22 نوفمبر، 2024 6:16 م
Search
Close this search box.

صدام حسين والمقارنة العادلة

صدام حسين والمقارنة العادلة

الجميع يدرك إن الكمال لله وحده ، وإن البشر كائنات تخطيء وتصيب ما دامت تسعى وتعمل وتجتهد في حركتها وطموحاتها ، ولكن حينما عاش العراق خاصة ، وبلدان الإقليم المحيط بالعراق عربياً ودولياُ في شغل شاغل طوال عقود من الزمن بشخصية قادت بلداُ صعباً بكل شيء ، بتكوينه السكاني ، وتنوعه الأثني والقومي والطائفي ، قد صاحب ذلك محيط حاسد ، ومتهيئ للانقضاض بأية لحظة من أجل افتراسه ونهبه ومصادرته ، ومادام البلد قد تعرض طيلة حقبه تاريخية طويلة للاستعمار والتهديد المتواصل ، من كل حدب وصوب ، كان من الطبيعي أن يتكون فيه زعماء يتمتعون بالقوة والجبروت والإرادة الحديدية ، ولكن كان ينقص هؤلاء القادة شيئاً مهماً وضرورياً ، هو توقيت استخدام الجبروت والقوة ومع من ؟ وضد من ؟ كان هذا النقص يحطم بروز الشخصيات وإستمراريتها بالحكم والزعامة التي لا نستطيع أن ننكر حبنا الدفين للبحث عنها ولكن بصورة أفضل على أن تكون قريبة من نفوسنا ، رحيمة بنا ، غليظة وشديدة على أعدائنا ، كان صدام حسين يمتلك صفات للقيادة أقر بها أعدائه قبل محبيه ، ولكننا كعراقيين ، كنا لا نلتفت لكثير من تلك المزايا بشخصيته ، نتيجة الظروف المتلاحقة التي مر بها العراق أثناء حكمه ، من حروب وتحديات وحصار ، كان هو يشكل جانب من السبب في حدوثها ، وكانت هناك أسباب أخرى دولية وإقليمية قد ساهمت في صناعتها وصيرورتها ، لتشكل الصورة الكاملة لنتائج ما حدث .

ما جعلني أن أكتب بمقارنة بسيطة عن صدام حسين ، وزعماء اليوم اللذين توالوا على حكم العراق منذ سنة 2003 ولغاية اليوم ، هو ما أسمعه يومياً وفي كل مكان ، ما يقوله الناس البسطاء اللذين كانوا من الكارهين لصدام ، ومن المصفقين للوافدين الجدد ، الأغلبية الساحقة من هؤلاء أصبحت تتذكر شخصية صدام حسين وما فعله بزمنه وحكمه وما يفعله الزعماء الجدد ، وللمقارنة وجوه عده تتصل بحياة الناس وأمنهم ولقمة عيشهم ، ومستقبل أجيالهم .

أولاً – الأغلبية والأقلية :

لم نكن نسمع في الحقب الماضية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، مروراً بجميع من حكمها ، عن مصطلح الأغلبية والأقلية بالمجتمع العراقي ، وحتى اللذين كانوا يشعرون بالحيف أو الظلم ، نتيجة فعل ما ، يقوم به من يمثل الحاكم ، كان المظلوم يسعى لإثبات الحق بالفعل الذي جعله مظلوماً ، ولم يكن ينظر إلى حجم انتمائه البشري للشريحة التي ينتمي أليها ، لأنه كان مؤمناً أنه عراقي مظلوم تحت سلطة عراقي آخر قد ظلمه ، نتيجة لجهل الظالم باستخدامه للقانون ، أو نتيجة لتصرف خفي مقصود ، من منطلق كامن ، واليوم أصبحت كل فئة تدعي أنها الأغلبية والآخرون هم الأقلية ، من أجل تثبيت المكاسب لا أكثر وامتلاك سلطة القرار ، وحينما حصل ذلك تحت ما يسمى ( الديمقراطية الجديدة ) وجدنا أن هذه الأغلبية مشتته وضائعة ، تبحث عن العودة لأقليتها الحزبية والفئوية بمجرد أنها ضمنت أغلبيتها ، فيما بقيت بما سميت بالأقلية تعاني مما تسميه التهميش وضياع الحقوق ، بالرغم من وجودها بالحكومة والبرلمان والوزارات ، هذا يدل على شيء واحد وهو أن هؤلاء لا يمتلكون الإخلاص الحقيقي في خدمة العراق ، ومعاناتهم ليس لإثبات عددهم وأغلبيتهم التي يدعون ، وإنما للحصول على عدتهم المادية ، ولو رجعنا لقول الأمام علي (

ع ) البليغ حينا قال ( لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه ) لأن من يسلك طريق الحق هم عادة أقلية وهؤلاء هم من يستحقون الحكم والزعامة ، لأنهم مخلصون مع أنفسهم ومع شعوبهم .

ثانياً – الاعتداء والجبروت والتسلط :

اُتهمت حقبة سلطة النظام السابق ، بقضايا أساسية وأخرى هامشية ، الأساسية كان في مقدمتها مصادرة الحريات ، ومنع الأحزاب من ممارسة حقها السياسي ، وكان من أبرز الحركات المستهدفة في تلك الفترة ، حركتين أساسيتين بارزتين ، وهما ( حزب الدعوة ، والحركات الكردية ) فكانت حرب الشمال قد أخذت من شبابنا ما أخذت نتيجة العصيان المسلح المدعوم من إيران وإسرائيل ، بشكل علني وواضح وفي فترة معينة من نظام حافظ الأسد ، نتيجة الاختلاف الحزبي بين جناحي البعث في البلدين في التعاطي مع القضايا المصيرية ، وحزب الدعوة ، نتيجة اتهام النظام له ، بعلاقته المباشرة مع إيران ، وتوجهاته بتغيير الحكم ، كان العديد من السياسيين واللذين تحولوا فيما بعد إلى معارضين للنظام ، قد ثقفوا المجتمع على أن هاتين الحركتين هما المنقذين لمستقبل العراق ، وهما الضمانة لوحدته ورفاهيته ، وحينما احتلت بغداد ، وتغير النظام ، وتمكنت الحركات الكردية وحزب الدعوة من استلام زمام الحكم ولا زالت ماذا فعلت ؟؟

الأكراد لم يتركوا شيئاً منكراً إلا وفعلوه ، وكأنهم يحملون ثأراً كامناً ضد كلما هو عراقي أو عربي أو تركماني أو مسيحي أو غيره ، سرقوا ممتلكات الجيش العراقي وأسلحته الثقيلة ، ونهبوا المصارف ، ومن ثم فتحوا أبواب أربيل للموساد الإسرائيلي ليتم إرسال الانتحاريين وإدارتهم من هناك وأمسكوا بأزرار تخريب الأمن وخاصة في بغداد وكركوك وطوز خرماتوا تحديداً ، وما تصريح روز نوري شاويس قبل سنة تقريباً من ألان حينما قال لو التحقت كركوك والطوز بالإقليم ، لتوقفت فوراً عمليات التفجير فيهما ، وقد حدث ذلك بالفعل حينما احتلت عصابات البيشمركة كركوك ، توقفت بنسبة كبيرة عمليات تفجير السيارات المفخخة إلا ألتي انفجرت في الأحياء العربية من أجل ترويع العرب والضغط عليهم كي يرحلون ، ولا ننسى سرقة نفط العراق وتصديره لإسرائيل علناً ومن دون حياء ، ولا عملية سرقة آثار العراق وتهريبها للكيان الصهيوني وآخرها فضيحة الأرشيف اليهودي ولا السعي الحثيث لتقسيم وتجزئة العراق إلى أقاليم فتات ضعيفة .

أما حزب الدعوة بقيادة نوري المالكي ، قد فعل جميع الموبقات منذ دخوله العملية السياسية ولغاية الآن ، فما كان يعاني منه في زمن النظام السابق وبما سماه ( المقابر الجماعية ) فقد أجتهد في إقامة المقابر الجماعية بمذبحة الزركة ، وحولها إلى مجازر جماعية في ضرب المدن بالمدفعية والطائرات فعل كل الأفعال التي كان ينتقدها ويوعزها للنظام السابق أثناء حكمه ، ولكنه قام بأفعال لم تفعلها جميع الأنظمة التي توالت على حكم العراق ، نتيجة لحجم السرقات المالية الخيالية ، ومصادرة أراضي وعقارات الدولة ، وتسجيلها بأسماء تابعين لحزب الدعوة ، والقيام بعمليات قتل منظمة بالمسدسات الكاتمة لجميع من يعتقدون أنه يشكل خطراً عليهم وعلى سياستهم التي ينتهجونها ، تدمير قطاع التربية وتحويل القطاع التربوي إلى هياكل خاوية من خلال تغيير مناهج وأنظمة التعليم التربوي والتعليم العالي ، تحويل الميزانيات السنوية للدولة إلى رواتب وامتيازات للخاصة منهم ، وزيادة أعداد الحمايات بشكل خرافي لا يوجد له مثيل في أي دولة أخرى ، على حساب التنمية ودعم القطاعات الشعبية الأساسية .

ونتيجة لتلك الصورة المظلمة التي لمسها الشعب العراقي بنفسه لتصرفات الأكراد والدعوة ، تذكر العراقيون ما كان يطلقه النظام السابق عليهما حينما كان يوصف الأكراد ( بالجيب العميل ) و ( حزب الدعوة العميل ) فقد جسد هاذين الكيانين ذاك الوصف بمنتهى الأحقية والمطابقة لأفعالهم

ثالثاُ – تدمير الصناعة :

كان العراق يتدرج بصناعته ليصبح من الدول الصناعية الناشئة والجادة التي كادت أن تلتحق بالدول الصناعية المتطورة ، من خلال الصناعات المدنية ، والصناعات العسكرية الأساسية ، واليوم حكوماتنا تتحسر على أمكانية عقد صفقات لاستيراد طلقات المسدس والبندقية ، بعدما وصلت الصناعة العسكرية العراقية ، لأعلى مستوياتها في صناعة كافة الأعتدة للأسلحة الخفيفة بجميع أنواعها ، وقذائف المدفعية والدبابات ، والصورايخ المتوسطة والبعيدة المدى ، وأسلحة عسكرية لا يتسع الوقت لذكرها .

وبعدما ازدهرت شركات وزارة الصناعة فيما تقدمه وتبدع في تصنيعه ، أصبح موظفي هذه الشركات ، يتظاهرون يومياً من أجل الحصول على رواتبهم ، بعدما تحولت شركاتهم إلى بنايات خاوية وفارغة يعمها الصمت والبطالة ، فما هي الحكمة من كل ذلك ؟؟ هل يعتقد أصحاب القرار أن تلك المنجزات التي حققها العراقيون في زمن النظام السابق هي ملكاً له ؟ أم هي ملك للشعب العراقي برمته ، ولكن ما دفعهم لتدمير كل ذلك البنيان ، هو الحقد الأعمى .

علينا أن نستفيد من المقارنة بين الأمس واليوم ، لأن صدام حسين بما حققه في زمنه من انجازات مهمة أصبحت صفحة للمقارنة بما فعله و يفعله حكامنا الجدد وما أوصلوا أليه العراق من خراب ودمار .

في بداية الاحتلال كان السياسيون والمتمسحين بهم يتسابقون من أجل ذكر عورات النظام السابق ، وكان أشرفهم وأفضلهم عند سيده ، هو من يسطر صفحات الظلم التي لحقت به من جراء أفعال النظام ، ولم يكن يتجرأ أي شخص من ذكر ولو حسنه واحدة من أفعال النظام ، رغم وجود عشرات الأفعال التي تتصل بحياة الناس اليومية من خلال أعمال البنية التحتية للطرق السريعة ، أو الفنادق العالمية أو الجسور ، أو التطور العلمي ، أو التقدم الصناعي .

أما اليوم فالجميع بحاجة ماسة لذكر كل شيء ، ليس لأجل تمجيد النظام السابق أو إغفال الأخطاء التي وقع بها فأوقعته ، ولكن للعدالة درس ، شئنا أم أبينا أسمه العدالة في تسمية الأشياء بمسمياتها ، لأننا كشعب وقعنا تحت خدعة كبيرة جداً أسمها ضياع الوطن ، وزعامة اللصوص والقتلة ، والعملاء ، رحمك الله يا عراق .

أحدث المقالات