم الجهل والتخلف والعبودية الى اضعاف مضاعفة.
وبدل أن تجعلوا الناس تلعن تلك الايام السوداء من تأريخ البلد صاروا يقارنون بين ظلم صدام وظلمكم, بين طغيانه وطغيانكم, بين جبروته وجبروتكم, وضحاياه وضحاياكم. نصيحتي لكم: غادروا قصوره وحدائقه الغناء, وأسكنوا قلوب الناس , واجلسوا على كراسي رخيصة, واركبوا سيارات عادية, وانزلوا للشارع, وأذهبوا للمعدمين في الاكواخ وبيوت الطين, وشاركوهم احزانهم وحسوا باوجاعهم ,وتخلوا عن حب السلطة والجاه ودعوها هي من تسعى ورائكم ,واتركوا صورة القائد الضرورة الذي لا يهزم ولا يمرض ولا يخطأ ولا يسهو ولا يجادله أحد ,وأهجروا تقليدكم لجبروته وسطوته وتصرفوا على طبيعتكم, وتحرروا من قيود تلك الشخصية, كونوا حقيقيين , ليكن صوتكم حقيقي لا صدى لغيركم, واعملوا لخدمة الناس خدمة حقيقية, لا لخدمة وتلميع صوركم في الانتخابات والاعلام والشوارع .
, كونوا المظلومين ولا تكونوا الظالمين, كونوا المقتولين ولا تكونوا القتلة , كونوا الضحايا ولا تكونوا الجلادين, لان التأريخ لن يتكرر ولن يرحمكم, ولا تكونوا سببا في صناعة واعادة تدوير الطغاة والظلمة والقتلة في البلد في هذا الزمن الاغبر الذي صار كل شئ فيه خاضعا لاعادة التدوير !!.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب