23 ديسمبر، 2024 3:43 ص

صدام حسين والمقارنة العادلة/ 2

صدام حسين والمقارنة العادلة/ 2

كما بدأته بالحلقة الأولى من مقالتي الموسومة بعنوانها الصريح ، فأني أعتبر أن ما صنعه صدام حسين من إنجازات ، لم يصنعها لنفسه ، لأنه يدرك جيداً أنها ستكون أرثاً للشعب ، ومجداً يتباهي به أبناء شعبه ، بغض النظر عن شخصيته وأفعاله أن عجبت البعض أو لم تعجبه ، الشيء الملفت بشخصية الرجل ، أنه كان واثقاُ من نفسه بقوة حديدية ولم يلتفت للوراء ، كما يحدث عند زعماء اليوم ، تحت حجة الديمقراطية الغبية التي استوردوها لنا ، جعلت منهم زعماء ضعفاء مرتجفين لا يتجرءون على إصدار مرسوم أو قرار ، يتم تنفيذه ، وهذا الأمر أعترف به المالكي شخصياً أمام الملاْ بأن قراراته لا تطبق ، ومن يرد على ما نصفه بقوة شخصية صدام بأنها مثلمة عليه فيسمونها ( ديكتاتورية الحاكم ) فنحن نرحب بهذه الديكتاتورية التي صنعت للعراقي هيبة أمام الدول ، وجعلت من حدوده شبحاً يخيف من يقترب منها ، يقابل ذلك فأن ديمقراطية الحاكم المستوردين أنتجت لنا ضياع الهيبة في وجه المسئول مهما كان شأنه أو على منصبه ، وقد يرد علينا أحدهم فيقول أننا شعب متخلف لا نفهم الديمقراطية ، ولا نحيا إلا بظل حاكم جائر ، فنرد عليه بكل بساطة ، أنظر إلى عشرات الدول الديمقراطية بالعالم ، فرؤسائها مهابين وأقوياء ، وقراراتهم ملزمة ومعتبرة ، وقاطعت كالسيف ، وأقرب دليل لذلك ، هو سيدكم الذي جاء بكم ( جورج بوش ) كان متسلطاً ليس بقراراته على شعبه فحسب ، بل على المنظومة الدولية بغالبية كبرى ، وإذا كانت الحروب التي مرت بالعراق سبباً كي نلعن صدام حسين كما يشتهي البعض أن يقول ، لأن هذا البعض يوعز الأمر إلى أن الحروب قد صنعت أجيالاً بالعراق تبكي وتأن ، نعم لا نلغي أو نجادل على أن الحروب هي آخر الدواء ، وهي علة تؤذي البلدان ، ولكن لو نظرنا إلى الحرب العالمية الأولى والثانية ، التي كانت ساحتها البلدان الأوربية ، أو الحرب اليابانية على الصين ، أو الحرب الكورية في شبه جزيرة كوريا ، أو حرب بريطانيا بجزر فوكلاند جنوب القارة الأمريكية ألاتينية ، وغيرها من الحروب ، فأن تلك الحروب ورغم مأساتها المدمرة ، ولكنها صنعت شعوب تفهم قيمة السلام ، كما فهمت قيمة الحرب ، وصنعت عقولاً أبدعت وتحولت تلك البلدان إلى دول متحضرة ومتقدمة صناعياً ، وما كان يجري بالعراق ، رغم رأينا الرافض للحروب التي مرت بنا ، فمنها قد فُرضت على العراق فرضاً وأخرى كانت كمصيدة لهلاك العراق الذي وصلنا أليه .

السبب الحقيقي ، لأن العراق ليس كغيره فهو مختلف بكل شيء ، داخلياً بتكوينه وقدراته ونسيجه ، وخارجياً من خلال نظرة الآخرين له وأطماعهم فيه ، ولذلك كنا ولا نزال وسنبقى ، هدفاً ذهبياً للمؤامرات والابتلاع .

هذه التصورات أنتجت لنا زعماء مختلفين بالطباع والأداء ، ولكن لا نستطيع نكران شخصية صدام حسين بأن تكون متميزة بجميع تفاصيلها عن جميع من سبقوه ومن لحقوا من بعده ، وهذا الكلام ليس من تأليفي أو من محبتي أو كرهي للرجل ، بل موجود في مراكز الدراسات الدولية ، وبشهادة أعدائه قبل أصدقائه .

أن صدام حسين أصبح حجة على أولئك الزعماء الجدد إن صح أن نطلق عليهم كلمة ( زعيم ) فأننا لم نجد لغاية الآن ولجميع من مر بنا منذ سنة الاحتلال اللعينة رجلاً يحمل معنى حقيقي

لمصطلح زعيم أو قائد شعب ، ولكنهم قد يكون لهم الحق بتكليف إدراي أسمه رئيس بحكم اصطلاح المنصب لا أكثر .

لو قارنا أبسط الأمور بأبسطها وأعظم الأمور بأعظمها ، فلا يوجد أي نسبة أو تناسب بتلك المقارنة ، فقوت الشعب ، وفي زمن أسمه الحصار ، تم اختراع إلية أسمها البطاقة التموينية ، أشبعت الناس وزرعت بداخلهم أمان قوتهم ، رغم الحصار الشديد والمراقبة الصارمة بالمستوردات الغذائية والطبية , و عمليات الابتزاز السياسي التي كانت تمارسها لجان منظمة الغذاء العالمية على العراق في حينه ، مقارنة بما يجري منذ مجيء زفة الديمقراطية الجديدة ، وبالرغم من إن جميع دول العالم مفتوحة على العراق ، وليس هناك أسهل من عملية استيراد المواد الغذائية في ظل أن تكون حكومة العراق تحت الرعاية الأمريكية وتوجيهاتها ، ولكن الذي حدث ولا يزال يحدث ، هو تدمير شيء أسمه مسؤولية الدولة في رعاية شعبها وإشباعه وإبعاد شبح الجوع عنه ، فتحولت وزارة التجارة ، إلى وزارة للسرقات والصفقات المشبوهة والشركات الخاصة لسياسيين ، قاموا بتوزيع الحصص فيما بينهم كما هي المحاصصة السياسية التي يعيشون بظلها ، بأن يكون استيراد السكر مثلاً خاص بالشخصية الفلانية ، واستيراد زيت الطعام لشخصية فاسدة أخرى ، وهكذا بقية المواد التي تم تقليص مفرداتها إلى حد أصبحت بلا معنى أو فائدة .

والأمر الآخر الذي يستحق أن تتم مقارنته وهو مرتبط بالأمر الأول هو ( الأمن ) لأن الأمن الغذائي يرتبط بالأمن الفعلي للشعب ، وإذا غاب أحدهما اهتز الأخر من دون شك أو ريب ، كان الشعب العراقي قد عاش سنوات من الحرب ، وبعدها سنوات من الحصار الظالم ، ولكنك كمواطن كنت تتنقل بين محافظات العراق وأنت مطمأن على نفسك وأهلك ومتاعك ، والجميع كان يشعر أن القانون والدولة موجودة معه أينما ذهب ، وحتى لو كان يفسرها البعض على أن الهاجس بوجود رجال الأمن التابعين للنظام متواجدين يترقبون حركة الناس ، وإن ذلك كان لحفظ كيان النظام ووجوده ، فهذا الأمر وإن صح ، ولكن كانت نتيجته هي حامية الشارع بكل من فيه ، ففي دولة الأمارات حالياً وهذا الأمر يعرف كل من زار هذا البلد العربي ، أن من يخالف إشارات المرور ، أو يرمي عقب سيكارته بالطريق ، فأنه قد يتعرض للسجن إن كرر المخالفة أو يدفع مبالغ كبيرة على أي مخالفة تحدث ، وهذه تسمى أجرائات أمنية ، ولو أطلعنا على النظام في المملكة السويدية وانغمسنا في أسلوب وطريقة وضع بيانات المواطنين أو المقيمين والمغتربين لديهم ، فسنجد تفاصيل لم تخطر ببال أحد ، حيث يعتبر السويد هو الدولة البوليسية الأولى عالمياً ، والهدف من وراء ذلك هو حماية أمن المواطن بمنتهى الدقة والمتابعة .

ما عرفته من خلال بعض المختصين أن آخر ميزانية للعراق قبل الاحتلال كانت لا تزيد عن ثمانية مليارات دولار ، وكان الشعب شبعاناً أو مكتفياً على أقل تقدير ، وكانت الرواتب الحكومية رمزية ولكن الإدارة الحكومية كانت تعمل بمهنية ملموسة رغم العوز .

واليوم لا يمكن وبأي حال من الأحوال ، ورغم الميزانيات الانفجارية المتكررة و قيمة الرواتب المرتفعة والتي وصلت إلى حدود غير مقنعة ، يقابلها تضخم مهول ، أنعكس على حياة البسطاء والفقراء اللذين لا يملكون رواتب حكومية ، فصنعت لنا ديمقراطية بوش ، طبقية سرطانية لم

نكن نحتاجها ، ما زاد الطين بله ، حينما قرر السياسيين الجدد ، تلبية الحلم الماسوني ، وذلك بربط العراق واقتصاده بالبنك الدولي ، حينما قرر باقر صولاغ إثناء استلامه مسؤولية وزارة المالية ، الاقتراض من البنك الدولي القرض الأول للعراق والبالغ فقط وفقط وفقط ( مائتي مليون دولار ) وهذا المبلغ يساوي تصدير كمية نفط من مواني البصرة لمدة ساعتين ، لأن الهدف هو ليس الاقتراض لسد الحاجة أو العجز ، وإنما وضع مقدمة لوضع العراق تحت وصاية هذا البنك الماسوني اليهودي المعروف ، ومباشرة أصدر البنك الدولي أوامره لرفع سعر البنزين وكافة المشتقات النفطية الأخرى ، وبالمقابل ارتفعت أجور الشحن والنقل ، وارتفعت الأسعار الأخرى بالسوق المحلية ، وأصبحت زيادة الرواتب التي حصلت لا قيمة مادية لها .

عجز الأمريكان خلال سنين الحرب الإيرانية على العراق وفي حقبة التسعينات التي كان العراق فيها محاصراً من دعوة العراق أو إجباره أو ترهيبه من أجل الاقتراض من البنك الدولي فلم تتمكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة من تحقيق ذلك .

من الملفت أن تتضمن لائحة إدانة صدام حسين أكثر من خمسمائة تهمة جنائية أثناء محاكمته في المحكمة الخاصة التي أسسها الأمريكان له في بغداد ، ولكن الغريب أن تخلو جميع هذه التهم من تهمة كان يرددها أعداء صدام حينما أوجعوا رؤوسنا بالأعلام الموجه قبل وبعد الاحتلال ، وهي تهمة ( العمالة ) لأي جهة خارجية كانت ، خاصة وأن من وضع التهم وقررها ضده هم أعدائه ومبغضيه ، والسبب لأنهم يدركون جيداً أنه كان عميلاً فعلاً ولكنه عميل للشعب العراقي ، وهم عملاء على رؤوس الأشهاد والأيام قد أثبتت ذلك .

قبل ختام مقالتي قد أكون لم أكفي بالشكل المطلوب عدد المقارنات ، لأنها كثيرة وحتى لا يتهمني أحد ، أنا رجل من جنوب العراق أحمل شهادة بالأعلام وعشت خارج العراق سنين بسبب تعرضي للتهديد ولم أرجع إلا بعد سنين الاحتلال العجاف ، ولكن كلمة حق لابد أن تقال لأن الحساب عند الله قادم لا محالة.